ففي الوقت الذي اعتبرت فيه قوى سياسية تونسية أن هذه اللائحة هي تأكيد جديد على وجود انحرافات في سلطة الرئيس التونسي قيس سعيد، نبّه برلمانيون وسياسيون من خطورة توسع التدخلات الخارجية في شؤون بلادهم، ودعا بعضهم مجلس نواب الشعب الجديد إلى عقد جلسة طارئة للرد على ما وصفوه مساسا بسيادة تونس.
وكان البرلمان الأوروبي قد صوّت بأغلبية أعضائه على لائحة ندد من خلالها بما اعتبره "تدهورا حادا في وضعية حقوق الإنسان في تونس" وعبر عن قلقه مما وصفه "بالانجراف الاستبدادي للرئيس قيس سعيد واستغلاله للوضع الاجتماعي والاقتصادي السيئ في تونس لتغيير وجهة الانتقال الديمقراطي التاريخي في البلاد".
ومن ضمن القرارات التي صوّت عليها البرلمان الأوروبي؛ تعليق برامج دعم الاتحاد الأوروبي الموجهه لوزارتي العدل والداخلية في تونس وإطلاق سراح جميع الموقوفين بما فيهم الصحافيون والقضاة والمحامون والنشطاء السياسيون والنقابيون.
لائحة تضمنت العديد من المغالطات
أعرب النائب عن كتلة لينتصر الشعب صابر المصمودي لـ "سبوتنيك" عن قلقه من هذه اللائحة التي يقول إنها تضمنت العديد من المغالطات والمعلومات المجانبة للحقيقة، مشيرا إلى أن هذا المطلب يحظى بموافقة كتل برلمانية أخرى.
وأضاف "الأمر المقلق هو التوقيت الذي صدرت فيه هذه اللائحة والذي يتزامن مع الأسبوع الأول لتنصيب البرلمان التونسي الجديد المنكب حاليا على صياغة نظامه الداخلي".
ويرى المصمودي أنه كان من الأجدر على البرلمان الأوروبي أن يحترم مؤسسات الدولة التونسية وأن يتواصل معها وأن يراسل مجلس نواب الشعب الجديد كمؤسسة نظيره له.
وقال المصمودي إن لائحة الاتحاد الأوروبي مليئة بالمغالطات خاصة فيما يتعلق بالإيقافات الأخيرة، مشيرا إلى أن هذه المسألة بيد القضاء ولا يمكن لأي طرف آخر تونسيا كان أو أجنبيا أن يطالب بالإفراج عن موقوفين لم يبرئهم القضاء.
وتساءل: "هل أن البرلمان الأوروبي مطلع على نصوص البحث والتحقيق مع الموقوفين حتى يصدر بيانا يطالب فيه بإطلاق سراحهم؟"، مشيرا إلى أن الموقوفين يتمتعون بظروف المحاكمة العادلة التي تخول لهم إظهار حقهم إن وُجد.
جلسة برلمانية طارئة للرد
ويؤكد المصمودي أن كتلة لينتصر الشعب وجّهت دعوة لعقد جلسة برلمانية طارئة للرد على البرلمان الأوروبي دفاعا عن سيادة تونس وحرية قرارها الداخلي، مشيرا إلى أن هذا المطلب يحظى بموافقة كتل برلمانية أخرى.
وأضاف "الدفاع عن سيادة تونس واستقلالية قرارها هو مبدأ يشترك فيه جميع نواب البرلمان الجديد الذين انخرطوا في مسار 25 يوليو، ولا بد أن ينتقل تفعيل هذا المبدأ من القول إلى العمل".
ويشير النائب عن كتلة لينتصر الشعب إلى أن البرلمان الجديد لا يمكن أن يذهب أبعد من هذه الخطوة في المرحلة الحالية نظرا لعدم جاهزية نظامه الداخلي ولعدم تركيز بقية هياكله، ولكنه سيتخذ لاحقا خطوات عملية في اتجاه ضمان استقلالية القرار الوطني.
بدوره، يؤكد رئيس المكتب السياسي لحراك 25 يوليو محمود بن مبروك في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن كتلته البرلمانية لا ترى مانعا في عقد جلسة طارئة للرد على البرلمان الأوروبي.
ويرى ابن مبروك أن هذا الرد يجب أن يصدر عن المؤسسة البرلمانية التي استمدت شرعيتها من الشعب ومن الدستور لوقف نزيف التدخلات الخارجية.
تدخل سافر في شؤون تونس
واعتبر ابن مبروك أن اللائحة التي أصدرها برلمان أوروبا تنم عن "تدخل سافر" في الشأن الداخلي لتونس، مشيرا إلى أن سيادة بلاده خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
وتابع "لم يعد خافيا على أحد أن البرلمان الأوروبي مدعوم من عملائه في تونس من الذين شاركوا في الحكم طيلة العشرية الأخيرة، وقد لفظهم الشعب في مناسبتين الأولى يوم 25 يوليو 2021 حين طالب بحل البرلمان والثانية يوم 14 يناير 2023 حين رفض الخروج إلى الشارع للمشاركة في المسيرات التي دعت إليها المعارضة".
وقال ابن مبروك إن لائحة البرلمان الأوروبي تندرج ضمن سياسة الضغط على الحكومة التونسية عن طريق التلويح بقطع الدعم الذي يوجهه الاتحاد الأوروبي لوزارتيْ العدل والداخلية .
وأضاف "هذا البرلمان يعتبر أن الإيقافات الأخيرة ليست سوى تصفية للخصوم السياسيين للرئيس، والحال أن المحاسبة هي مطلب شعبي نادى به التونسيون يوم 25 يوليو. وهي ليست خطوة استبدادية كما يقولون لأن السلطة في تونس وضعتهم بيد القضاء ولم تقتدهم إلى السجون مباشرة".
ويرى ابن مبروك أن التهم الموجهة للموقوفين ليست بالهينة حتى تطالب هذه الجهات بإطلاق سراحهم فورا، فهي تتعلق بالتآمر على الدولة والتخابر مع جهات أجنبية والتخطيط لاغتيال الرئيس وسحب المواد الغذائية من الأسواق التونسية من أجل تحريض الشعب على القيام بالاحتجاجات وإدخال البلاد في فوضى عارمة.
وأضاف: "يجب أن تعلم الدول الأوروبية والاستعمارية أن تونس لم تعد كعكة للقسمة بيدها، فهي دولة حرة مستقلة ذات سيادة وطنية ولديها مؤسساتها الدستورية من وزارات ومحاكم وبرلمان.. وإذا أرادت هذه الدول تقديم المساعدة فما عليها سوى ارجاع أموال تونس المنهوبة المودعة لديها".
وأكد ابن مبروك أن حراك 25 يوليو سيتقدم بمبادرة وطنية يوم 20 مارس/ آذار الحالي تتضمن مطالبة فرنسا بتقديم اعتذار رسمي لعائلات الشهداء الذين استشهد أبنائهم خلال معركة التحرر من الاستعمار الفرنسي، أسوة بالجزائر.
أي تداعيات لهذه اللائحة؟
وحول تداعيات تصويت البرلمان الأوروبي على هذه اللائحة، يوضّح الدبلوماسي ووزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس، في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن هذه اللائحة لا تكتسي بعدا تنفيذيا.
وبيّن "مهما كانت لائحة البرلمان الأوروبي شديدة اللهجة لا يمكن أن تكون لها أبعاد حكومية، لأن القرار التنفيذي هو ما سيصدر عن المجلس الأوروبي الذي سيعقد جلسة يوم غد 20 مارس/ آذار سيضع فيها الملف التونسي على طاولة النقاش.. والقرارات التنفيذية التي ستصدر عن هذه الجلسة يجب أن تلاقي ردا من السلطة التنفيذية في تونس ممثلة في رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية".
ويؤكد ونيس أن لائحة البرلمان الأوروبي تكتسي بعدا رمزيا وسياسيا، مشيرا إلى أن تداعياتها قد تشمل التأثير على الرأي العام وعلى صورة تونس داخل منطقة الحوض المتوسط وخاصة داخل الدول الأوروبية. وبيّن أن التداعيات قد تمتد إلى السياحة المتجهة إلى تونس.
وحول مطالبة بعض الكتل البرلمانية بعقد جلسة عاجلة للرد على لائحة البرلمان الأوروبي، قال ونيس: "من الطبيعي أن يصدر البرلمان التونسي موقفا من هذه اللائحة بوصفه مؤسسة نظيرة، وهذا الرد سيكتسي هو الآخر بعدا رمزيا وليس تنفيذيا".
من جهته علق وزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين، في تصريح اعلامي حضرته مراسلة سبوتنيك، قبل أن يقدم استقالته يوم السبت، على قرار البرلمان الأوروبي تعليق برنامج دعمه لوزارة الداخلية ووزارة العدل واتهامه تونس بخرق مبادئ حقوق الإنسان.
وأضاف شرف الدين " ان تتهم وزارة الداخلية بالدكتاتورية فهذا كلام لا يمكن أن يصدقه عاقل ولا يمكن أن ينصت اليه إنسان صادق ويشهد شهادة حق".
وشدد شرف الدين، على أن وزارة الداخلية ليست وزارة دكتاتورية والتزمت بالعمل طبقا
وتابع قائلا "حرصنا في وزارة الداخلية على تكريس قيم الديمقراطية في أبهى وأرقى تجلياتها".
ومن المنتظر أن يناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الأوضاع في تونس في اجتماعهم المرتقب يوم غد 20 مارس/ آذار، تزامنا مع احتفال تونس بالذكرى 67 لاستقلالها.