وبوراوي، التي دخلت التراب التونسي بطريقة غامضة، ثم رحلت من هناك إلى ليون الفرنسية، ممنوعة من السفر في الجزائر بفعل حكم قضائي صدر في حقها سنة 2021، ويقضي بسجنها مدة عامين، بعد إدانتها بإهانة رئيس الجمهورية والإساءة للأديان.
وتهدد قضية بوراوي بخلق خرق دبلوماسي جديد بين الجزائر وفرنسا، بعد فترة من عودة الانسجام بين البلدين، إذ سارعت الجزائر باستدعاء سفيرها لدى فرنسا بأمر من الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، نفسه، احتجاجا على ما وصفته بـ"عملية الإجلاء السرية وغير القانونية" للناشطة إلى فرنسا عبر تونس، وهي المطلوبة لدى القضاء الجزائري.
واتهمت الخارجية الجزائرية دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية بالمشاركة في "خروج رعية جزائرية من البلاد بطريقة سرية وغير قانونية"، منبهة أن هذه "العملية غير المقبولة تلحق ضررا كبيرا" بالعلاقات الجزائرية الفرنسية.
"التسليم لمن ضغط أكثر"
وفي أول تصريح إعلامي أدلت به بوراوي لقناة "المغاربية"، أقرّت الناشطة بأنها دخلت التراب التونسي بطريقة غير شرعية عبر معبر أم الطبول (بوابة الجزائر الشرقية)، مؤكدة أن الرئيس التونسي هو من سمح لها بالذهاب إلى فرنسا.
وقالت بوراوي إن السلطات التونسية اعتقلها مدة 3 أيام، ثم احتجزتها رغم صدور قرار قضائي يقضي بإطلاق سراحها وتمكينها من جواز سفرها الفرنسي، وهو ما دفع القنصلية الفرنسية إلى التدخل.
وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، أكد هاشم بدرة، محامي الناشطة أميرة بوراوي، أن "النيابة العمومية في تونس أذنت بالاحتفاظ بموكلته من الجمعة إلى الأحد، بعد أن أوقفها أمن المطار، بسبب عدم وجود إشارة في جواز سفرها الفرنسي تثبت دخولها إلى تونس بطريقة قانونية".
وقال بدرة إن "موكلته تحصّلت يوم الاثنين الماضي على قرار قضائي من محكمة الناحية بتونس يقضي بإطلاق سراحها، بعد أن قدمت مؤيدات تثبت ضياع جواز سفرها الجزائري، الذي قالت إنها استخدمته لدخول التراب التونسي"، مؤكدا أنه "اطلع بنفسه على شهادة الضياع من طرف الشرطة العدلية بالمطار".
وأضاف: "هذه الرواية تتضارب طبعا مع رواية سلطة الحدود التونسية التي أكدت أنها لم تسجل عبورها لدى إدارة شرطة الحدود والأجانب".
وحول تدخل الرئيس التونسي لتسفير أميرة بوراوي إلى فرنسا، قال إنه "لا علم له بهذا المعطى ولكنه أكد في المقابل أن موكلته أبلغته بوجود محاولات لترحيلها بالقوة على طائرة كانت ستحلق إلى الجزائر مساء الاثنين".
وفي رده على سؤال لماذا وقع تسفير بوراوي إلى فرنسا وليس إلى الجزائر، أجاب بدرة: "هذه أمور سياسية، ولكن كل ما أعرفه أن ضغوط أحد البلدين (في إشارة إلى فرنسا) كان أقوى من الآخر، خاصة وأنها تمتلك الجنسية الفرنسية"، مشيرا إلى أن "موكلته سافرت إلى فرنسا بطريقة عادية على غرار سائر المسافرين".
"نشطاء في خدمة الاستخبارات الفرنسية!"
ويذهب الباحث في العلوم الجيوسياسية، رافع الطبيب، في حديثه لـ"سبوتنيك"، إلى تكذيب رواية الناشطة أميرة بوراوي بشأن تحصلها على إذن مباشر من رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد لتسفيرها إلى فرنسا.
وقال: "أنتظر أن توضح السلطات التونسية هذه المسألة، ولكنني أستبعد تماما أن تقدم السلطة في تونس على تبجيل فرنسا على حساب علاقاتها الاستراتيجية والحيوية مع الجزائر".
وتابع: "الجميع يعلم بأن الحلف القوي الذي يجمع حاليا المرادية وقرطاج لا يمكن اختراقه، وبالتالي قضية بوراوي لا تعدو أن تكون مجرد محاولة لخلق اشكال بين تونس والجزائر".
ويرى الطبيب أن "قضية بوراوي كشفت عن حقيقة ما يسمى بنشطاء الحراك الجزائري"، مشيرا إلى أن "جزء كبيرا من مكونات هذا الحراك ليسوا سوى "أذرعا استخباراتية لفرنسا" ولا علاقة لهم بالمطالب السياسية والديمقراطية".
وقال الطبيب إن "الاستخبارات الفرنسية تعمل دائما على تجنيد نشطاء داخل المجتمعات العربية من أجل خدمة الاستراتيجية السياسية الفرنسية والتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول".
ويبرهن الطبيب على ذلك باستقبال الناشطة الجزائرية الفرنسية من قبل عميل في الاخبارات الفرنسية فور وصولها إلى مطار ليون بعد أن تم تسفيرها بشكل غير واضح من مطار تونس قرطاج.
ويرى الطبيب أن "هذه القضية ستكون لها تداعياتها على مستوى العلاقات بين الجزائر وفرنسا"، مشيرا إلى أن "الأخيرة ماتزال تتعامل مع الجزائر بشكل استخباراتي وتجسسي رغم احتياجها الملح للجزائر خاصة على المستوى الطاقي والأمني".
وأعلنت باريس أنها ترغب في مواصلة تعميق علاقاتها مع الجزائر رغم الخلاف المتعلق بتسفير الناشطة أميرة بوراوي، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، فرنسوا ديلماس: "من جانبنا، نعتزم مواصلة العمل لتعميق علاقتنا الثنائية"، مشيرا إلى أن السلطات الفرنسية مارست الحماية القنصلية على بوراوي بوصفها مواطنة فرنسية.
هل أطاحت قضية بوراوي بوزير الخارجية التونسي؟
وفي تعليق لـ"سبوتنيك"، استبعد المحلل السياسي، الهاشمي نويرة، أن "يشهد الخلاف الجزائري الفرنسي الذي أشعله ترحيل بوراوي إلى ليون تصعيدا جديدا، خاصة وأن الجزائر استخدمت كلمة "تشاور" لدى استدعائها لسفيرها في فرنسا".
واستطرد: "ولكن أعتقد أن الجزائر ستستغل هذه القضية للضغط على فرنسا من أجل فتح قضايا أخرى عالقة بين الطرفين، وهي كثيرة وكبيرة"، مشيرا إلى أن "قضية بوراوي ستتحول إلى أداة من أدوات الضغط في المفاوضات الجزائرية المقبلة مع فرنسا".
وقال نويرة إن "استدعاء الجزائر لسفيرها هو إجراء طبيعي، لأنها تعتبر أن فرنسا ساعدت على تهريب مواطن ملاحق قضائيا في بلده ومكنته من الهروب والإفلات من العقاب".
ويذهب نويرة إلى وجود علاقة وثيقة بين قضية أميرة بوراوي، وإقالة وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي من طرف الرئيس التونسي، قيس سعيد.
وأوضح: "لقد مارست الدبلوماسية الفرنسية ضغوطات كبيرة على تونس لتسفير بوراوي، والمراسلات بين الجانبين تمت عن طريق وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي.. الاحتمال الأقرب هو أن تونس سعت إلى إيجاد صيغة لضمان عدم توتير علاقاتها مع فرنسا والجزائر، فرحّلت بوراوي إلى ليون إرضاء للأولى وحمّلت المسؤولية لوزير الخارجية وأقالته إرضاء للثانية".
ويرى نويرة أن "هذه القضية لن تطرح إشكالا بين الجزائر وتونس، خاصة بعد المكالمة التي جمعت وزير الخارجية الجديد نبيل عمار بنظيره الجزائري والتي تم على إثرها التأكيد على متانة العلاقات بين البلدين".
وأضاف: "ليس من مصلحة الجزائر أن توتر علاقتها مع تونس، وأن تفتح جبهتين في نفس الوقت، خاصة في هذه الفترة التي تتسم بتوتر العلاقات بين الجزائر والجهة الغربية".