مصر تنجح في إدراج احتفالات "رحلة العائلة المقدسة" على قوائم اليونسكو

خوفا من بطش الملك هيردوس الأول، ومحاولة للابتعاد عن الظلم الذي لاحق مريم العذراء طيلة حياتها من قومها في بيت لحم بفلسطين، الذي ازداد مع ولادتها المسيح، نزحت العائلة المقدسة إلى مصر، للاحتماء والشعور بالأمان.
Sputnik
القاهرة - سبوتنيك. ويتوافق الكتاب المقدس مع الكنيسة القبطية على قدوم العائلة المقدسة مكونة من العذراء مريم، والمسيح عيسى، والقديس يوسف النجار، إلى أرض مصر، خاصة بعدما أمرهم الوحي بوجوب الإسراع في الفرار، خوفا من قتل الملك هيردوس للأطفال الذكور الرضع، المُعتقد في تهديدهم لعرشه.
في تلك الفترة تحديدا، وقبل عودة العائلة إلى الناصرة بفلسطين مرة أخرى، وبعد مرض هيرودس وموته، وتولي ابنه أرخيلاوس الحكم، تبارك المصريون بوجودهم، احتفلوا بقدومهم، وطهوا الأكلات وجعلوا من تلك الرحلة طقوسا لا تزال تحيا بوجدانهم، بعد سنوات طوال من الرحيل، وحتى وقتنا هذا.
وانتبهت الحكومة لما تتميز به مصر من احتفالات قبطية فريدة، فأمر وزير الآثار السابق، خالد العناني، في 2018، بتشكيل لجنة عليا مكونة من مجموعة خبراء من وزارة الثقافة، بجانب وزارتي السياحة والآثار، وخبراء التراث والفنون، لعمل ملف خاص بالاحتفالات الشعبية المرتبطة بالعائلة المقدسة، وتقديمه لمنظمة "اليونسكو"، يستهدف وضعها على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، وبالفعل تم اعتماده بنهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
مصر تطلع البطريرك الصربي على جهود إحياء مسار رحلة العائلة المقدسة
- احتفالات العائلة المقدسة في مصر
في هذا السياق، تواصلت "سبوتنيك" مع عميد المعهد العالي للفنون الشعبية في مصر، والخبير العلمي في التراث الثقافي غير المادي، وأحد القائمين على إنشاء الملف، ومخرج الفيلم التسجيلي، مصطفى جاد، والذي لفت إلى حرص الفريق البحثي على جمع المواد الفولكلورية الخاصة باحتفالات العائلة، وعيد دخولهم مصر في أول تموز/ يوليو.
وأوضح جاد أن إحياء ذكرى الحدث يتم سنويا، من خلال احتفالين شعبيين يشارك فيهما مئات الآلاف من المصريين، مسلمين وأقباط، قد يصل عددهم في بعض المناطق إلى 3 ملايين مشارك.
وحول سبب اختيار رحلة العائلة المقدسة من بين عديد الموضوعات التي يذخر بها التراث المصري، أرجع جاد السبب إلى "الرغبة في اختيار موضوع تنفرد به مصر دون غيرها"، موضحا أن بلاده نجحت في ضم السيرة الهلالية، والتحطيب، والنسيج اليدوي، والأراجوز، بالإضافة إلى ملفات مشتركة كالخط العربي، لافتا إلى "مشاركة بلدان مثل تونس وليبيا والسودان في السيرة الهلالية، وبلدان أخرى في تقديم النسيج، ولكن لا يوجد بلد احتمت بها العائلة سوى مصر".
- مظاهر الاحتفال بالرحلة
وتابع جاد قائلا "الاحتفال الأول يحمل اسم (عيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر) يستغرق يومًا واحدًا، ويقام سنويًا أول حزيران/يونيو في مصر عامة، وفي أول شباط/فبراير بمحافظة المنيا، أما الاحتفال الثاني يحمل اسم (مولد السيدة العذراء)، ويقام سنويًا في عدة أماكن بجبل درنكة في محافظة أسيوط، وفي القاهرة، ويأتي في توقيتات مختلفة خلال أشهر مايو، يونيو، أغسطس، ويمتد 15 يومًا هي أيام صوم العذراء مريم".
وأوضح أن الاحتفالات تتمثل في "أداء التراتيل الدينية بمصاحبة إيقاع الدفوف، فضلا عن فنون الرسم لأيقونات العائلة المقدسة، واللعب بالعصا، والوشم على الجلد، بجانب محاكاة تمثيلية لرحلة العائلة إلى مصر".
