وفي ذكرى الانقسام الفلسطيني، لا تزال هناك تساؤلات مطروحة عن المستفيد الأول من انقسام فتح وحماس، ولماذا لم تنجح الجهود كافة في وضع حد لهذه القضية، وعن مدى إمكانية أن يكون الوقت الراهن ملائمًا لتحقيق هذه الخطوة المطلوبة.
ويختلف المراقبون كل حسب انتمائه، في تحليل أسباب استمرار الانقسام، كما يلقِ كل طرف اللوم على الطرف الآخر، لكنهم اتفقوا جميعًا على أن إسرائيل المستفيد الأول من هذه الحالة، وشددوا على ضرورة رأب الصدع وتحقيق الوحدة الداخلية كطريق واحد لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
تغليب المصلحة العامة
قال واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن مرور 16 عاما من الانقسام الفلسطيني هو مصلحة صافية للاحتلال الإسرائيلي، وسبق أن تحدث نتنياهو بأن تكريس الانقسام استراتيجية تهدف إلى منع إقامة دولة فلسطينية، بل والوصول إلى انفصال ما بين الضفة وقطاع غزة، لضرب المشروع الوطني وإنهاء أي أمل لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مؤكدًا أن الانقسام يعطي جوائز مجانية لإسرائيل من خلال إضعاف الموقف الفلسطيني.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، منذ اللحظات الأولى من عمر الانقسام، بل وقبله، كانت هناك محاولات من قبل مصر من أجل الوصول إلى ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني بما ينسجم مع التأكيد على ثوابت الشعب وحقوقه، المتمثلة بحق عودة اللاجئين وتقرير المصير وإقامة دولة مستقلة على قاعدة الشرعية الدولية والقانون الدولي، لوصول أبناء الشعب الفلسطيني لاستقلالهم وحقوقهم كاملة.
وأوضح أن هناك الكثير من الجهود العربية والدولية المثمنة لإنهاء الانقسام، وآخرها الاجتماعات التي استضافتها الجزائر للفصائل الفلسطينية، لكن في النهاية لم يتم الاستجابة لما تم التوقيع عليه سواء في القاهرة أو في أي عاصمة أخرى.
ويرى أبو يوسف أن المصالحة بحاجة إلى إرادة جادة وحقيقية، تفضي إلى إنهاء كل ما له علاقة بتغليب المصالح الشخصية والذاتية الضيقة على المصلحة الفلسطينية، مشددًا على ضرورة الارتقاء للوصول إلى حماية القضية الفلسطينية وتسجيل وحدة تشكل صمام أمان للمشروع الوطني من أجل تحقيقه.
انقلاب حماس
ومن جانبه، قال المستشار زيد الأيوبي، القيادي في حركة فتح، إن "الانقسام الفلسطيني الذي تسبب به الانقلاب الحمساوي في قطاع غزة، شكل خنجرا مسموما في خاصرة الشعب الفلسطيني، حيث لا تزال حركة حماس المرتبطة بأجندات إقليمية معادية للمنطقة مصرة على موقفها بالسيطرة على القطاع وسكانه، بالحديد والنار".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، كل المحاولات من أجل رأب الصدع في الجبهة الداخلية الفلسطينية، ومن أجل إعادة اللحمة لأبناء الشعب باءت بالفشل، نتيجة ارتباط حركة حماس بأجندات إقليمية ترتهن لها ولتمويلها، وهذه الأجندات كانت ولا تزال معادية للأمة العربية، وفقا لقوله.
وثمّن الأيوبي الجهود العربية والإقليمية المبذولة من أجل تحقيق الوحدة للشعب الفلسطيني، على رأسها الجهود المصرية، لكنه قال إنها دائمًا ما تفشل بسبب تعنت حماس واهتمامها بمصالحها الفئوية والشخصية على حساب الشعب الفلسطيني.
