السودان... هل تصل الأزمة السياسية إلى نهايتها بعد التوقيع على "الاتفاق الإطاري"؟

رغم الإعلان عن اقتراب التسوية السياسية في السودان، التي تتمثل في التوقيع على الاتفاق الإطاري بين مجلس السيادة وقوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي"، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة.
Sputnik
يرى مراقبون أن الخلافات ليست في بنود الاتفاق الإطاري الذي يفترض التوقيع الأولي عليه خلال ساعات، بل في حقيقة أن هناك رفضا شعبيا من الكثير من القوى السياسية والأحزاب، الأمر الذي يجعل الاتفاق في مهب الريح، في حين يرى آخرون بضرورة بذل المزيد من المحاولات لضم غير الموقعين، لأن اعتماد القرار بتلك الصورة يمكن أن يمهد لصراعات جديدة.
بداية يقول الفريق جلال تاور، الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، إن المشكلة لا تكمن في الاتفاق الإطاري الذي يشمل 10 بنود، ليست هناك إشكاليات أو خلافات جوهرية حولها، وإنما في "من سيوقع مع من".
"السيادة" السوداني: توقيع الاتفاق السياسي الإطاري يوم الاثنين
غياب سياسي
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "الإشكالية تكمن في الموقعين على الاتفاق، لأن الكثير من الكيانات السياسية الأخرى غير موجودة في التوقيع، حيث أن قوى الحرية والتغيير تشتت إلى ثلاث قوى، والذي يفترض أنه سيوقع على الاتفاق وفق ما تم الإعلان عنه، هو قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي"، إضافة إلى ثلاث جهات أخرى تعد داعمة للانتقال وليست من قوى الثورة التي تنتمي إليها الحركات المسلحة".
واعتبر أن ذلك الأمر يجعل من هذا الاتفاق "اتفاق ثنائي"، مشيرا إلى أن "قوى أخرى حتى من داخل الحرية والتغيير ومنها حزب البعث العربي الإشتراكي أعلنت صراحة أنها لن تحضر التوقيع المقررغدا الاثنين".
وتابع الخبير العسكري "علاوة على المجموعات التي ذكرناها، هناك مجموعة تسمي نفسها "نداء السودان" وهم يحركون مسيرات كثيرة في الشارع تسمى مواكب الكرامة، وهؤلاء يرون أن كل ما يجري من إعداد لهذا الاتفاق، هو بضغوط خارجية وأن من يوافقون من الحرية والتغيير، هم من حملة جوازات السفر الأجنبية، ويرون أيضا أن هذا الاتفاق لا يمثل الشعب السوداني، والأهم في كل ما سبق هى مجموعة لجان المقاومة والتي أعلنت صراحة أنها ضد هذا الاتفاق ولا علاقة لها بتلك التسوية التي يجري الحديث عنها وأنها ستواصل التصعيد والمظاهرات خلال الأيام القادمة وبداية من الغد، والذي يصادف نفس يوم التوقيع".
ما هي الأسباب التي تعطل التسوية السياسية في السودان؟
شرق السودان
وأشار تاور إلى أن "شرق السودان يمثل أيضا أحد العقبات لأنه غير مدرج في الاتفاق، الأمر الذي دفع القائمين على الشرق بالإعلان عن التصعيد طالما لم يتضمن الاتفاق قضيتهم ومطالبهم بإلغاء مسار الشرق من اتفاق جوبا للسلام".
وأوضح الخبير العسكري، أن "هذا الاتفاق المرتقب لم ينل الرضا الشعبي، أي أن قبوله ليس كبيرا، حيث أن الانزعاج منه والرفض أكثر من التأييد، لكن كل ما يحرك هذا الاتفاق هو الآلية الثلاثية والاتحاد الأفريقي والمجموعة الرباعية التي تضم بريطانيا وأمريكا والسعودية والإمارات، هؤلاء هم الداعمين للاتفاق ويقفون على كل الجوانب للتوقيع عليه، هذا الاتفاق حتى لو تم توقيعه فإن لديه الكثير من الصعوبات والمعارضة تجاهه".
الدعم الدولي
من جانبه يقول د.أحمد المفتي، مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان "التوقيع على الاتفاق الإطاري أعلن عنه مجلس السيادة الانتقالي لأول مرة في بيان ليل الجمعة الماضية على اعتبار أنه يشكل أساسا لحل الأزمة السياسية ولا يشكل الحكومة الانتقالية".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "هذه هى المرة الأولى التي يصدر فيها مجلس السيادة، بيانا حول التسوية السياسية على الرغم من أنها قد بدأت منذ شهورعدة، ولذلك نرى أنه ينبغي على كافة القوى السياسة المتحفظة عليها أن تأخذه فورا مأخذ الجد قبل أن يتم التوقيع على الاتفاق، خاصة وأنه يحظى بدعم دولي ضخم، حيث أن الاجتماع الذي أقر الموعد انعقد بمشاركة وحضور الآلية الثلاثية والآلية الرباعية، والاتحاد الأوروبي وممثلي الدول الأعضاء فيه".
وتابع أن الاتفاق الاطاري الذي تم إعداده غير مفتوح للنقاش بل للتوقيع لأن الاجتماع أقر ماتم التوصل إليه من تفاهمات، تم تلخيصها في الاتفاق الإطاري، والذي يشكل أساسا لحل الأزمة السياسية الراهنة بالبلاد.
ومضى بقوله "حضر الاجتماع الأخير من جانب مجلس السيادة الانتقالي البرهان وحميدتي، بصفتهما رئيس ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي وليس بصفتهما جزء من"المكون العسكري"، وهذا يعني أنهما يمثلان ليس"المكون العسكري فحسب، بل يمثلان كذلك أعضاء حركات الكفاح المسلح في مجلس السيادة، لأن البيان لم يذكر أسماء ممثلي القوى السياسية الموقعين على الاتفاق الإطاري، وفي اعتقادنا هذا عدم شفافية يضر بالعملية ويربك الساحة السياسية، لأنه لم تذكر أسماء الممثلين، والجهات السياسية التي يمثلونها، كما لم تذكر تفاصيل عن ماهية الإعلان السياسي والجهات التي وقعت عليه".
حميدتي: نحن مع "التسوية السياسية" ومن يحاول إعادة البلاد إلى ما قبل 2018 واهم
المرحلة الثانية
وتابع المفتي "لم يوضح البيان علاقة الإعلان السياسي الذي تم التوقيع عليه مع الاتفاق الإطاري الذي سوف يتم التوقيع عليه غدا، ومع "الاتفاق النهائي"، والذي سوف يكون عبارة عن تطوير في المرحلة الثانية للاتفاق الإطاري لكي يصبح نهائي وترتيبات دستورية انتقالية في غضون أسابيع محددة".
وأشار إلى أن "الاتفاق الاطاري سوف يكون مفتوحا للنقاش والمشاركة في المرحلة الثانية وليس الآن، ولن يكون النقاش من قبل كل القوى السياسية ولكن فقط المتفق عليها، وفي اعتقادنا أن الاستقرار السياسي المنشود يتطلب استمالة أكبر عدد من المتحفظين على الاتفاق الإطاري وليس مجموعة فقط".
وأعلن مجلس السيادة الانتقالي في السودان، توقيع الاتفاق السياسي الإطاري "الذي يشكل أساسا لحل الأزمة السياسية الراهنة في البلاد" يوم الاثنين المقبل.
وانعقد في الخرطوم مساء الجمعة الماضي اجتماع ضم عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، ومحمد حمدان دقلو "حميدتي" نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع، مع ممثلين من القوى الموقعة على الإعلان السياسي.
وجرى الاجتماع بحضور الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية لشرق أفريقيا (إيقاد)، والآلية الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، والاتحاد الأوروبي وممثلي الدول الأعضاء فيه بالسودان.
تحالف المعارضة السودانية يؤكد استعداده لتوقيع اتفاق إطاري مع المكون العسكري
وبحسب البيان "ناقش الاجتماع تطورات العملية السياسية، حيث أمن على ما تم التوصل إليه من تفاهمات تم تلخيصها في الاتفاق السياسي الإطاري والذي يشكل أساساً لحل الأزمة السياسية الراهنة بالبلاد".
وقال مجلس السيادة إن الاتفاق الإطاري "يظل مفتوحاً للنقاش والمشاركة من الأطراف الأخرى المتفق عليها لتطوره في المرحلة الثانية لاتفاق نهائي وترتيبات دستورية انتقالية، في غضون أسابيع محدودة، تمهيداً لتشكيل سلطة مدنية تقود المرحلة الانتقالية وصولاً لانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب السوداني من يحكمه".
وختم بالقول "اتفقت الأطراف السودانية على أن يتم توقيع الإتفاق الإطاري يوم الاثنين القادم الموافق 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022، بحضور واسع محلي ودولي تمهيداً لمرحلة جديدة تستشرفها البلاد".
والأحد الماضي، قال عضو تحالف المعارضة السودانية، الواثق البرير، إن قوى الانتقال السياسي مستعدة لتوقيع اتفاق إطاري مع المكون العسكري، ولفت إلى ضرورة تهيئة الأجواء الملائمة لذلك عبر إطلاق سراح المعتقلين ووقف العنف ضد المتظاهرين.
كانت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) المعارضة للسلطة الحالية في البلاد قد أعلنت، في وقت سابق من الشهر الماضي، عن التوصل إلى تفاهمات مع المكون العسكري، وتوقعت أن يتم التوقيع على اتفاق إطاري مع العسكريين قريبا بما يمهد الطريق للوصول إلى اتفاق شامل يضمن تشكيل حكومة مدنية مدتها 24 شهرا تنتهي بانتخابات حرة ونزيهة.
وانطلقت، في مايو/ أيار الماضي، في الخرطوم جلسات الحوار المباشر بين الأطراف السودانية برعاية الآلية الثلاثية، من أجل حل الأزمة السياسية في البلاد.
مناقشة