وأضاف جاد "يتخلل العرض موكب كبير لعروض فنية، يحمل فيها المحتفلون الشموع والمباخر والصلبان والرايات، وأغاني شعبية ترددها النساء، وتوزيع الأطعمة، وتقديم النذور للكنائس، ورمي النقود المعدنية في آبار المياه، وإيقاد الشموع طلبًا للبركة وتحقيقا للأمنيات".
واستكمل الخبير في التراث غير المادي "تشمل الاحتفالات بعض الدلالات الثقافية كارتباط المحتفلين ببعض الأدوات المتبقية من الرحلة، كالماجور المصنوع من الفخار بكنيسة جبل الطير وكنيسة سمنود، والمستخدم لصناعة خبز العائلة، ويُلقى الزوار النقود بداخله، وكذا شجرة مريم بالمطرية التي استظلت بها، وشجرة العابد ويُعتقد أنها انحنت للمسيح".
وبسؤاله عن المشاركين في الاحتفالات، ذكر عميد المعهد العالي للفنون الشعبية، أن "الأحباش [الإثيوبيون]، يهتمون بالاحتفال ويتباركون بالرحلة، كما يشارك ممثلون عن المجتمع الدولي، سفراء وقناصل لبعض الدول المختلفة"، وفق قوله.
"صمام الأمان" في ظل الجائحة... كيف دعمت السياحة الداخلية الاقتصاد المصري.. صور
- صعوبات في توثيق الملف
وعدد جاد الصعوبات، في "ارتباط العنصر نفسه بتوقيت معين من العام، ما يضطر الفريق البحثي كاملا إلى النزول وتصوير الأحداث وتسجيل الاحتفالات، ويعتبر ضياع أي مادة، ضياعا لجزء هام من توثيق الاحتفالات بالملف"، مستطردا "واجهنا صعوبة في التصوير بكاميرات ضعيفة الإمكانيات، فضلا عن حيرة اختيار أفضل 10صور وفيلم مدته 10 دقائق من بين مئات المواد المُجمعة على مدار 3 سنوات".
وفي ما يتعلق بأهمية إدراج العنصر، قال جاد إنه "من المتوقع أن يسهم في زيادة وعي المجتمع الدولي برحلة العائلة في مصر والاحتفالات المرتبطة بها، ما يؤسس لتواصل ثقافي مع شعوب أخرى من العالم وتبادل الحوار معها، ومن ثم إبراز التنوع الثقافي بينها".
وأضاف "الاحتفالات من شأنها تنشيط السياحة بشكل واضح، كما تعزز من التنمية الاقتصادية للدولة وللأشخاص القائمين على تنظيم الاحتفالات والأهالي العاملين بمناطق الاحتفال".
واختتم جاد بالقول إن "الملف اعُتمد بعدما تم تقديمه للتحكيم في اجتماع اليونسكو [منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة]، الذي عقد في الرباط، ولاقى موافقة 21 من أصل 24 دولة أعضاء في اللجنة"، موضحا أنه "قبل تقديم الملف، كان لابد من أخذ الموافقة من الجهات المعنية بالعنصر، متمثلة في الجمعيات المصرية والقبطية وجمعيات المجتمع المدني".
يذكر أن التسجيل يتم بناءً على اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي التي وقعتها مصر في عام 2005 مع أكثر من 170 دولة، وتحث على احترام الهويات والثقافات المختلفة ومشاركة المجتمع في توثيق تراثه.
وتقوم الدول سنويا بتقديم ملفاتها لتسجيل عنصر من تراثها الثقافي، في ثلاثة قوائم، هي القائمة التمثيلية، وتعني أن الدولة لا تحتاج لمساعدة بخصوص هذا العنصر، وقائمة الصون العاجل الخاصة بالعنصر المهدد بالاندثار، ما يتطلب دعما من "اليونسكو" من خلال صندوق الدعم الدولي، وأخيرا قائمة الممارسات الجيدة، وتكون الدولة قد أنقذت عنصرا كان مهدداً بالاندثار، فتسجلها المنظمة كمثال يحتذى به لباقي الدول.
هذا وتبنت مصر منذ سنوات مشروعاً متكاملاً لتطوير نقاط مسار رحلة العائلة المقدسة وإحيائه باعتباره مشروعاً قومياً، عبر ترميم المواقع الخاصة بالرحلة، وعددها 20 موقعاً.
مناقشة