وتأتي الإجراءات التي خرجت من المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) ردا على قرار لجوئها إلى محكمة العدل الدولية الأسبوع الماضي، للحصول على رأي استشاري يتعلق بماهية "الاحتلال الإسرائيلي" للأراضي الفلسطينية.
وأكد مراقبون أن هذه الإجراءات تمثل انتهاكا للقانون الدولي وتحديًا للقرارات الأممية، ومشيرين إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية على السلطة والمواطنين الفلسطينيين جراء هذه العقوبات.
تحول خطير
اعتبر الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية والمستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية، أن الإجراءات العقابية التي اتخذتها إسرائيل ضد السلطة الفلسطينية وحكومتها استكمال للإجراءات التعسفية بحق فلسطين والتي تتخذها منذ الاحتلال الأول في عام 1948، وعام 1967.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، إن الممارسات الأخيرة لحكومة بنيامين نتنياهو الأكثر تطرفًا، تعني أن هناك المزيد من الإجراءات القمعية بحق القيادة والشعب الفلسطيني، حيث دائمًا ما تستهدف الحكومات الإسرائيلية السلطة، وسرقة أموال المقاصة الفلسطينية.
وأوضح أن هذه الإجراءات القمعية جاءت بعد الضغوط التي قامت بها السلطة الفلسطينية على إسرائيل، نتيجة تحركاتها الدولية على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وعبر الانضمام للكثير من المنظمات الدولية المهمة والاتفاقيات الفعالة، والتي رسخت جميعها مكانة الدولة الفلسطينية وككيان سياسي مستقل على حدود عام 1967.
ولفت شعث إلى أن هذه التحركات ضيقت الخناق على الكيان الإسرائيلي باعتباره غير مرغوب فيه دوليًا، ما دفع بالحكومة الإسرائيلية إلى محاولة الرد بهذا الشكل، عبر حزمة من العقوبات والإجراءات التي تستهدف السلطة والمشروعات الفلسطينية والشخصيات القيادية، حيث أنها قامت بسحب بطاقة وزير الخارجية الفلسطيني، وهو أمر كارثي وانتهاك لجميع الاتفاقيات الدولية التي تم توقيعها.
إسرائيل تشعر بعزلة دولية شديدة –والكلام على لسان شعث- لذلك تقوم بفرض هذه العقوبات والإجراءات ضد السلطة الفلسطينية، والتي لم ولن تتوقف عن تحركها الدولي في ملاحقة إسرائيل على المستوى الدولي والقانوني والجنائي، كما قامت من قبل بفضح الكثير من سياسات إسرائيل أمام المنظمات الدولية.
وشدد المستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية على ضرورة أن يكون هناك تحرك عربي لدعم السلطة بشكل فوري، ووقف العدوان الإسرائيلي الجديد على الأموال الفلسطينية، مؤكدًا أن استمرار الحكومة الإسرائيلية في هذه التحركات المتطرفة يعني أن هناك تهديدًا حقيقيًا للسلم والأمن الدوليين، في ظل انتهاك القانون الدولي وحرمة الأديان وأماكن العبادة.
وطالب المجتمع الدولي بالتدخل من أجل فرض عقوبات على إسرائيل ووقف انتهاكاتها المستمرة، وتحقيق العدالة المطلوبة، وضمان حقوق الإنسان الفلسطيني على هذه الأرض، لا سيما حقه في العيش الآدمي بحرية وكرامة في وطنه.
تأثيرات اقتصادية
بدوره، قال ثائر نوفل أبو عطيوي، المحلل السياسي الفلسطيني، إن العقوبات الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية جاءت بعد أن أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالأغلبية طلب فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية حول شرعية الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وبعد عقد مجلس الأمن الدولي جلسة لبحث انتهاكات الاحتلال في القدس في أعقاب اقتحام المتطرف "ايتمار بن غفير" للمسجد الأقصى.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، صادق المجلس الوزاري المصغر في حكومة الاحتلال الإسرائيلي على فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، بزعم الرد على توجهها إلى محكمة العدل الدولية، حيث تؤكد إسرائيل أن هذه العقوبات هي رد فعل على "قرار الفلسطينيين بخوض حرب سياسية وقضائية ضد دولة إسرائيل".
وأوضح أن العقوبات على السلطة الفلسطينية تمثلت في تحويل قرابة 139 مليون شيكل من أموال السلطة الفلسطينية إلى عائلات الإسرائيليين الذين قتلوا في عمليات فلسطينية، وتجميد خطط بناء للفلسطينيين في المناطق "ج"، وسحب منافع لشخصيات هامة تقود الصراع القضائي – السياسي ضد إسرائيل، واتخاذ إجراءات ضد منظمات في الضفة الغربية.
ويرى أبو عطيوي أن العقوبات الإسرائيلية الجديدة سوف تؤثر بالطبع على واقع الحياة الاقتصادي للفلسطينيين، وهذا من خلال تقويض الموارد المالية للسلطة الفلسطينية المستحقة الدفع من قبل حكومة الاحتلال، والتي على أثرها سوف يكون هناك أزمة مالية حادة تعاني منها السلطة، ستجعلها عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه العديد من القطاعات الفلسطينية.
واعتبر أن هذه الإجراءات ستجعل الأمر أكثر تعقيدًا وأكثر حصارًا على موارد السلطة الفلسطينية الاقتصادية، والتي ستكون مردوداته سلبية وقاسية على المواطن الفلسطيني، في ظل ظروف إنسانية ومعيشية لا توفر له أدنى متطلبات الحياة الكريمة البسيطة، في ظل حصار إسرائيلي مستمر على الأراضي الفلسطينية منذ سنوات.
وأكد المحلل الفلسطيني على ضرورة رفع سقف الخطاب من قبل المجتمع الدولي وكافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية من تنديد واستنكار إلى تطبيق فعلي وعملي على أرض الواقع من خلال فرض عقوبات على دولة الاحتلال، ومقاطعتها اقتصاديًا، وتفعيل ومناصرة القرارات المشروعة المتعلقة بالقضية الفلسطينية بكافة المحافل الدولية، حتى يتم محاصرة الاحتلال وتقويض شؤونه والتأثير على مصالحه على مختلف المستويات.
ولفت إلى أن هذه التحركات في حال القيام بها دوليًا سوف تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، وأهمها تمكين الفلسطينيين بشكل جدي وفاعل من حل الدولتين من خلال الضغط على دولة الاحتلال وإلزامها بتنفيذ كافة قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي عنوانها دولة مستقلة كاملة السيادة.
وقررت الحكومة الإسرائيلية اقتطاع نحو 139 مليون شيكل (نحو 39 مليون دولار) من أموال السلطة الفلسطينية لصالح عائلات القتلى من المستوطنين الإسرائيليين، كما تشمل الإجراءات العقابية تجميد خطط البناء الفلسطينية في عدد من المناطق.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن، في 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع القرار الفلسطيني بشأن طلب فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية حول "ماهية الاحتلال الإسرائيلي" لن يكون ملزمًا لإسرائيل.
وجاء طلب إبداء الرأي في قضية "الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية" استجابة لمشروع قرار قدمه المندوب الفلسطيني للجمعية العامة للأمم المتحدة التي صوتت عليه بأغلبية 87 صوتا وعارضته 26 دولة فيما امتنعت 53 دولة عن التصويت.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، في حرب عام 1967، بينما انسحبت من غزة عام 2005 لكنها تفرض حصارا على القطاع.