وخلال يناير/ كانون الثاني الماضي، اقتنت تونس كميات إضافية من النفط الخام والمشتقات النفطية الروسية بما يناهز 2.8 مليون برميل ستوجهها لإنتاج الكيمياويات والبلاستيك. ومن المرتقب أن تتسلم 3.1 مليون برميل إضافي خلال شهر مارس/ آذار الجاري.
وتسعى تونس لتغطية حاجياتها من النفط التي ارتفعت في السنوات الأخيرة بسبب تراجع طاقتها الإنتاجية في مجال الطاقة، حيث تقلص إنتاجها من النفط الخام سنة 2022 بـ 15 % والغاز المسوق والمسال بـ 7 %، مقارنة بالسنة التي سبقتها.
تونس نقطة تخزين وتوزيع للغاز الروسي
ويشير الخبير في المجال الطاقي رضا مأمون، في تصريح لـ"سبوتنيك"، إلى أن تونس تستورد المشتقات النفطية لتغطية حاجياتها الخاصة من المحروقات وأيضا لتغطية الاحتياجات الموجهة للاستغلال الصناعي.
ويفسر مأمون ارتفاع واردات تونس من الغاز الروسي بارتفاع احتياجاتها المحلية من الطاقة، وأيضا بتحولها إلى نقطة لتخزين الغاز الروسي ثم إعادة توزيعه إلى بلدان أخرى في القارة الآسيوية على غرار كوريا.
وأوضح: "تستورد تونس المشتقات النفطية الروسية منذ سنوات ولكن ليس بشكل مباشر وإنما عن طريق شركات روسية في سويسرا وتركيا"، مضيفًا: "سيكون من الجيد أن تتحول الموانئ التونسية إلى مكان لتخزين المواد النفطية الروسية وإعادة تصديرها، ولكن ذلك يتطلب العمل على تطوير مصافي النفط".
وتسعى تونس حاليا إلى رفع طاقة تخزين النفط من مليون و100 ألف متر مكعب (6.9 مليون برميل) إلى مليون و400 ألف متر مكعب (8.9 مليون برميل)، ضمن برنامج حكومي انطلق سنة 2022، ويمتد إلى سنة 2030.
وقال مأمون: "إذا ما نجحت تونس في ربط معاملاتها الطاقية مع روسيا، فإن ذلك سيساعدها على تقليص تكاليف الاستيراد خاصة بالنسبة للبترول الروسي الذي يعد سعره أقل مقارنة بالأسعار العالمية".
ويرى الخبير أن تونس تمتلك القدرة على أن تكون نقطة انطلاق للبترول الروسي باتجاه المنطقة الأفريقية، خاصة وأن كلفة الشحن والتوزيع مرتفعة وتتطلب فترة من الزمن تقارب 120 يوما، فضلا عن أن سعة الموانئ الأفريقية ضئيلة.
توريد مدفوع بتراجع الإنتاج
وفي ظل تراجع إنتاجها المحلي من النفط، يرى الخبير في مجال المحروقات محمد غازي بن جميع، أن توريد المشتقات النفطية أصبح حتميا بالنسبة لتونس.
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك": "أمام تراجع استهلاك النفط الروسي في الدول الأوروبية، من الطبيعي أن تبحث البلدان الأخرى عن فرص لشراء النفط بأسعار تفاضلية".
وإلى جانب تونس، استوردت المغرب مليوني برميل من الديزل الروسي خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي فقط، مع توقع وصول 1.2 مليون برميل أخرى إليها في الشهر الجاري.
ويشير بن جميع إلى أن تونس أو أي دولة في العالم ستسعى إلى البحث عن أسواق تؤمن لها تكلفة أقل من الأسعار المعمول بها عالميا خاصة في ظل الارتفاع الملحوظ لأسعار النفط في السنوات الأخيرة.
وقال بن جميع: "لقد أثر هذا الارتفاع سلبا على تونس التي تجاوز عجزها الطاقي 9 مليار دينار (ما يناهز 2.9 مليار دولار) سنة 2022، وهو ما كانت له تداعيات وخيمة على موازنة البلاد وعلى اقتصادها".
ولفت الخبير الطاقي إلى أن هذا العجز يتجه إلى مزيد من التفاقم نتيجة تقلص الإنتاج المحلي من النفط الذي تراجع من 45 ألف برميل في اليوم سنة 2021 إلى 30 ألف برميل حاليا.
تقلص في عدد الحقول وتراجع في الاستثمار
وتعاني تونس من صعوبات على مستوى تحسين إنتاجها من المواد الطاقية، يرجعها بن جميع بالأساس إلى تقادم حقول النفط مقابل تقلص عدد الاستكشافات.
وأوضح: "تجاوزت أعمار العديد من حقول النفط في تونس 50 سنة، في حين أن دورة حياة هذه الحقول محددة وتتراوح بين 15 و30 سنة، وحينما تكون الجدوى الاقتصادية لهذه الحقول ضعيفة يتم غلقها".
وقال بن جميع إن تدني الإنتاج من المفترض أن تقابله استكشافات جديدة لتعويض النقص، مشيرًا إلى أن عدد رخص البحث عن النفط في تونس تراجعت بشكل ملفت في السنوات الأخيرة، فهي لا تتجاوز اليوم 15 رخصة بعد كانت في حدود 52 رخصة سنة 2010.
ويرى الخبير في مجال حوكمة الثروات الطبيعية شرف الدين اليعقوبي في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن تراجع إنتاج المحروقات في تونس من غاز وبترول أثر بشكل كبير على الاستقلالية الطاقية للبلاد.
وأشار إلى أن العجز الطاقي أصبح يمثل اليوم ثلث عجز الميزان التجاري. وبحسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء بلغت نسبة العجز التجاري الطاقي حوالي 37 % من العجز التجاري الجملي. وتراجعت الاستقلالية الطاقية إلى 49 % سنة 2022 .
وقال اليعقوبي: "بفعل الإطار القانوني والاقتصادي والاجتماعي غير الجاذب، تراجعت استثمارات الطاقة في تونس، فالشركات التي تستثمر حاليا في هذا المجال هي شركة صغيرة وذات قدرة مالية وفنية ضعيفة، مقابل خروج الشركات الكبيرة مثل شركة شال وفي المستقبل شركة إيني التي تهدد بالخروج".
وأضاف: "بتراجع الاستثمار في مجال المحروقات ستتراجع استقلالية تونس الطاقية ويرتفع العجز الطاقي، وبالتالي فإن موارد تونس المالية ستتجه أساسا إلى توريد الغاز والبترول، وهو ما سيؤثر على وضعها المالي والاقتصادي".
ويرى اليعقوبي أن تونس لها إمكانيات طاقية كبيرة وتشمل مناطق نفطية لم يتم استكشافها بعد، ولكن استغلال هذه الإمكانيات يتطلب موارد مالية ضخمة لا تمتلكها المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ولا الشركات الناشطة في تونس، مشددًا على أن الحل يكمن في التشجيع على الاستثمار الأجنبي والتسويق لصورة تونس في المجال الطاقي.