ما بين "الثورة" والمؤامرة" هي مسميات يختلف عليها أبناء الوطن الواحد، الذين زادت خلافاتهم منذ ذلك اليوم، وزادتها التدخلات الأجنبية والإرهاب والسلاح والمرض الذي تفشى نتيجة ممارسات الغرب في ذلك العام.
رغم أن الحراك الذي وقع في ليبيا حينها جاء في إطار التأثر بما وقع في تونس ومصر، لكن ليبيا كانت حالة مختلفة، إذ أعد الغرب عدته بقيادة فرنسا للتخلص من الرئيس الراحل معمر القذافي، كما جرى الأمر ذاته مع الرئيس العراقي صدام حسين، ودمر الغرب البلاد بأكملها.
يؤكد العديد من خبراء القانون الدولي أن حلف الناتو وذراعه السياسي في مجلس الأمن الدولي أعدوا العدة مسبقا لتدمير البلد الأفريقي، خاصة أنه حين أصدر المجلس الأممي قراريه 1970 و1973 في شهر مارس/آذار 2011، كانت كل الأشياء معدة مسبقا.
تحايل الناتو
وبصيغة مفتوحة جاء نص القرار الأممي كالتالي: "يؤذن للدول الأعضاء التي أخطرت الأمين العام - وهي تتصرف على الصعيد الوطني أو عن طريق منظمات أو ترتيبات إقليمية وبالتعاون مع الأمين العام - أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين وإبلاغ الأمين العام بها"، وهي الصيغة المفتوحة التي استغلها الحلف لتدمير ليبيا.
قامت قوات الناتو في العام 2011 بأكثر من 26.500 طلعة جوية، منها 9700 طلعة قصف جوي، بالإضافة إلى طلعات ضرب لتحديد الأهداف ولم يستعمل السلاح في كل مرة.
كما دمرت أكثر من 5900 هدف بما فيها الأهداف العسكرية والمدنية، وأكثر من 400 مدفعية وقاذفات صواريخ، وأكثر من 600 دبابة أو عربة ومدرعة، بحسب "بوابة أفريقيا".
لماذا تعمد الناتو تدمير ليبيا؟
جميع الإجراءات التي اتخذت والجرائم التي كشف عنها لاحقا، أكدت أن الناتو عمد إلى تدمير ليبيا، وليس لإسقاط القذافي كما ادعى حينها.
في الإطار، تقول الكاتبة والمحللة السياسية عفاف الفرجاني، إن قوات الناتو ارتكبت جرائم حرب في ليبيا خلال العام 2011، وعمدت إلى إغراق ليبيا بالسلاح وإتاحة المجال للمجموعات المتطرفة والإرهابية، وأن العداء القديم لشخص القذافي منذ ثورة الفاتح كان أحد الأسباب.
تم الدفع بمجموعات موالية لواشنطن من أجل إحداث الفوضى، وكان من بين الأهداف السيطرة على ثروات ليبيا، وهو ما يفسره الوضع الراهن، الذي تمد فيه أنابيب الغاز إلى أوروبا دون حسيب ولا رقيب.
تؤكد الفرجاني أن هدف الغرب كان تدمير ليبيا من أجل السيطرة على ثرواتها عبر الأجسام الموالية، وهو ما قامت به الحكومات، وأخرها حكومة الدبيبة.
كما يؤكد أحد أبرز المقربين من الرئيس الراحل معمر القذافي وهو السفير محمد سعيد القشاط، أن "فرنسا عمدت إلى تدمير ليبيا لأسباب عدة".
في الإطار، قال ناصر سعيد المتحدث باسم الحركة الوطنية الليبية، إن الغرب سعى إلى إخراج ليبيا من المشهد لـ 50 سنة، والإبقاء عليها دولة فاشلة حتى لا تقوم بدورها في محيطها المغاربي والعربي.
يضيف سعيد في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن ليبيا ظلت دون سيادة منذ العام 2011، فيما يتحكم السفراء الأجانب في المشهد وإدارة الدولة.
مشهد آخر يتمثل في السيطرة على المصرف المركزي الليبي، الذي يخضع لإدارة كاملة من بعض الدول الغربية التي تبقي على الصديق الكبير على رأس المصرف منذ سنوات طويلة دون تغييره.
بحسب حديث القشاط لـ"سبوتنيك"، فإن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، كان على علاقة طيبة بالرئيس الراحل معمر القذافي وأن الأخير دعم ساركوزي في حملته الانتخابية للرئاسة ودفع مبالغ مالية كبيرة له".
لكن الخلافات التي نشبت فيما بسبب اتفاق سابق لشركة "توتال" الفرنسية" للتنقيب عن الغاز في جنوب غدامس بالقرب من الحدود الجزائرية، وكان الاتفاق حينها على عدم دخول أي شركات أخرى، غير أن "توتال" منحت قطر نسبة 3% من الباطن، وحين علم القذافي ألغى العقد مع الشركة، وهي الواقعة التي لم ينساها ساركوزي للعقيد القذافي".
بعد وصول ساركوزي للرئاسة كان يسعى للتخلص من القذافي خشية أن يتحدث عن الدعم المالي الذي قدمه له، وأنه حرض الغرب والناتو واستغلوا بعض الدول العربية من تدمير ليبيا".
ولفت القشاط إلى أن "بعض النقاط الأخرى تمثلت في أن ساركوزي طلب من ليبيا شراء بعض الطائرات العسكرية، فيما رفضت الأخيرة بسبب الأسعار المبالغ فيها، وأن هذا الملف كان ضمن دوافع عداء ساركوزي لليبيا".
عودة الجدل
بالأمس دعا ما يسمى بـ "المُلتقى الاستثنائي" لما يعرف "ثوار ليبيا" الذي عقد في الزنتان وتاجوراء في ميثاقه إلى تجريم الدعوة إلى عودة النظام السابق أفراد أو جماعات واعتباره انقلاب على ما وصفها بـ" ثورة 17 فبراير" والتصدي له من قبل ما أسماهم ب"حماة الثورة".
كما رفض الميثاق الصادر عن الملتقى استغلال ملف المصالحة لتحقيق أهداف سياسية أو مكاسب شخصية لأي كان، وأن العودة الآمنة للمهجرين باستثناء من كانوا داعمين أو مساندين لمرتكبي الأعمال الإجرامية، حسب النص الذي اطلعت عليه "سبوتنيك".
ورفض ما يسمى بمقترح مشروع قانون إصلاح ذات البين كونه ظالم لحقوق لما وصفهم بـ "ثوار 17 فبراير"، وأنه لا يملك أي شخص أو جهة مهما كانت صفتها أن تتصرف أو تفرض مصالحة على" ثوار 17 فبراير" إلا بعد موافقتهم عن طريق الأجسام الممثلة لهم.
انقسام الشارع
في الوقت الراهن تنقسم الآراء في الشارع الليبي حول الأجسام المنبثقة عن فبراير، في حين يصف الشرق بعض الكتائب والأجسام العسكرية بـ"المليشيات"، فيما تصف الأخيرة نفسها بأنها ممثلة عن "فبراير"، في ظل انقسام حتى في الولاءات للخارج، بحسب العديد من المراقبين في ليبيا.
جرائم حرب ارتكبها الناتو
هناك جرائم حرب ارتكبتها قوات الناتو في ليبيا خلال العام 2011، لكنه لم يحاسب عليها حتى الآن، غير أن آثارها باقية في العديد من المناطق.
ففي 8 أغسطس/ آب 2011، ارتكبت قوات حلف الناتو مجزرة شنيعة خلال قصفها للأراضي الليبية، حيث قتلت العشرات من المدنيين بمنطقة ماجر في مدينة زلتين شرقي طرابلس.
جريمة الحرب التي ارتكبتها قوات الناتو في "ماجر" التي راح ضحيتها 84 شخصا من بينهم أطفال ونساء، ليست الوحيدة، ففي شهر أغسطس قتل 13 شخصا مدنيا في غارة واحدة في بني وليد، وفي 15 سبتمبر/أيلول 2011، قتل 56 مدنيا في مدينة سرت في عملية قصف مزدوج، كما قامت طائرات الناتو باستهداف عشرات المدنيين في منطقة العرقوب جنوب مدينة البريقة.
وقد أشار تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية في وقت سابق، إلى إحصائية جزئية لمن سقطوا من المدنيين جراء غارات وقصف قوات الناتو من تحالف معه في ليبيا سنة 2011، حيث أكد التقرير وفاة 72 شخصاً على الأقل في غارات جوية على أهداف وصفها بغير الواضحة.
الرأي القانوني
من ناحيته، قال محمد الزبيدي أستاذ القانون الدولي الليبي لـ"سبوتنيك" إن "إحدى المحاولات كانت عبر رابطة ضحايا الناتو، وأن هناك قضية مرفوعة أمام القضاء البلجيكي".
وفسر الزبيدي الموقف الدولي من جرائم الناتو في ليبيا، بأن الأمر مرتبط بعدم تحرك أهالي الضحايا، إضافة إلى أن الحكومات التي تعاقبت على الحكم في طرابلس لم تستطع معاداة الناتو بل عملت على استرضاء الحكومات الغربية.
وأشار إلى أن جرائم حرب ارتكبتها قوات الناتو والمليشيات، وأن قتل الرئيس الراحل معمر القذافي هي جريمة حرب، وكذلك قتل ابنه المعتصم القذافي، لافتا إلى أن جرائم الحرب ترفع القضايا بشأنها أمام المحاكم الدولية، من طرف الدول أو أهالي الضحايا، غير أن في الحالة الليبية لم يتحرك الأهالي بالقدر الذي يجعل المجتمع الدولي يتفاعل مع قضيتهم.
وفي العام 2011، خرج أمين عام حلف الناتو آنذاك، أندرسن فوج راسموسن، مدعيا أن "تحرك الحلف ضد النظام الليبي كان بمقتضى تفويض قوى من مجلس الأمن، ودعم واضح من دول المنطقة"، وهو ما كشف لاحقا أن الغرب كان يعد العدة لتدمير ليبيا، حيث استهدف المنشآت والأبنية المدنية والمدنيين مخلفا جرائم عدة في الدولة الليبية.
9 حكومات والمحصلة صفر
منذ العام 2011 تعاقب 9 حكومات على إدارة شؤون البلاد، غير أنها لم تصل جميعها بالبلاد إلى حالة من الاستقرار، ففي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2011 أدت حكومة عبد الرحيم الكيب، اليمين الدستورية، بعد أن كلفها "المجلس الانتقالي الليبي"، حينها، وكانت الحكومة الأولى بعد أحداث فبراير، وفي الرابع عشر من نوفمبر 2012 تولى علي زيدان رئاسة الحكومة بشكل رسمي خلفا للكيب.
وفي 11 مارس /آذار 2014 كلف وزير الدفاع عبد الله الثني بمهام رئيس الحكومة لحين انتخاب رئيس وزراء جديد، بعد حجب الثقة عن حكومة زيدان.
بعد أشهر قليلة في 25 أغسطس/آب 2014 كلف المؤتمر الوطني العام، عمر الحاسي. بعد إقالة الثني. فيما سلم الحاسي فيما بعد رئاسة الحكومة مطلع أبريل/ نسيان 2015 لنائبه خليفة الغويل.
أبقى الثني على حكومته في شرق البلاد التي نالت دعم البرلمان، فيما تشكلت في فبراير شباط، عام 2016 حكومة جديدة في العاصمة طرابلس" حكومة الوفاق" بموجب اتفاق (الصخيرات). وهو الاتفاق الذي وقع في المغرب يوم 17 ديسمبر كانون الأول/ عام 2015 بدعم أممي، حتى سلمت السلطة إلى حكومة "الوحدة الوطنية" برئاسة عبد الحميد الدبيبة، كما سلمت الحكومة الموازية في الشرق السلطة أيضا بالتوازي.
وفي 10فبراير/ شباط 2022 أعلن البرلمان تكليف فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة، بعد سحب الثقة من حكومة الدبيبة، التي تعمل حتى الآن من العاصمة طرابلس، فيما تعمل الحكومة الأخرى من مدينة سرت.
انطلاق التظاهرات
وشهدت ليبيا تظاهرات حاشدة منتصف فبراير/ شباط 2011، وعمّت المدن الليبية، لكن سرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح بين القوات الحكومية وما وصفت بـ "المعارضة".
وفي مارس/ آذار 2011، شهدت ليبيا تدخل التحالف الدولي بمشاركة دول "الناتو"، التي يلقى عليها اللوم حتى الآن بتدمير البنية التحية ومؤسسات الدولة الليبية.
وسيطرت الفصائل المسلحة على العاصمة طرابلس في أغسطس/ آب من نفس العام، بمساعدة سلاح الجو الأطلسي، وذلك بعد مغادرة القذافي إلى سرت.
وقُتل الرئيس الليبي، معمر القذافي، في مدينة سرت "مسقط رأسه"، عن عمر ناهز 69 سنة في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2011.