بداية يقول الدكتور ضياء الدين القوصي، مستشار وزير الري المصري الأسبق، أن الصبر المصري بشأن أزمة سد النهضة بدأ ينفذ ولا جدوى من الحديث عن تفاوض بلا نتائج على مدى أكثر من عقد من الزمان.
اللهجة المصرية
وأضاف في اتصال مع "سبوتنيك"، إن الرد المصري الأخير على البيان الإثيوبي الذي انتقد مخرجات قمة جدة، يختلف تماما عن لغة الحوار التي كانت سائدة طوال السنوات السابقة والتي كانت تنتهج فيها سياسة هادئة من أجل الخروج بنتائج وتجنب التصعيد.
وتابع القوصي، من الواضح خلال الفترة القليلة الماضية أن اللهجة المصرية أصبحت شديدة بعض الشيء فيما يتعلق بأزمة السد، ويبدو أنها أصبحت اليوم على قناعة بأن المفاوضات المباشرة مع إثيوبيا لم يعد لها جدوى أو قيمة، لذا بدأت اليوم في تحريك الجامعة العربية والمنظمة الأفريقية والمجتمع الدولي.
وأوضح مستشار وزير الري، أن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المصري كانت واضحة وصريحة ومباشرة وتشير إلى أنه لم يعد هناك مجال للصبر على المماطلات الإثيوبية الحجج التي لا تزال تتحدث عن الاتفاقات الاستعمارية بشأن تقاسم مياه النيل وحصص دول المصب، ورغم لغة الخطاب التصعيدية فإن مصر لا تزال تتمسك بالحلول الدبلوماسية للأزمة.
الوساطة الأوروبية
وحول إمكانية وساطة الاتحاد الأوروبي ولماذا لم تلجأ لها مصر والسودان يقول القوصي: إن الاتحاد الأوروبي يمتلك علاقات جيدة مع مصر وأيضا مع إثيوبيا وربما يكون وسيطا ممتازا، ولا أعرف لماذا لم يتم اللجوء إليه حتى الآن، قد يكون الأمر متعلقا بتمثيل الاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن.
خلط الأوراق
من جانبها تقول أسماء الحسيني، خبير الشؤون الأفريقية، جاء الرد المصري على البيان الإثيوبي الأخير بشأن سد النهضة قويا، بعدما تبينت القاهرة أن أديس أبابا تريد أنت تنحرف بالقضية، وتذهب بها نحو استقطاب عربي أفريقي، بالإضافة إلى أنها تتحدث وكأنها المتحدث الرسمي عن الدول الأفريقية متناسية أن العديد من الدول العربية هى أفريقية.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، في إطار سعيها لخلط الأوراق جاء البيان الإثيوبي الذي يتحدث عن التدخلات من الجامعة العربية في الشأن الأفريقي، هذا الأمر هو محاولة منها لتشتيت الأذهان، فدول مصب نهر النيل هى عربية أفريقية، وأيضا تريد إثيوبيا تغيير الحديث عن الاتفاق القانوني العادل والملزم بشأن سد النهضة.
الجامعة العربية
وتابعت الحسيني، مصر أكدت أنها جزء من الكيان العربي وأيضا جزء من الكيان الأفريقي، وهذه ليست المرة الأولى التي تطالب الجامعة العربية بضرورة التوصل إلى حل بشأن أزمة سد النهضة وأن يكون مرضيا لكل الأطراف، لذا فإن الحديث الإثيوبي لم يأت بجديد والهدف منه خلط الأوراق وأن تضيع الحقوق في المنتصف.
وصفت وزارة الخارجية المصرية، أمس الأربعاء، البيان الإثيوبي الصادر على قرار القمة العربية الأخيرة بـ"المضلل"، معتبرةً ذلك "محاولة للوقيعة بين الدول العربية والأفريقية".
وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، إن "بيان الخارجية الإثيوبية، تعقيبا علي قرار القمة العربية الأخيرة بدعم موقف مصر والسودان في قضية سد النهضة، مضللا ومليئا بالمغالطات، ومحاولة يائسة للوقيعة بين الدول العربية والأفريقية من خلال تصوير الدعم العربي لموقف مصر العادل والمسئول باعتباره خلافاً عربياً أفريقياً".
وأعرب أبو زيد عن أسفه "لما حواه البيان من ادعاءات غير حقيقية بأن الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، اتفقت بالفعل خلال المفاوضات على حجم المياه التي سيتم تخزينها وفترة ملء خزان السد، وأن لجوء مصر والسودان لطلب الدعم العربي يُعد انتهاكاً لاتفاق المبادئ، بل والادعاء بأن الدول العربية الأعضاء في الاتحاد الإفريقى لا تدعم القرار العربي الصادر عن القمة الأخيرة بالإجماع".
وأضاف أن "تاريخ مصر الداعم لحركات النضال الوطني والتحرر من الاستعمار في أفريقيا، وما تبذله من جهود وترصده من موارد لدعم برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء السلام في القارة، لا يتماشى مطلقا مع ادعاءات واهية بأن مصر تحشد الدول العربية ضد المصالح الأفريقية".
وتابع المتحدث باسم الخارجية المصرية: "كون إثيوبيا دولة المقر للاتحاد الأفريقي لا يؤهلها للتحدث باسمه أو دوله الأعضاء بهذا الشكل، للتغطية على مخالفاتها لقواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار".
وأشار أبو زيد إلى أن إدعاء إثيوبيا بأنها راعت شواغل مصر والسودان، "يتناقض مع حقيقة استمرار المفاوضات لأكثر من عشر سنوات دون جدوى، ودون أي التزام او اعتبار لحقوق دول المصب وطالب الجانب الإثيوبي بالتوقف عن التذرع المغرض بما تسميه بـ"الاتفاقيات الاستعمارية" للتحلل من التزاماتها القانونية التي وقعت عليها وهي دولة كاملة السيادة، وواجبها الأخلاقي بعدم الإضرار بدول المصب، والتوقف عن إلقاء اللوم على الأطراف الأخرى لمجرد مطالبتها بالالتزام بالتوصل للنتيجة الطبيعية للمفاوضات، وهي اتفاق قانوني ملزم يراعي الشواغل الوجودية لدول المصب، ويحقق تطلعات إثيوبيا.
واعتبرت وزارة الخارجية الإثيوبية، الاثنين الماضي "محاولات مصر للضغط على أديس أبابا في ملف "سد النهضة" الإثيوبي عبر الجامعة العربية تعكس عدم حسن نيتها".
وذكرت الخارجية الإثيوبية، في بيان لها، أن "إثيوبيا تتابع بقلق القرار الذي اتخذته القمة العربية الأخيرة لجامعة الدول العربية، والذي ردد الخطاب المصري العدائي بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير".
وأضافت أن "إثيوبيا تعمل وستواصل العمل باحترام مبدأ الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل، والادعاء بأن إثيوبيا قد اتخذت تدابير أحادية هو وصف خاطئ متعمد"، مشددةً على أن محاولات مصر للضغط على إثيوبيا باستخدام جامعة الدول العربية تعكس عدم حسن نيتها، وانتهاكها لاتفاق إعلان المبادئ الذي أبرمته مع إثيوبيا والسودان.
ودعت إثيوبيا، في ختام بيانها، مصر إلى "التخلي عن مطالبتها غير القانونية باحتكار نهر النيل، والتفاوض بحسن نية والتوصل إلى نتيجة مربحة للجانبين".
وأصدر مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة عددًا من القرارات خلال قمته، التي عقدت يوم الجمعة الماضي في مدينة جدة السعودية، التي من بينها قرار بشأن سد النهضة الإثيوبي، أكد خلاله أن الأمن المائي لكل من مصر والسودان جزء لا يتجزأ من الأمن المائي العربي، رافضا أي عمل يمس بحقوقهما في مياه النيل.
وأعرب نص القرار عن القلق الشديد إزاء الاستمرار في الإجراءات الأحادية لملء وتشغيل السد الإثيوبي، مؤكدًا أن هذه الإجراءات تخالف قواعد القانون الدولي واجبة التطبيق، وخاصة اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم، في 23 مارس/ آذار 2015.
وأنجزت إثيوبيا مرحلتين من عملية ملء السد في عامي 2020 و2021، وبدأت بالفعل عملية الملء الثالث خلال موسم الفيضان الذي بدأ في يوليو/ تموز الماضي.
وأدى عدم التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث، إلى زيادة التوتر السياسي بين مصر وإثيوبيا، وترحيل الملف إلى مجلس الأمن، الذي عقد جلستين حول الموضوع، دون اتخاذ قرار بشأنه.