بنغازي - سبوتنيك. وتسارعت الأحداث في ليبيا أخيراً على مدار الفترة الماضية، حيث طرحت أطراف ليبية مقترحًا لتشكيل حكومة مصغرة أكثر من مرة، دون أن يثمر هذا الطرح عن أي خطوة حقيقية في هذا المسار، ولكن وفقاً لمصادر ليبية تسعى الأطراف كافة من خلال مشاورات مع شخصيات ليبية للاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، تستعد لتهيئة والإشراف على العملية الانتخابية القادمة في البلاد.
وفي هذا السياق التقت وكالة "سبوتنيك" مع عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية الليبية المقبلة، الذين أكدوا أن إنجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لن يتحقق إلا في ظل وجود حكومة ليبية موحدة، تعمل على تهيئة والإشراف على الانتخابات.
حكومة موحدة
وقال رجل الأعمال الليبي وأحد المرشحين للانتخابات الرئاسية إسماعيل الشتيوي، في مقابلة خاصة مع وكالة "سبوتنيك"، إن "من أهم الاستعدادات وأكثرها ضرورة الاتفاق بين الأطراف المُتنازعة على تشكيل حكومة موحدة لأجل النجاح في دعم الانتخابات أمنيًا ولوجستياً، والتعهد المُطلق بقبول نتائجها دون شروط".
ورداً على سؤال حول مشاورات واجتماعات لجنة 6+6 (المشكلة من ممثلين عن مجلسي النواب والأعلى للدولة) من جهة، وعدة حلول تطرحها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من جهة أخرى، وما إذا كان مجلسا النواب والدولة لديهما القدرة على طرح تسوية حقيقية في ليبيا، أكد الشتيوي أن "المهلة الممنوحة للجنة 6+6 قد أوشكت علي الانتهاء دون الوصول إلى أي اتفاق حتى الآن، مما قد يُعطي مؤشراً قوياً جداً على عدم قدرة المجلسين الموقرين على التوصل إلى أي اتفاق مرضٍ لهما ولبقية الأطراف".
وأشار الشتيوي إلى أن "هذه ليست المرة الأولى كما نعرف، مما قد يُفسح مجالاً واسعاً لتدخل البعثة الأممية وإدارتها المُباشرة لهذه المهمة، الأمر الذي سيُرجح كفة الدخول إلى مرحلة تمهيدية جديدة في نهاية المطاف".
وبشأن الوصول إلى الانتخابات الرئاسية وما إذا كان يعتزم الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة قال رجل الأعمال الليبي، "نعم سوف أترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية القادمة وما زالت مستمر في برنامجي الانتخابي كما هو".
الدور الروسي
وحول الأهمية التي يشكلها الدور الروسي كوسيط في التسوية السياسية والوضع الأمني في ليبيا، أوضح الشتيوي أن "الدور الروسي كان ولا يزال فاعلاً ومؤثراً في السياسة الدولية، وفي ليبيا على وجه الخصوص، روسيا كانت تتمتع بمكانة مُميزة في مرحلة النظام السابق، وقد استطاعت -في الوقت الراهن- أن تدعم حضورها من خلال تداخلها واحتكاكها المُباشر بملف الأزمة، إضافةً إلى ارتباطها بمصالح اقتصادية مُهمة، مما يُتيح لها أن تؤدي دوراً إيجابياً في عملية التسوية السياسية".
وعن الأولويات والخطوات التي تضمن الوصول لبيئة ملائمة لخلق استقرار حقيقي، وتوحيد المؤسسة العسكرية، اعتبر المرشح الرئاسي الليبي أن "هناك العديد من الأولويات التي يتعين علينا أن نتعاطى معها كحزمة واحدة، وهي الاتفاق على الإطار السياسي متمثلاً في اتفاق الأطراف على حكومة موحدة والتوافق على نوع الضمانات المُقترحة لقبول نتائج الانتخابات، بالإضافة إلى التوافق على الإطار التشريعي متمثلاً في القاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية".
وأوضح الشتيوي أنه "فيما يتعلق بتوحيد المؤسسة العسكرية وهو مجال عمل لجنة 5+5 فهو خارج مجال هذه المرحلة، وأقصى ما يمكن أن تحققه اللجنة هو تثبيت وقف إطلاق النار تمهيداً للانتخابات".
إجراء الانتخابات
من جهة أخرى اعتبر المرشح المحتمل في الانتخابات الرئاسية الليبية ورئيس حزب النِداء أكرم الفكحال أن الخروج من الأزمة الليبية سيكون عبر إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مشدداً على ضرورة سلطة تنفيذية موحدة قادرة على توفير المناخ الأمني والخدمي للإشراف على العملية الانتخابية.
وقال الفكحال، في حديثه مع وكالة "سبوتنيك"، "في تصوري أن بوادر ومؤشرات الحل الحقيقي للأزمة الليبية من مختلف النواحي سيكون عبر الاستعداد لإجراء السباق الانتخابي نهاية هذا العام أو منتصف العام القادم حسب الشروط الموضوعة للترشح، واستبعاد كل من لا تنطبق عليه الشروط"، مؤكداً أن "كل هذا يُفترض أن يكون عبر وجود سلطة تنفيذية واحدة جديدة قادرة على توفير المناخ الأمني والخدمي، والإشراف على تنفيذ العملية الانتخابية بعد وضع الأساس الدستوري لها من قبل مجلسي النواب والدولة".
