والأسبوع الماضي، أعلن المعهد الوطني للإحصاء في تونس أن نسبة البطالة سجلت ارتفاعا جديدا لتتجاوز الـ 16 في المئة، خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بـ 15.2 في المئة في نفس الفترة من العام الماضي.
وكشفت بيانات المعهد أن عدد العاطلين عن العمل في الربع الأول من العام الجاري قُدّر بأكثر من 650 ألفا، مقابل نحو 624 ألفا في الثلاثي الرابع من السنة الماضية، أي بارتفاع يقدر بنحو 31 ألفا.
وقال المعهد الوطني للإحصاء إن نسبة البطالة في صفوف حاملي الشهادات العليا بلغت 23 في المئة حاليا، تشمل 15 في المئة بين الذكور وأكثر من 29 في المئة بين الإناث.
وتتزامن هذه الأرقام مع تراجع نسبة النمو إلى 2.1 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، مقارنة بـ 2.4 في المئة في الفترة نفسها من عام 2022، و4.3 في المئة في الفترة نفسها من العام 2021.
كابوس يلاحق الفقراء
يقول أحمد بن هوية، من منطقة منزل تميم الريفية، شمال شرقي البلاد: "أنهيت تخصصي الجامعي في علوم المعلومات والتوثيق سنة 2012، ومنذ ذلك الحين لم أترك بابا إلا وطرقته، وكان أملي كبيرا في تحصيل وظيفة محترمة أختم بها سنوات التعليم لأخفف العبء عن عائلتي".
اكتوى أحمد بنار البطالة واضطر إلى مزاولة العديد من الأعمال الهامشية، على غرار أعمال البناء والحفر والطلاء والزراعة، ويؤكد لـ "سبوتنيك" أنه تعرض إلى شتى أنواع الاستغلال وتحمل ضروبا من المعاناة في سبيل أن لا تتكرر تجربته المرة مع شقيقه الذي يؤَمن له حاليا تكاليف الدراسة في الخارج.
وأقفلت السلطات التونسية باب الانتداب في الوظيفة العمومية والقطاع العام منذ سنة 2018، وهي تستعد حاليا لخفض كتلة الأجور في صفوف الموظفين العموميين بهدف تخفيف العبء على الموازنة التي تمثل فاتورة الأجور 38 من إجمالي قيمتها.
البطالة تدفع الشباب إلى الهجرة
ولا يختلف وضع أحمد عن وضع مئات العاطلين عن العمل في تونس أو ما يصطلح على تسميتهم بالعامية "البطالة"، الذين يعيشون ظروفا اجتماعية صعبة عمقتها ندرة مواطن العمل وغلاء المعيشة.
وتدفع هذه الظروف بالمئات من "البطالة" إلى ركوب قوارب الموت والمشاركة في عمليات الهجرة غير النظامية من تونس إلى المدن الأوروبية، حتى وإن كانت الضريبة فقدان حياتهم، فهم يعتبرون أنه لا يمكن العيش بلا كرامة.
في منطقة غار الدماء الواقعة على الحدود التونسية الجزائرية، يقف "جميل المفتاحي" مكتوف اليدين وعاجزا عن إنقاذ الجمعية الرياضية التي يترأسها منذ أكثر من 12 سنة، بعد أن خلت من لاعبيها من "صنف الأكابر"، الذين دفعتهم الحاجة إلى مغادرة وطنهم بحثا عن فرص عمل.
يقول المفتاحي: "قررت رابطة كرة القدم حل صنف الأكابر صلب جمعيتنا بعد 3 مشاركات لم يتوفر فيها النصاب القانوني لعدد اللاعبين".
وأضاف في حديث لـ"سبوتنيك": "أكثر من 70 لاعبا من صنف الأكابر اضطروا إلى ركوب قوارب الموت والمشاركة في عمليات الهجرة غير النظامية بحثا عن مستقبل أفضل لهم".
"الانتداب حقي"
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، يؤكد المتحدث باسم تنسيقية "الانتداب حقي" حسام سعيدية، أن البطالة أثقلت كاهل الآلاف من حاملي الشهادات العليا في تونس، متسائلا متى ستلتفت الدولة إليهم.
وأوضح سعيدية أن المعطلين عن العمل ممن فاقت بطالتهم 10 سنوات استبشروا خيرا بعد صدور القانون عدد 38 بالرائد الرسمي والذي يمنحهم "الحق في الانتداب المباشر في القطاع العمومي وفق ترتيب تفاضلي وبناء على مقياسي سنة التخرج وسن المتخرج".
وأضاف: "بقي هذا القانون حبرا على ورق منذ صدوره في الرائد الرسمي في أغسطس/ آب من سنة 2020 بعدما تنكرت له جميع الحكومات بدء من حكومة هشام المشيشي".
وقال سعيدية إن تأخر تفعيل القانون وضع العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا في وضعيات مالية حرجة خاصة في ظل غلاء المعيشة، مضيفا: "لا يمتلك المعطل عن العمل أجرا شهريا ليقاوم به موجة الغلاء ولا تغطية اجتماعية ولا حتى نقلا مجانيا".
ويعتقد سعيدية أن الحلول الثانوية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة عمقت فقرهم وزادت من تهميشهم وضاعفت من معاناتهم، مشيرا إلى أن طرقهم افترقت بين من ركب قوارب الموت وبين من سلك طريقا صعبة في البحث عن القوت.
ويؤكد سعيدية أن المعطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا لم يتوقفوا عن المطالبة بالتشغيل الذي هو مطلب أساسي لثورة الياسمين، مشيرا إلى أنهم يستعدون حاليا للعودة إلى ساحات الاحتجاج لاسترجاع كرامتهم والمطالبة بتفعيل القانون رقم 38 الذي سينتفع منه 70 ألف عاطل عن العمل، وفقا لوزيرة الوظيفة العمومية السابقة حسناء بن سليمان.
ويرى عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن ارتفاع نسب البطالة ستكون له تداعيات اجتماعية وخيمة على المعطلين عن العمل.
وقال منير حسين إن تواصل معضلة البطالة وغياب حلول حقيقية لها قد يؤدي إلى حدوث انفجار اجتماعي، مذكرا بأن ثورة "الياسمين" (17 ديسمبر 2010 / 14 يناير 2011) أشعلتها مطالب التشغيل بدرجة أولى.
ويعتقد الناشط الحقوقي أن الحكومة التونسية مطالبة بالابتعاد عن الحلول الترقيعية على غرار الشركات الأهلية التي يصعب تنفيذها على أرض الواقع، والبحث عن حلول جدية تدفع بعجلة النمو الاقتصادي وتخلق فرص عمل جديدة.
ويشجع حسين على تفعيل قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي صدر منذ يوليو/ تموز 2020 كحل للحد من الفقر والتهميش والبطالة وتكريس العدالة الاجتماعية.