حول ما جرى في مجلس الأمن الدولي يوم 5 فبراير/ شباط 2003 بشأن العراق وبداية الخطة الأمريكية في المنطقة أجرت وكالة "سبوتنيك" المقابلة التالية مع الدكتور رافع الكبيسي، السياسي العراقي والباحث المختص بالشوؤن السياسية، نائب رئيس مركز الخلد للدراسات والأبحاث.
**كيف عملت أمريكا على تدمير العراق والمنطقة منذ 5 فبراير/شباط وحتى اليوم؟
اجتماع مجلس الأمن في 5 فبراير بشأن العراق والذي حضره وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ووزير الخارجية العراقي، ناجي صبري، كان هو الأخير قبل بدء مرحلة تنفيذ خطة الغزو والاحتلال وتركز الأمر في تلك الجلسة على الأسلحة البيولوجية وبشكل خاص الأنابيب التي تم استيرادها من النيجر عن طريق أحد العملاء ويدعى"جون"، والذي رتب مع المخابرات البريطانية وقال إن تلك الأنابيب تستخدم في أسلحة الدمار الشامل.
**هل هذه كانت بداية الضغط الأمريكي على العراق؟
في الحقيقة بدأت أمريكا عملية الضغط على العراق ومحاولة تقويض النظام منذ العام 1991 عبر سلسلة من الإجراءات من بينها قرار مجلس الأمن الدولي 687 لسنة 91 ويتضمن ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل وموضوع الحدود وبعض المسائل الأخرى باستخدام كافة الوسائل، لكن الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في فترة توني بلير، عملتا على خلق بعض الأشياء المزيفة لتقويض إمكانيات العراق، حيث عملت الدولتان على تدمير البنية الاقتصادية عن طريق ما يسمى الانقضاض العسكري كما حدث في العام 1998 بالطائرات والصواريخ الأمريكية والبريطانية، حيث تعد تلك الضربات تأهيل للعدوان المباشر على العراق في العام 2003.
تلك الخطة الأمريكية بدأت بتدرج منذ صدور قانون تحرير العراق في أمريكا في فترة حكم الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ومع صعود المعارضين رامسفيلد وديك تشيني ورفعهم مذكرة لمجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، حيث نتج عن تلك المذكرة صدور قرار من الكونغرس ضد العراق وتمت المصادقة من الرئيس كلينتون، سبق ذلك صدور قرار من مجلس الأمن بعد رفض بغداد دخول مفتشين دوليين في حينها.
**مدى خطورة قرار مجلس الأمن الذي صدر بعض رفض بغداد دخول المفتشين الدوليين؟
القرار كان شديدا جدا لذا تم رفضه من الحكومة، لكنها وافقت عليه فيما بعد عام 2001 وسمحت بتفتيش كل المرافق العراقية بما فيها القصور الرئاسية والمراكز المدنية وغير ذلك، لكن لأن النية كانت مبيتة ومع صعود المحافظين لسدة الحكم في واشنطن وصدور القرار الأممي 1441 والذي كان يتضمن مفردات فيها انتهاك لكرامة وسيادة العراق والعراقيين، وفي الحقيقة هذا القرار كان شديد، وقال وزير الخارجية وقتها إن موافقة بغداد على القراء جاء من أجل سحب الذريعة من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
**ما الذي دفع واشنطن لتنفيذ عملية احتلال العراق رغم كل التنازلات التي قدمتها بغداد؟
بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وعملية ضرب برجي التجارة العالمية في نيويورك، يبدو لي أن عملية التهيئة لضرب العراق باتت أكثر جديدة، وبحسب معلوماتي فإن وزير الدفاع الأمريكي وقتها دونالد رامسفيلد قدم في الاجتماع الثاني لمجلس الأمن القومي اقتراحا يتعلق بغزو العراق وتم الإرسال لقيادة القوات في المنطقة وتم الاجتماع بالمعارضين العراقيين وأخبروهم أن القادم يتعلق بعملية تغيير المنهج في الشرق الأوسط، ومن هنا بدأ الإعداد لاحتلال العراق، وما طرحه كولن باول في مجلس الأمن كان ذريعة للحرب التي كانت واشنطن قد اتخذت القرار بشأنها، ورغم الإصرار الأمريكي في مجلس الأمن إلا أنه كانت هناك مواقف للاتحاد الروسي والصين وفرنسا الذين رفضوا منح واشنطن تفويضا باستخدام القوة في العراق، وطالبت وقتها تلك الدول بتمديد البحث والسماح باستمرار المفتشين الدوليين في عملهم وإعطاء فرصة أكبر للسلام.
**ما حقيقة ارتباط النظام العراقي السابق بتنظيم "القاعدة"؟
طبيعة النظام العراقي تتناقض كليا مع توجهات تنظيم القاعدة (الإرهابي المحظور في روسيا)، بل كان يحارب التنظيم، لكن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني أراد وقتها أن يعطي معلومة إضافية تم تكذيبها فيما بعد من قبل المخابرات البريطانية، لكن بعد فوات الأوان، وما جرى في العراق بعد الاحتلال هو ما حذرت منه الدول التي رفضت منح واشنطن تفويضا من مجلس الأمن، وبعد تلك السنوات الطويلة من الخراب الذي جلبته أمريكا للمنطقة لا تزال الصورة السوداء للولايات المتحدة الأمريكية باقية في كل شبر بالعراق.
**ما الخسائر التي منيت بها أمريكا جراء احتلالها للعراق؟
من الناحية المادية خسرت الولايات المتحدة الأمريكية ما بين 2-3 تريليون دولار في العراق وتداعيات الحرب، علاوة على المقاومة الوطنية التي اشتدت في البلاد وأجبرت الأمريكان على الانسحاب، وخلفت ما يقارب 5000 قتيل و32000 جريح، فالولايات المتحدة خسرت سمعتها وخسرت اقتصاديا في العراق، لذا أرى أن حرب أمريكا في أفغانستان والعراق هى آخر الحروب المباشرة لأمريكا في الخارج، لكنها قد تحارب بالوكالة كما يحدث في أوكرانيا أو ضربات وقائية في أماكن أخرى، لكن بعد الفشل الذريع والنتائج الوخيمة التي نتجت عن حرب العراق وانعكاسها على المنطقة والوضع الحالي في العراق من تفسخ النسيج الاجتماعي وتآكل هياكل الدولة نتيجة الأكاذيب التي بنت عليها واشنطن ذرائعها لغزو العراق، وفق ما سبق لا أعتقد أن تغامر أمريكا مجددا بحروب أخرى مباشرة.
**هل استغلت أمريكا الوضع العالمي من انهيار للقطب الثاني العالمي وحاولت الانفراد بالعالم؟
اختلال موازين القوى الدولية لصالح الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت وتسيدها في العالم، حيث كان الاتحاد الروسي يعاني من آثار نهاية المعسكر الاشتراكي، والذي لو كان موجودا وبقوته لما استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تتصرف بالقضايا الدولية بمثل تلك الطريقة، أضف إلى ذلك أن بريطانيا لها عداء خاص مع العراق، لأن العراق أمم النفط من بريطانيا، لذا هناك عداء تاريخي يجب ذكره، ناهيك عن أن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، وقتها فرضوا سيادتهم على كل مراكز القرار ونظرتهم بضرورة تغيير كل معالم الحياة في الشرق الأوسط، حيث أن حماية إسرائيل وأمنها يفوق كل شىء، والعراق هو البلد الوحيد الذي لم تتغير مواقفه فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، لذا جاءتهم الفرصة بعد أن ضعف العراق نتيجة الحصار بعد خطيئة دخول الكويت.
**هل تواطأت اللجان الأممية المكلفة بالتفتيش عن الأسلحة في العراق مع واشنطن؟
نعم، تواطأ رئيس لجنة الطاقة النووية التابعة للمنظمة الدولية حينها (محمد البرادعي) وقتها، حيث أن التقرير الذي قدمه لمجلس الأمن لم يكن واضحا، بل أصبح حجة يعتمد عليها الآخرون في عملية الانقضاض على العراق وتدمير المنطقة وإعادة زمن الاحتلالات العسكرية إلى المنطقة وما نجم عنها من فوضى، بعد إلغاء كل مؤسسات الدولة عبر قرارات حل الجيش العراقي وقانون اجتثاث البعث، بجانب حل المؤسسات الأمنية والأجهزة الإعلامية، بحيث تحول العراق إلى لا دولة، وبعد اعتراف أمريكا بأنها دولة احتلال تم تفويض بول بريمر الحاكم الأمريكي وفق قرار أممي جديد وأخذ يلعب بشؤون العراق وجاء بدستور يعتمد على المحاصصة والمكونات الطائفية، الأمر الذي جعل العراق يعيش أزمة حكم وأزمة اقتصادية بعد 20 عام من الاحتلال بعد أن كان من الدول التي يحسب حسابها في الشرق الأوسط.
**هل تغير العالم بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي للعراق؟
الاحتلال الأمريكي للعراق أحدث نوعا من الفوضى في العراق والمنطقة، لكن ما يحدث الآن وفي السنوات الأخيرة هي عملية يجرى فيها تشكيل عالم جديد ربما سيكون متعدد الأقطاب، لأن القطبية الواحدة لا شك أنها ستكون ظالمة، لكن ليس بصورة سريعة يمكن أن يكون هناك تكون لعالم متعدد الأقطاب، لكن الملاحظ أن هناك بوادر تحدث تدريجيا وبطريقة مختلفة عما كانت عليه.
أجرى الحوار/أحمد عبد الوهاب