ولفت إلى أن الشعب الفلسطيني يتوق إلى الوحدة الوطنية التي تنهي هذا الانقسام، بعد أن شكل طعنة حقيقية للقضية، وأضعفها، مضيفًا: "قدمت حماس عبر هذا الانقسام تفتيت الجبهة الداخلية الفلسطينية على طبق من فضة للاحتلال الإسرائيلي، واليوم نسمع قيادات إسرائيل على رأسها نتنياهو وهي تؤكد بأن الانقسام في مصلحة إسرائيل".
واتهم الأيوبي إسرائيل بدعم وتعزيز سيطرة حماس على قطاع غزة على حساب وحدة الشعب الفلسطيني، من خلال السماح بإدخال الأموال والبضائع لقيادات الحركة عبر حدودها، مؤكدًا أن الحركة لا تفكر في مصلحة الشعب ولا يهمها ضعف القضية الفلسطينية أمام المجتمع الدولي، أو انشغال الفلسطينيين بالخلافات الداخلية عن صراعها مع الاحتلال.
فشل مشروع أوسلو
اعتبر مصطفى الصواف، المحلل السياسي الفلسطيني المقيم في قطاع غزة، أن إسرائيل المستفيد الأول من الانقسام الفلسطيني، وكذلك الأطراف التي تغذي الانقسام وتستفيد منه كبعض الأطراف العربية والدولية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، إسرائيل تدرك أن وحدة الشعب الفلسطيني أول الطريق عن كنس الاحتلال، ما يدفعها للعمل على ضمان استمرار الانقسام وعدم تحقق الوحدة، كما أن هناك أطرافا عربية تستفيد من الانقسام كونها تسير في فلك القضية الفلسطينية، وتريد ترتيب علاقاتها مع أمريكا والاحتلال والغرب، من أجل الحفاظ على مكاسبها الشخصية، حيث تشكل وحدة الشعب الفلسطيني خطرًا على استمرارهم في الحكم.
ومضى قائلًا: "فريق أوسلو والذي يعترف بالاحتلال ويريد بقائه حتى يستمر المشروع في تصفية حقوق الشعب الفلسطيني في العودة والحرية وكنس الاحتلال، وهذا الفريق الذي يحقق مصالح شخصية يسعى إلى استمرار الانقسام حتى تدوم هذه المصالح المادية التي يجنيها من خلال الدفاع عن اتفاق أوسلو وحماية الكيان، باعتبار أن الوحدة كما تشكل ضررا كبيرا على الاحتلال هي أيضا تضر مصالحهم".
وفيما يتعلق بإمكانية تحقيق المصالحة، استبعد صواف هذه الخطوة في ظل ما أسماها "سيطرة أصحاب أوسلو" على الوضع، مضيفًا: "سيظل الفشل ملازم كل هذه المحاولات، ولعل الدعوة للانتخابات ومن ثم إلغائها بحجج واهية في عام 2021، أكبر دليل، لأن القدس كان يجب أن تكون معركة الكل الفلسطيني، لا الاستسلام لموقف الكيان الرافض لإجراء الانتخابات، وهي ما تحجج بها الرئيس عباس لتأجيل العملية الانتخابية، كونه يعلم أنها لن تكون في صالحه أو في صالح مشروع التسوية، ومن المقرر أن تسحب البساط من تحت قدميه، ولن تشكل له غالبية كي يتمكن من السيطرة، وسيلعب دورا هامشيًا بعد الانتخابات، وهو الأمر الذي لن يقبله وسيعمل على تعطيله"، وفقا لقوله.
واستطرد: "بعد زوال مشروع أوسلو وفشل أصحابه، يمكن أن يكون هناك وحدة فلسطينية، والتي يمكن أن تتحقق على أساس مقاومة الاحتلال باعتبارها العنوان الأساسي، والشعب الفلسطيني رغم ضعفه وقلة إمكانياته والمؤامرات التي تحاك ضده يعلم أن الطريق إلى الوحدة يمر عبر مقاومة الاحتلال".
وتعود بداية الانقسام إلى يوم 14 يونيو/ حزيران 2007، حيث سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة، بعد اشتباكات مسلحة دارت مع عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية وحركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، ما عزز حالة الفصل الإداري والجغرافي بين قطاع غزة والضفة.