وأضاف رئيس حزب النداء الليبي أن "المشاورات الثنائية بين المجلسين (النواب والأعلى للدولة) ليست وليدة اللحظة، والتسوية السياسية من قبل المجلسين الآن ضرورة لوضع الأساس الدستوري للعملية الانتخابية".
وتابع: "كما أرى أن هناك خطين متوازيين يجب العمل في اتجاههما وبكل قوة؛ أولهما أن يكون هناك توافق أو الدفع باتجاه التوافق على الأقل بين مجلسي النواب والدولة على إنتاج قاعدة دستورية، تُجرى على ضوئها الانتخابات الرئاسية والتشريعية للبلاد، بحيث يتم كسبا للوقت إرجاء النظر في مشروع الدستور لحين انعقاد البرلمان الجديد المنتخب على ضوء القاعدة الدستورية لكي ينظر في إكسابه شرعيته، سواء بإحداث تعديلات واجبة فيه أو طرحه مباشرة للاستفتاء الشعبي المباشر بلا أي تعديل، ثم النظر فيما يترتب على تلك العملية من إجراءات حال عدم الموافقة عليها شعبيا".
سلطة تنفيذية جديدة
وأضاف الفكحال "الخط الثاني الذي يجب العمل عليه يتمثل في تشكيل سلطة تنفيذية جديدة لمدة محددة ومهام محددة على رأسها إنجاز العملية الانتخابية".
وأشار إلى أنه "لا يخفى على أحد أن هذا ناتج عن فشل حكومة الوحدة الوطنية في الذهاب لانتخابات 24 ديسمبر [كانون الأول] 2021 بالرغم من فتح باب الترشح للناخبين، والمضي في العملية من قبل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات حتى إعلان القائمة الأولية للمرشحين للانتخابات الرئاسية".
وبشأن الوصول إلى الانتخابات الرئاسية في ليبيا ونيته الترشح، قال الفكحال: "تقدمت للترشح للسباق الانتخابي الرئاسي الذي عقدت عليه آمال الليبيين في ديسمبر 2021، وذلك إيمانا مني بأهمية العملية الانتخابية لسير العملية السياسية في ليبيا، وانتهاج المسار الانتخابي بدلًا من مسار العنف، وأيضا لأن لدي تصور وخطة متكاملة أزعم أنها ستكون نقطة الانطلاق الحقيقية نحو الاستقرار والأمن والأمان والتنمية في ليبيا، وسأظل سائرا و صامدا في هذا المشوار إن شاء الله".
وعن الدور الروسي كوسيط في التسوية السياسية والوضع الأمني في ليبيا، قال الفكحال "يعلم الجميع أن الدولة الليبية ليست على الهامش، فهي في قلب المنظومة الدولية تتأثر بها وتؤثر فيها، والأدوار السياسية لحل الأزمة السياسة من الأطراف الإقليمية الفاعلة والدولية، وبالأخص دول دائمة العضوية بمجلس الأمن، مرحب بها إذا وضعت مصلحة ليبيا والليبيين ضمن اعتبارات برنامجها للتسوية السياسية في ليبيا، بدلا من مصالح أطراف بعينها لضمان مصالحها".
وأشار إلى أن "كل الخطوات مطلوبة دون استثناء، لكي نضمن الوصول لبيئة ملائمة وخلق استقرار حقيقي وفعلي، نستطيع من خلاله المضي قدما في العملية السياسية الليبية المتعثرة بسبب عدم توحيد العمل على كل المسارات والتعامل معها بانتقائية، لأن توحيد المؤسسة العسكرية والخارطة والحكومة كلها حلقة واحدة مترابطة في هذه المرحلة تحديدا، ولا يمكن فصلها أو اختيار أحدها وتجاهل الباقي".
وأضاف رئيس حزب النداء الليبي: "في تصوري أن إنشاء سلطة تنفيذية جديدة موحدة ذات مهام محددة على رأسها العملية الانتخابية تتفادى الأخطاء السابقة، ستصل بنا إلى أولى خطوات الاستقرار السياسي الفعلي الملموس".
تسوية شاملة
من جهة أخرى، أفادت مصادر ليبية برلمانية ومن السلطة التنفيذية، بأن الأطراف الليبية تسعى لتسوية شاملة بتشكيل حكومة موحدة، تعمل على تهيئة الوضع لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية والإشراف عليها.
ومنذ أشهر شكل مجلسا النواب والأعلى للدولة لجنة 6+6، تتكون من ستة ممثلين من كلا المجلسين لتعديل ووضع القوانين التي ستجري على أساسها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة قبل نهاية 2023، حيث تعقد اللجنة اجتماعاتها منذ أمس الاثنين في المغرب، من أجل الوصول إلى اتفاق حول القوانين الانتخابية.
وصوّت مجلس النواب الليبي بالأغلبية، يوم الثلاثاء الماضي، على إيقاف رئيس الحكومة الليبية المكلف من البرلمان، فتحي باشاغا، وإحالته للتحقيق، وكلف وزير المالية أسامة حماد بتسيير مهام رئاسة الحكومة.
تجدر الإشارة إلى أن البرلمان الليبي المتمركز في شرقي البلاد كلّف باشاغا في آذار/مارس 2022 بمهام تشكيل الحكومة الليبية الجديدة، لكن عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن اتفاقات سياسية رعتها الأمم المتحدة، قبل أكثر من عامين، رفض تسليم السلطة إلا عبر انتخابات، ما أدى إلى صراع مطول بين الحكومتين المتنافستين.