وخلافا للصورة المعهودة، تكثّفت أخيرا مشاركة العاملات في قطاع الزراعة، في حملات مناصرة لهن ولزميلاتهن اللاتي يعملن في ظروف قاسية وبأجور زهيدة، دون أدنى حماية اجتماعية أو جسدية.
وتحولت تدريجيا النساء المزارعات من خبر إلى مصدر للخبر، تنقلن بحرفية وبصدق تفاصيل رحلة إنتاج الغذاء المحفوفة بالمشقة وحتى بالمخاطر، فبعضهن فقدن حياتهن بسبب اضطرارهن إلى ركوب شاحنات تتخطى حمولتها ما يسمح به القانون للوصول إلى مكان عملهن.
فالحة... حملة بصوت النساء
"فالحة"، واحدة من الحملات التونسية التي شقت طريقها، منذ أبريل/ نيسان الماضي، نحو ترسيخ الاعتراف بمجهودات النساء العاملات في قطاع الزراعة وحملت على عاتقها مهمة الدفاع عن حقوقهن المهضومة.
وترفع هذه الحملة التي تقودها جمعية المرأة الريفية، في محافظة جندوبة (شمال غرب تونس)، والاتحاد الوطني للمرأة التونسية في محافظة القيروان (وسط غرب البلاد)، شعار "في ضمان حقوق النساء ضمان أمن الغذاء".
وتتلقى النساء الفلاحيات المشاركات في هذه الحملة تدريبا خاصا حول المناصرة الذاتية لترسيخ وعيهن بحقوقهن، وتمكينهن من الدفاع عن كرامتهن من خلال نقل قصصهن إلى العالم عبر فيديوهات وجدت تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتقول منسقة حملة "فالحة" بدرة الجلاصي، لـ"سبوتنيك"، إن هذه الحملة تندرج ضمن مشروع يمتد على 5 سنوات ويهدف إلى زيادة الوعي بقضية العاملات في قطاع الفلاحة، وتفعيل القوانين التي من شأنها أن تحسن أوضاعهن، خاصة فيما يتعلق بالنقل الآمن والأجر العادل والمعاملة المتساوية.
وأضافت: "فالحة تجعل من العاملات الفلاحيات لاعبا أساسيا في التعريف بقضيتهن، من خلال المناصرة الذاتية وإبلاغ أصواتهن والظهور الإعلامي والتعامل المباشر مع السلطات الرسمية".
وتؤكد الجلاصي أن "فالحة" تقدم صورة أخرى عن المرأة الريفية التي تمثل حلقة أساسية من حلقات الإنتاج، وفاعلا مهما في الدورة الاقتصادية، مشيرة إلى أن تأمين القوت يجب أن يكون مرتبطا بتأمين حقوق من يضمنه.
العاملات الفلاحيات... لسان دفاع
ولأول مرة تشارك فرجانية (45 سنة)، التي خبرت الزراعة منذ كانت طفلة، قصة معاناتها مع الأخريات في إطار حملة "فالحة"، وتخبر الجميع بقصة تأمين القوت التي تتخللها فصول من الوجع تتكرر في أيام الحر والبرد.
تبتسم فرجانية لعدسة الكاميرا، متحدثة عن تفاصيل يومها الذي ينطلق قبل طلوع الفجر وتحديدا في الساعة الثالثة وينتهي عند غروب الشمس. تقول إنها تتحمل كل هذه المشقة في سبيل أن ترى نجاح أطفالها الخمسة الذي يرسم في النهاية نجاحها.
تعي فرجانية جيدا أنها تعمل في ظروف غير قانونية ودون أي ضمانات لحقوقها. فمقابل عملها الشاق لا تحصل هذه الكادحة سوى على الفتات من المال لا يكفي لسد حاجيات عائلتها الأساسية. لذلك تكابد فرجانية مع العشرات من أمثالها في سبيل إبلاغ صوتها للسلطات، أملا في تغيير واقعهن.
تضيف: "لو توقفت العاملات الفلاحيات عن العمل سينقطع الغذاء عن التونسيين، فلا أحد يتحمل كل هذه المشقة... ضمان حقوقنا هو تأمين لغذاء التونسيين".
معاناة موثقة صوتا وصورة
وفي قلب العاصمة التونسية، نجحت أيضا نساء أخريات في كسر صورة النضال التقليدي للمرأة الريفية، من خلال افتتاح أول معرض يوثق المعاناة اليومية للعاملات في قطاع الزراعة، نظمه المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
هذا المعرض، عبارة عن مجموعة من الصور مرفقة ببورتريهات مكتوبة في أسفلها توثق حياة المنسيات في الحقول ومتاعبهن اليومية، بالإضافة إلى بودكاست يتضمن قصصا مسموعة لهؤلاء العاملات.
ياسمينة بن عمارة (49 سنة)، واحدة من النساء اللاتي قررن وضع حد لسنوات من الصمت عن انتهاك حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية في هذا القطاع، الذي تمثل النساء فيه أكثر من 70 في المئة من اليد العاملة.
سجّلت ياسمينة، المنحدرة من منطقة جبنيانة التابعة لمحافظة جندوبة (شمال غرب تونس)، قصتها في الحقول في بودكاست وقطعت مسافة تزيد عن 230 كيلومترا لتصل إلى العاصمة، وتشارك قصتها مع العشرات من العاملات اللاتي تتقاسمن نفس المعاناة مع اختلاف المكان.
تقول ياسمينة لـ "سبوتنيك": "أملنا الوحيد هو أن تسمع السلطات نداءاتنا المتكررة وأن تستجيب إلى مطالبنا المتمثلة أساسا في تمتيعنا بالتغطية الصحية والاجتماعية وضمان أجر لائق".
ولفتت حياة العطار، وهي مكلفة بملف العاملات الفلاحيات في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في حديثها لـ "سبوتنيك"، إلى أن تغيير واقع العاملات الفلاحيات يحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل المتواصل، مشيرة إلى أن مشاركة "الضحايا" في إبلاغ أصواتهن مهم جدا.
وأضافت: "تجتمع هؤلاء العاملات من مختلف الجهات لأول مرة للحديث عن معاناتهن وإبلاغ رسالتهن إلى الجهات المعنية... لا يطلبن شيئا سوى الاعتراف بهن وتمكينهن من حقوقهن".
وتمثل النساء الفلاحيات (تزيد أعدادهن عن 600 ألف امرأة) نحو 80 في المئة من اليد العاملة في قطاع الزراعة. وبالرغم من مساهمتهن في الدورة الاقتصادية وتأمين قوت التونسيين، فإن معظمهن مسلوبات الحقوق، تعملن بأجور زهيدة وفي ظروف غير آمنة.