يرى البرلمانيون أن العديد من الأسباب تدفع الأطباء والكوادر في القطاعات الأخرى للهجرة، في حين أن فرنسا تقدم سياسة هجرة انتقائية لفئة الأطباء كما بعض الدول الغربية الأخرى، ما دفع نحو 28 ألف طبيب جزائري لترك البلاد والهجرة إليها.
وقبل أيام أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون باعتماد إجراء جديد لتسهيل عودة الكفاءات المهاجرة للجزائر عبر إطلاق "بطاقة مرجعية" للتخصصات العلمية لمعادلة شهادات الجامعات الأجنبية بصفة آلية لحامليها من الجزائريين، بعد توتر مع فرنسا إثر تهريب الناشطة أميرة بوراوي إلى فرنسا.
في المقابل تعتزم الحكومة الفرنسية منح تصريح إقامة خاص للموظفين في مجال الرعاية الصحة من أجل استقطاب الأطباء، لسد حاجيات مستشفيات البلاد، الأمر الذي استقبل بأنه يؤثر بشكل كبير على ظاهرة هجرة الأطباء من الدول العربية وفي مقدمتها الجزائر.
علاقة معقدة بين البلدين
العلاقة بين فرنسا والجزائر معقدة إلى درجة كبيرة رغم أنها من الشركاء المهمين على المستوى الاقتصادي، غير أن الجانب السياسي يظل محل "مد وجزر"، خاصة أن المستعمر القديم للبلاد يبقي على بعض الملفات عالقة حتى الآن.
الشعور العام في الشارع الجزائري تجاه فرنسا أنها هي من نهبت واستنزفت البلاد لسنوات، فيما ينظر لسياستها اليوم بأنها تستنزف العقول والكفاءات الجزائرية.
فيما يلقى باللوم على الأوضاع والأسباب التي تساعدها في استقطاب الأطباء وغيرهم، حسب آراء العديد من الجزائريين والخبراء.
من ناحيته قال الدكتور عبد السلام باشاغا عضو لجنة الصحة بالبرلمان الجزائري، إن موضوع هجرة والكفاءات الجزائرية إلى الخارج بات نزيفا متواصلا تشهده مختلف القطاعات والتخصصات أمام عجز البيئة العلمية والمهنية في الجزائر على استيعابهم وتوفير ظروف تحفز إبداعاتهم.
العديد من العوامل تجعل فرنسا هي المحطة الأولى للجزائريين، إذ يوضح الطبيب الجزائري وعضو البرلمان لـ"سبوتنيك"، أن الأطباء من بين الفئات الأكثر عرضة لهذه الظاهرة، خاصة إلى فرنسا بحكم التكوين اللغوي، وسياسة الهجرة الانتقائية التي تقوم بها السلطات الفرنسية لهذه الفئة المعروفة بكفاءتها.
لافتا إلى أن أكثر من 25% من الأطباء الأجانب العاملين بفرنسا من الأطباء الجزائريين وخريجي الجامعات الجزائرية.
بحسب البرلماني:
أكثر من 1200 طبيب متخصص في اجتياز امتحان معادلة التخصص "PAE"، العام الماضي فقط، وهو رقم كبير بالنسبة لعملية الهجرة.
عملت فرنسا طوال السنوات الماضية على استقطاب الخبرات وخاصة الأطباء من جميع الدول العربية، وفي مقدمتها الجزائر.
في جل الدول التي يهاجر منها الأطباء إلى فرنسا وغيرها من الدول الغربية، تتعدد الأسباب التي تجعل ما تقدمه باريس يمثل مغريات للكوادر الطبية.
هنا يشير البرلماني الجزائري إلى أن الدولة الجزائرية مطالبة بالتدخل لتتدارك الوضع، من خلال إصلاح المنظومة الصحية في البلاد، وإعطاء الامتيازات التي يستحقها الأطباء والتي على أساسها ومن أجلها يهاجرون خارج البلاد مكرهين.
سلم الأجور وإشكالاته
ينتقد البرلماني والطبيب الجزائري عبد السلام باشاغا، بقاء الأطباء ضمن سلم أجور الوظيفة العمومية كأي موظف، ومنهم من يقوم بآلاف العمليات الجراحية في العام.
في الإطار قال البرلماني الجزائري سليمان رزقاني، في حديثه لـ"سبوتنيك" إن أبرز التحديات التي تواجهها الجزائر قبل تحدي استرجاع الأموال المنهوبة، هو استعادة العقول المنهوبة.
بطاقة مرجعية
يتفق البرلماني بأن توجيهات رئيس الجمهورية المنبثقة عن مجلس الوزراء الأخير يمكن أن تمثل بعض الحلول من خلال "وضع بطاقة مرجعية للتخصصات العلمية، لمعادلة شهادات الجامعات الأجنبية، بصفة آلية لحامليها من الجزائريين، لتسهيل عودة الكفاءات، والاستفادة من تكوينها العالي، وخبرات الطلبة والأساتذة القادمين من الخارج ".
عودة الكفاءات
تعد الخطوة التي أعلن عنها الرئيس مهمة، لكن هذه الخطوة تحتاج إلى أن توضع ضمن رؤية شاملة ومتكاملة لمختلف الجوانب، التي تستدف أولا عودة الكفاءات الجزائرية بالخارج، وخلق حوافز للحد من ظاهرة "هجرة الأدمغة"، حسب البرلماني.
في الجزائر يعد الأطباء الفئة الأكثر التي مستها الهجرة وكذلك العاملين في القطاع الصحي بمختلف الشعب والتخصصات. ويرى البرلماني أن القضاء على الظاهرة غير ممكن، لكن العمل على الحد منها هو المطلوب.
أسباب تفشي الظاهرة
يشير البرلماني إلى أن ظاهرة الهجرة تنحصر في سببين، الأول يتمثل في القدرة الشرائية والمكانة الاجتماعية، خاصة أن كل الجهود التي بذلت من أجل رفع القدرة الشرائية للجزائريين بصفة عامة وللأطباء بصفة خاصة، لا تزال بعيدة جدا إذا ما تم مقارنتها بالدول التي يهاجرون لها.
السبب الثاني يتمثل في ظروف العمل التي لا ترقى للمستوى المطلوب، كما أن وسائل العمل غير كافية، بالإضافة لغياب التحفيز في الميدان.
عوامل أخرى تتمثل في عدم توفر مناخ البحث العلمي في الجامعات الذي تتطلع له هذه الكفاءات من الأطباء.
لفت رزقاني إلى أن آخر الأرقام رصدت تشير إلى أن أكثر من 28 ألف طبيب يمارسون عملهم خارج الوطن، منهم 15 ألف طبيب في فرنسا وحدها، جلهم أبناء المدرسة والجامعة الجزائرية.
دور الحكومة الجزائرية
حول دور الحكومة يرى البرلماني أن دور السلطة يتمثل في الإصلاح الميداني لقطاعي الصحة والتعليم العالي والبحث العلمي، وفق رؤية واضحة وتدابير عملية تحفز الكفاءات الجزائرية على العودة إلى الوطن ودعمه في بناء الجزائر المنشودة، وتوفير مناخ ملائم يشجع على بقاء الكفاءات التي تكافح داخل الوطن.
شهد قطاع الصحة قفزات كبيرة من ناحية التطور والتقدم على مستوى العالم، فيما تظل بعض العقبات في الدول العربية تتمثل في عدم وجود التقنيات الحديثة والبحث العلمي ومناخ البحث والعمل. يضيف بلجودي سمير، طبيب جزائري متخصص بجراحة العظام، أن القطاع الصحي حساس بدرجة كبيرة، وأن الطب في تطور مستمر يحتاج إلى المواكبة على كافة المستويات.
في حديثه لــ"سبوتنيك"، يؤكد أن القطاع الخاص مغاير للقطاع العمومي، وأن توفير الإمكانيات ومناخ العمل الملائم يمثل راحة للطبيب واستفادة للمريض. وهو الجانب الذي تغيب عناصره في العديد من الدول العربية.
ويصل عدد الأطباء الجزائريين في الخارج حسب آخر أرقام أعلنت عنها عمادة الأطباء في البلاد، إلى نحو 28000 طبيب، منهم 15000 في فرنسا وحدها، التي تسعى لاستقطاب العديد من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي.