أوقف مناقشاته مع تونس مؤقتا.. ما تداعيات قرار البنك الدولي على اقتصاد البلاد؟

أثار قرار البنك الدولي "تعليق مناقشات الشراكة مع تونس بشكل مؤقت" المخاوف من تداعيات هذه الخطوة على اقتصاد البلاد وعلى قدرتها على الحصول على تمويلات هي في أمس الحاجة إليها.
Sputnik
يشار إلى أنه يوم الاثنين الماضي، أعلن رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، في مذكرة داخلية للموظفين أن إدارة البنك قررت إيقاف إطار الشراكة مع الدولة التونسية بشكل مؤقت.
وعلّل مالباس هذا القرار بأن خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد حول المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء أدى إلى "مضايقات بدوافع عنصرية وحتى أحداث عنف"، مشيرا إلى أنه سيتم سحب ملف تونس من مناقشات مجلس الإدارة يوم 21 مارس/ آذار الجاري إلى حين تقييم الوضع.
التونسيون يستعدون لاستقبال شهر رمضان بجيوب فارغة... فيديو وصور
غير أن إدارة مجموعة البنك الدولي أصدرت بيانا أكدت فيه استمرار الحوار والتواصل مع السلطات التونسية، موضحة أن البنك سيقوم في الوقت الراهن بتعليق مؤقت "للمناقشات حول إطار الشراكة القُطْريّة للبنك الدولي مع تونس، والذي يحدد التوجهات الاستراتيجية لأنشطة العمليات في المدى المتوسط 2023-2027".
وشدد البنك الدولي على أن "سلامة المهاجرين والأقليات وإدماجهم يعتبر جزءً من القيم الأساسية له والمتمثلة في الإدماج والاحترام ومناهضة العنصرية بجميع أشكالها وأنواعها"، مشيرا إلى أن إدارة البنك أبلغت هذا بوضوح إلى الحكومة التونسية وأنها لاحظت الخطوات الإيجابية التي اتخذتها للتخفيف من حدة الوضع".

تداعيات مالية وخيمة

وأوضح الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، لـ"سبوتنيك"، أن قرار البنك الدولي يتعلق بإيقاف المفاوضات بشأن برنامج التعاون الذي يحدد أنواع المشاريع التي سيتم دعمها في تونس وحجم التمويلات المسندة إليها.
وأضاف "كان من المقرر أن يوضع ملف تونس على طاولة مجلس إدارة البنك الدولي يوم 21 مارس/ آذار الجاري، ولكن ملف المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء أثر على قرار البنك".
وبيّن سعيدان أن البنك الدولي يضع مسألة نبذ التمييز العنصري من بين أدبياته الأساسية، ويعتبر أن التعامل مع تونس في ظل التطورات الأخيرة في ملف المهاجرين سيكون مخالفا لمبادئه.
تونس ترفع وارداتها من النفط الروسي إثر تراجع إنتاجها المحلي
ويرى سعيدان أن اجتماع 21 مارس لم يغير من هذا القرار لأن ملف تونس سحب رسميا من جدول أعمال هذا الاجتماع، مضيفا "قد يطرح ملف تونس في اجتماع آخر ولكن ذلك مرتبط بتصرفات السلطات التونسية التي طُلب منها ضمنيا تقديم اعتذار رسمي، ولكن تصريحات وزير لا تدل على إمكانية حدوث ذلك".
والأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية التونسية نبيل عمار إن بلاده بعثت رسائل طمأنة واتخذت كافة الإجراءات لحماية جميع المهاجرين في تونس، سواء كانوا قانونيين أو غير قانونيين، مستبعدا مسألة الاعتذار.
ويؤكد سعيدان أن تداعيات قرار البنك الدولي ستكون وخيمة بالنسبة لتونس التي أعدت موازنتها لسنة 2023 بناء على حاجتها إلى قروض بقيمة 25 مليار دينار، منها 15 مليار دينار بالعملة الصعبة، مشيرا إلى أن نفس هذه الموازنة تنص على أن مستحقات الدين لسنة 2023 بلغت 21 مليار دينار، منها 12 مليار دينار بالعملة الصعبة.
وتابع سعيدان "بينما لم تتوصل البلاد إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، كيف ستتمكن الحكومة من تغطية نفقاتها لسنة 2023؟ وخاصة كيف ستتمكن من تسديد مستحقات الديون لسنة 2023 في ظل هذا الوضع؟".
مطالب تونسية بتنويع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية باتجاه الشرق
وقال سعيدان إن قرار البنك الدولي سيصعب مهمة تعبئة الموارد بالنسبة لتونس لأن العديد من الجهات المانحة سواء كانت مؤسسات أو دولا تنتظر توصل تونس إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي لدعمها ماليا.
وحثّ سعيدان السلط التونسية إلى تدارك الوضع بأسرع ما يمكن لتفادي التداعيات السلبية لقرار صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن أقصر طريق إلى ذلك هو تقديم اعتذار رسمي.

تأجيل وليس رفض

وقال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، لـ"سبوتنيك"، إن قرار البنك الدولي إيقاف المناقشات بشأن الشراكة القطرية مع تونس بشكل مؤقت "لا يعني رفض تمويل المشاريع المبرمجة معها، وإنما تأجيل النظر في المفاوضات المتعلقة بإجراءات التمويل".
ولفت الشكندالي إلى أن البنك الدولي هو أكبر ممول لدول أفريقيا جنوب الصحراء، وأنه سيكون في موضع لوم ما لم يصدر موقفا من وضع المهاجرين الأفارقة في تونس خاصة في ظل تتالي البيانات القارية ومنها الاتحاد الأفريقي الذي علّق شراكته مع تونس.
وعلى عكس سعيدان، قلّل الشكندالي من تداعيات قرار البنك الدولي على مستوى تمويل المشاريع المتفق عليها، خاصة وأن تونس تمتلك صفة العضوية في هذه المؤسسة الدولية.
وتابع "لا يجب أن ننسى أن البنك الدولي صديق لتونس، ولم يتأخر مرة في تمويل المشاريع الاستراتيجية التي تهتم بالجوانب الاجتماعية على غرار الصحة والتعليم والبنية التحتية وكذلك مشاريع محاربة الفقر التي ضخ فيها 300 مليون دولار، أو حتى في مساعدة تونس مؤخرا على تخطي صعوبات التزود بالمواد الأساسية".
البنك الدولي يؤكد التزامه بدعم تونس في تنفيذ البرامج التنموية
في المقابل، لا يستبعد الشكندالي أن يؤثر قرار البنك الدولي على مسار مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي الذي لم يمضِ معها إلى حد اليوم اتفاقا نهائيا على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.
وأضاف "من المعلوم أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يتعاملان معا وينسقان فيما بينهما خاصة في اجتماعات الربيع، وهي قريبة، وبالتالي لابد للدبلوماسية الاقتصادية في تونس أن تسارع في الأخذ بزمام الأمور قبل حلول موعد هذه الاجتماعات".

قرار متسرع

ويوضّح الخبير الاقتصاد والأسواق المالية، معز حديدان، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن تونس مهددة بالحرمان من شريك مهم كان على مر السنين في قائمة الممولين الثلاثة الأوائل على مستوى قيمة إعانة البلاد سواء على مستوى الميزانية أو القطاع الخاص.
ولفت إلى أن التداعيات الأخرى غير المباشرة تتمثل في امكانية بعض المؤسسات الأخرى على نفس خطى البنك الدولي، متابعا "أنا لا أتحدث هنا عن صندوق النقد الدولي ولكن عن المؤسسات القارية مثل البنك الأفريقي للتنمية".
ويرى حديدان أن قرار البنك الدولي تعليق المناقشات مع تونس متسرع لأنه كان مبنيا على تفسير خاطئ لخطاب رئيس الدولة وربما بعض أعمال العنف التي لحقته.
البنك الدولي يمنح تونس قرضا قدره 120 مليون دولار
وأضاف إنه "من المعلوم أن البنك الدولي يضع القيم الإنسانية ونبذ العنصرية من ضمن مبادئه، ولكن خطاب رئيس الدولة لم يكن عنصريا لأنه من حق كل دولة في العالم أن تحافظ على أمن حدودها وتحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى أراضيها".
وقال حديدان إن على السلطات التونسية أن توضح موقفها وتقوم باتصالات دبلوماسية سواء مع البنك الدولي أو بطريقة غير مباشرة مع الدول الصديقة والحليفة التي لها تأثير على مستوى البنك الدولي.
وفي أول تعليق إعلامي له على هذا القرار، أكد اليوم وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد أن البنك الدولي لم يوقف تعامله مع تونس وإنما قام فقط بتأجيل دراسة اتفاق شراكة معها إلى أن تمر هذه السحابة العابرة، بحسب تعبيره.
وقال سعيد "إن تونس تريد أن يكون الحوار مع البنك الدولي دون تأثيرات، بعيدا عن الحملة التي تستهدف بلادنا في المدة الأخيرة"، وشدد على أن تونس تحترم الحقوق وتجرم العنصرية وكانت سباقة في إلغاء العبودية منذ القرن التاسع عشر.
مناقشة