السياحة المصرية الداخلية التي نشطت في الآونة الأخيرة بنسب غير مسبوقة، تمكنت من إحداث حراك كبير في القطاعات السياحية، بعد إقبال المصريين عليها، في ظل غياب السياح الأجانب، وانخفاض أعدادهم.
مع انتهاء موسم الصيف، كشف تقرير صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG)، أن مصر شهدت زيادة بنسبة 26% في عمليات البحث المتعلقة بالسياحة المحلية خلال موسم الصيف.
صمام الأمان
الدكتور عاطف عبد اللطيف، رئيس جمعية مسافرون للسياحة والسفر، وعضو جمعيتي جنوب سيناء ومرسى علم، قال إن "السياحة الداخلية أثبتت جدوتها وأهميتها في ظل الظروف التي تعرضت لها مصر بسبب جائحة كورونا، وما ترتب عليها من إغلاق".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "هناك ارتفاع ملحوظ في نسب السياحة الداخلية في فترة كورونا، مقارنة بالفترة التي سبقتها، وأصبحت جزءًا مهمًا لا يمكن الاستغناء عنها، خاصة وأنها تساعد في إنقاذ الموقف في تلك الظروف".
وبشأن أسباب زيادة السياحة الداخلية، أكد أن "هناك فئة كبيرة من المصريين اعتادوا السفر للخارج من أجل السياحة، خاصة في أوقات الإجازات، وبعد الإغلاق اضطروا إلى السفر للأماكن السياحية المصرية، ما تسبب في حراك كبير للقطاع، وأيضا خرج المصريون بأعداد كبيرة للتنزه وزيارة الأماكن السياحية بعد تحسن الأمور وإنهاء الحظر المفروض، ما أثر بشكل كبير على نسب السياحة الداخلية".
وعن مدى مساهمة السياحة الداخلية في تعويض نظيرتها الدولية الفترة الأخيرة، قال: "السياحة الداخلية أنقذت الموقف، وأحدثت حراكًا كبيرًا في الأسواق، حيث بدأت الفنادق في العمل بعد فترة طويلة من الانقطاع، وكذلك المطاعم والكافيهات، والأماكن السياحية المختلفة، لكن لا يمكن للسياحة الداخلية تعويض السياحة الدولية".
وبشأن الدعم الحكومي الموجهة للسياحة الداخلية ودوره في تحريك القطاع، قال: "الدولة ساهمت في دعم القطاع السياحي بشكل عام وليس السياحة الداخلية فقط، عن طريق تأجيل دفع الضرائب والأقساط والقروض البنكية، وفواتير المياه والكهرباء".
السياحة الشاطئية تتصدر
وطالب عبد اللطيف بضرورة الاستمرار في تشجيع السياحة الداخلية ودعمها "لتبقى صمام الأمان لمصر في حال حدث أي خلل أو جائحة، أو ظروف مشابهة لتلك التي تحدث".
وفيما يخص الأماكن التي شهدت حراكًا كبيرًا، قال: "كانت النسبة الأكبر للسياحة الشاطئية، خاصة في مدن الساحل الشمالي والغردقة والجونة وشرم الشيخ، ونوبيع، ومرسى علم".
الواحات وسياحة السفاري
خالد بشندي، منظم رحلات سفاري في منطقة الواحات البحرية، قال إن "في فترة الإغلاق، نشطت السياحة الداخلية بشكل كبير، خاصة في أيام الإجازات".
وأضاف لـ "سبوتنيك"، أن "سياحة السفاري تختلف عن باقي أنواع السياحة التي يقبل عليها المصريون، مثل سياحة الشواطئ، لكن الفترة الحالية والتي تعد موسم سياحة السفاري نشطت إلى حد ما".
وتابع: "السياح المصريون دائمًا ما ينجذبون للمناطق الشاطئية مثل شرم الشيخ والغردقة، أو الأثرية مثل الأقصر وأسوان، لكن المناظر الطبيعية والصحراء في الواحات وسيوة وغيرها من الأماكن التي تمتاز بسياحة السفاري يقبل عليها السياح أكثر، لذلك شهدت ركودًا كبيرًا الفترة الأخيرة، لكن بدأ القطاع في التعافي بشكل ملحوظ".
وأكد أن "سياحة السفاري تحتاج إلى دعم وترويج من قبل المسؤولين في وزارة السياحة، خاصة أن جهود الترويج شخصية، خاصة للعاملين في المجال من خارج الشركات السياحية".
طوق نجاة
في السياق ذاته، قال محمود قيسوني مستشار وزير السياحة ووزيرة البيئة المصرية لشؤون السياحة البيئية، إن "السياحة الداخلية في مصر كانت طوق النجاة لشركات السياحة، في ظل أزمة كورونا التي ضربت العالم بأسره".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "الحديث عن إمكانية استمرارية الوضع في السياحة الداخلية حتى بعد انتهاء الجائحة ممكن، ولكن بشرط أن يتم مساندة الشركات السياحية من أجهزة الدولة".
وتابع: "هذه المساندة ضرورية وقد تكون على شكل تسهيلات، وتصاريح، وأن يكون هناك بعض الاستثناءات والرأفة في التعامل مع الشركات التي تحاول أن تصمد في تلك الظروف غير العادية، وكذلك تسهيلات مالية إن سمح الأمر".
وأكد أن "من الضروري تقليل الأسعار لأقل درجة لتشجيع السياح المصريين للدخول إلى مناطق الجذب السياحي، لكن لا بد أن يكون الأمر برمته تحت سيطرة وزارة السياحة والاتحاد المصري للغرف السياحية، حتى لا يتم استغلال الأمر بشكل خاطئ خاصة فيما يخص الأسعار والعروض الوهمية".
وعن إمكانية زيادة أرقام السياحة الداخلية، قال: "لو نجحنا في تشجيع المواطن أن يذهب هو وعائلته لأماكن سياحية آمنة، من الممكن أن ترتفع الأرقام لتصل إلى 50% بدلا من 26%".
وبشأن أبرز الأمكان السياحية التي يمكن أن تجذب المصريين، مضى قائلًا:
"مصر الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك كل عناصر السياحة، فهناك السياحة الدينية والعلاجية والكلاسيكية في سيوة ومخافظة المينا بتل العمارنة، ولدينا خطوط سير العائلة المقدسة، وأماكن علاجية في سيوة وجبل الدكرور، والمناطق الجبلية ذات المناظر الرائعة في جنوب سيناء مثل سانت كاترين، ولدينا واحة سيوة وواحة الداخلة والخارجة والفرافرة، والكثير من الواحات الموجودة في الصحراء الغربية، وكذلك في مدينة الفيون لدينا المحمية الدولية الوحيدة في مصر، وبحيرة قارون، وغيرها من الأمكان في شتى المحافظات المصرية".
خطط مطلوبة للتطوير
بدوره قال يحيى راشد، وزير السياحة المصري السابق، إن "السياحة الداخلية تعد فرصة كبيرة للدولة المصرية، ونحتاج أن يكون هناك رغبة أكبر في تنشيطها، وألا تكون مقتصرة على مناطق بعينها مثل الغردقة وشرم الشيخ والقاهرة والأقصر، فكل المحافظات المصرية لديها فرص عظيمة لجلب السياح لها".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "تنشيط السياحة الداخلية في مصر يحتاج إلى اهتمام وتنسيق أكبر من القطاعين العام والخاص، بحيث يكون هناك طرق ومواصلات ممهدة وميسرة، ويكون هناك زيادة للرغبة في تنشط هذا النوع من السياحة، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العالم بأسره جراء انتشار فيروس كورونا".
وتابع: "السياحة الدولية أصبحت صعبة في ظل إغلاق بعض الدول حدودها تمامًا، ولا يمكن لمصر استيعاب كميات كبيرة من السياح، لذلك لا بد من وضع خطة واستراتيجية واضحة، لتحريك السياحة الداخلية، واستقطاب أعداد أكبر من السياح المصريين".
وأكد أن "مصر لديها فرصة كبيرة في تنمية السياحة الداخلية، وذلك بسبب امتلاكها لعدد كبير من السكان"، مشددًا على "ضرورة أن يشعر الناس بحسن الضيافة في الأماكن السياحية، خاصة أن هناك الكثير منها لم يزرها الكثيرون مثل سيوة والأقصر وأسوان وغيرها".
وأشار إلى أن "مصر تأمل أن تعوض السياحة الداخلية جزءًا من أموال السياحة الدولية التي تعطلت بسبب انتشار فيروس كورونا في العالم كله".
وقال تقرير صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية إن هناك "ارتفاعا في معدل البحث عن "السياحة الداخلية" في مصر بنسبة 26% خلال موسم الصيف ، وبنسبة 53% لمن بحثوا عن "رحلات داخلية".
وأضاف التقرير أنه في الأشهر الثلاثة الماضية، شملت أكثر البلدان التي تم البحث عنها في مصر السوق المحلي ومناطق السياحة المحلية، الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والكويت والمملكة المتحدة.
وأكد التقرير أن الأعمال التجارية العالمية في السياحة والسفر سجلت نموًا مستدامًا على مدار العشرين عامًا الماضية، بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 5%، لتصل إلى 4.7 تريليون دولار في عام 2019.
أدت الظروف التي أحدثها الوباء العالمي إلى قيود على السفر والتنقل، وانخفاض متناسب في عدد المسافرين الدوليين ورحلات العمل حول العالم. وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض بنسبة 58%في وظائف قطاع السياحة والسفر، أي ما يعادل حوالي 190 مليون موظف. وهذا يعكس انخفاضًا بنسبة 62%، أي ما يعادل 5.5 تريليون دولار، في مساهمة هذا القطاع الحيوي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي.