منذ ذلك التاريخ، انقطعت كل وسائل التواصل برب الأسرة الذي ترك ثلاثة أبناء في العاصمة المغرب دون أن يخبرهم بعد ذلك اليوم بمكان تواجده، ودون أن يتوصلوا إلى أي معلومات تفيد أنه على قيد الحياة في أي دولة.
توضح شقيقته مليكة كرماس في حديثها مع "سبوتنيك"، أن شقيقها الذي كان يعمل "مهني رخام" بليبيا لم يكن ينوي الهجرة غير الشرعية، وأنه في أحد الأيام انتقل إلى منطقة "زوارة" لتركيب الرخام في منزل أحد الليبيين الذي اتضح أنه يعمل في تهريب المهاجرين إلى أوروبا.
تؤكد أن المواطن الليبي أقنع شقيقها بالهجرة إلى إيطاليا وأنه يضمن له الوصول الآمن إلى هناك، وعلى إثر ذلك قرر شقيقها السفر مع مجموعة أخرى من الشباب.
ليبيا... مقبرة للمهاجرين
بعد اليوم الذي أخبرهم فيه شقيقها أنه سيغادر التراب الليبي عبر البحر، انقطع الاتصال، ومرت الأيام دون أن يخبرهم عن مكانه، وكذلك دون أي أخبار تؤكد أنه من بين الغرقى الذين تنتشل جثثهم يوميا من المتوسط، أو يعلن عن القبض عليهم.
ترك الأسرة دون معيل، فلجأت لطرق كافة الأبواب دون إجابة، بعض الأخبار التي توصلوا إليها على مدار السنوات متضاربة، أحد الأشخاص أخبرهم أنه معتقل في ليبيا، وآخر أخبرهم أنه شاهده في إيطاليا، لكن لا شيء مؤكد، ولا خبر من جهة رسمية.
شاركت الأسرة في العديد من الوقفات وطرقت أبواب الجهات الرسمية، رغم مرور ما يقرب من ثماني سنوات، لم تفقد الأسرة الأمل، لكن كرماس ظل مفقودا حتى اللحظة بعد مجازفته بعد عمله لسنوات في ليبيا.
كرماس ليس المفقود الوحيد من المغرب، أو حتى الدول الأفريقية والعربية، فمعظم الدول الأفريقية سجل العديد من أبنائها في تعداد المفقودين خلال عمليات هجرة غير شرعية باتجاه أوروبا، منهم من توجه إلى ليبيا وانقطع الاتصال به فور الوصول، ومنهم من أخبرهم بأنه في طريقه لأوروبا وكان الاتصال الأخير.
وفاة أم بسب الحزن على ولدها
أما "لفضالي خاليد" الذي ترك أسرته في المغرب بهدف الهجرة إلى أوروبا قبل 6 سنوات، انقطع به الاتصال بعد دخوله الأراضي الليبية، واتصاله بأسرته بأنه سيغادر نحو أوروبا.
حسب تأكيد زوجة شقيقه مفيدة عنبي لـ"سبوتنيك"، أن والدة المفقود توفت منذ عاما حزنا على ولدها بعد سنوات من الغياب دون أي معلومات عنه.
في حالة مشابهة فقد محمد الزهيد البالغ من العمر 23 عاما، والمولود في قلعة السراغنة الواقعة بالقرب من مراكش، خلال رحلة إلى أوروبا، دون معرفة مصيره حتى الآن.
مطالب للاتحاد الأوروبي بكشف مصير المفقودين
وقبل يومين نظم أهالي المفقودين وقفة أمام مقر التمثيلية الدبلوماسية لمفوضية الاتحاد الأوروبي بالعاصمة الرباط.
طالبت عائلات "المفقودين" بالكشف عن مصيرهم، خاصة أن العديد منهم انقطع الاتصال به منذ أكثر من 5 سنوات، دون أي تأكيد عن مصيرهم للآن.
حسب تأكيد العديد من الأسر لـ"سبوتنيك"، فإن هناك أكثر من 600 مفقود، ويشير بعضهم إلى أن العدد فوق 700، خاصة أن بعض الملفات غير متوفرة لدى الجهات الحقوقية التي تتبنى المطالبة بالكشف عن مصير المفقودين، بالأراضي الليبية أو التونسية أو الجزائرية، أو حتى الذين فقدوا خلال رحلتهم عبر البحر.
وطالب الأهالي بضرورة الكشف عن الأسماء الموجودة في مراكز الاحتجاز في الدول الأوروبية، أو في دول الجوار، إذ أكدوا عدم الاستجابة لمطالبهم منذ سنوات.
عصابات الاتجار بالبشر
في الإطار ، قالت فاطمة بوغنبور، رئيسة اللجنة الوطنية للإعلام ورصد الخروقات بالجمعية المغربية للحكامة وحقوق الإنسان، إن عصابات الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية تساهم في إقبال الشباب على الخطوة عبر إغرائهم على وسائل التواصل بمقاطع فيديو ومعلومات عن الحياة في الدول الأوروبية وتوفير السفر الآمن.
توضح بوغنبور في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن الرحلة بمغادرة التراب الوطني بعدة طرق تختلف وتتشابه، إلى أن يصل الضحية بين أيدي العصابات، حيت يجهل مصير أغلبهم بعد التواصل مع الأهالي والمطالبة بالفدية.
تشير إلى أن بعض الدول الأوروبية تدعم المليشيات على اعتبار أن معسكرات الاحتجاز هي معدة لاحتجاز المهاجرين، فين أنها مراكز للاتجار بالبشر والقتل والاغتصاب بحق النساء.
وأضافت بوغنبور أن طول فترة الاختفاء يضع العديد من الاحتمالات، إما الغرق دون العثور على الجثث، أو الانضمام للجماعات الإرهابية.
في مطلع 2020 تواصلت "سبوتنيك" مع حسن حرفوش رئيس قسم الهجرة في مقاطعة روما، حيث أشار إلى أنه من الممكن وقوع بعض الاعتداءات على المهاجرين غير الشرعيين، حسب الشهادات التي أدلوا بها للقوات الأمنية هناك، موضحاً أن أي مهاجر غير شرعي يدلي بشهادته أمام المحققين في إيطاليا يقول إنه تم الاعتداء عليه وتعذيبه وسرقته.
مسؤول ملف الهجرة في روما، أشار إلى أن شبكات تهريب المهاجرين تضم عناصر من تونس والمغرب ومصر وتركيا وسوريا، أي أنهم عصابات محترفة.
وبحسب المسؤول الإيطالي فإن سعر نقل الشخص الواحد إلى أوروبا يتراوح بين 2000 و3000 يورو. مشبها العمليات التي تحدث بأنها إعادة مرة أخرى لـ"تجارة الرق".
تتزايد أرقام المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا بشكل ملحوظ، وطبقا للأرقام الإجمالية التي أفصح عنها المسؤول الإيطالي تتراوح بين 65 و70 ألف حتى نهاية العام المنصرم 2021 وهي إحصائيات وزارة الداخلية الإيطالية، فيما تتحدث الجمعيات غير الحكومية عن نحو 100 ألف مهاجر بالمقاطعة.
نسبة الأعداد حسب الجنسيات، وفقا للمسؤول الإيطالي، يأتي التوانسة في المركز الأول، حيث يبلغ عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى مقاطعة روما 15 ألف تونسي، يما وصل نحو 8 آلاف من بنغلادش، و7800 مصريا، إضافة إلى 3800 إيراني، و3600 من ساحل العاج، وتتضمن النسبة المتبقية العديد من الجنسيات منهم الأفغان وباكستان، وسوريا، والعراق، وبعض الدول الأفريقية.
ويمثل الرجال في النسبة التي وصلت إلى روما هذا العام، نحو 74 بالمئة، فيما يمثل النساء نحو 9 بالمئة، و7 بالمئة هي نسبة الأطفال.
ما هو التهريب؟
تعرِّف على المادة 3 من بروتوكول تهريب المهاجرين المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنيـة تهريـب المهاجرين بأنه "تدبير الدخول غير المشروع لشـخص مـا إلى دولـة طـرف لـيس ذلـك الشـخص مـن رعاياهـا... مـن أجل الحصول، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى".