وحول التراث اليمني والأضرار التي لحقت به سواء عن طريق السرقة أو التدمير، أجرت وكالة "سبوتنيك" المقابلة التالية مع الأثري عبد الكريم البركاني، مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية لدى هيئة الآثار اليمنية.
إلى نص الحوار…
بداية… لماذا تحول تراث وتاريخ اليمن الثقافي إلى "تجارة رابحة" في الغرب؟ وهل يمكن استرداد ما تم نهبه؟
الحضارة اليمنية معروف أنها ضاربة في القدم منذ آلاف السنين، والتراث الثقافي المادي في اليمن يتعرض اليوم إلى هجمة شرسة متأثرا بالحرب الدائرة في البلاد منذ 8 سنوات، وهو أمر معروف عالميا في البلدان التي تمر باضطرابات سياسية.
هل الحرب فقط هى السبب فيما يعانيه التراث اليمني؟
رغم أن الحروب ليست السبب الرئيسي في تدمير تراث الشعوب الثقافي، إلا أن الحرب الدائرة في اليمن أضرّت بالمواقع والمعالم الأثرية، حيث تم تدمير الكثير من تلك المعالم في ربوع اليمن بشكل عام شمالا وجنوبا.
وإضافة إلى الحرب، هناك أسباب أخرى من بينها تغلغل الجماعات التكفيرية التي أنتجتها أجواء الحرب، لتقوم بتدمير المواقع والمعالم الأثرية الإسلامية خاصة في القطاع الغربي من البلاد، الذي لا يزال يشهد صراعا مسلحا.
ما الأزمات التي يمر بها التراث الثقافي اليمني في الوقت الراهن؟
التراث الثقافي اليمني يتعرض اليوم إلى أزمة حقيقية ويجب أن تكون هناك مساعدة من قبل المنظمات الدولية المعنية بحماية التراث الثقافي العالمي، لأن مشاركة المنظمات الدولية ومناشدتها للعالم، يمكن أن يوقف أو يحد من عمليات الاستهداف للتراث الحضاري الإنساني في اليمن.
ونرى اليوم أن الآثار اليمنية تمت استباحتها خلال سنوات الحرب، ويتم تهريبها للخارج عن طريق عصابات الجرائم المنظمة وتجار الآثار، الذين يعملون على نقل الهوية الوطنية والتراث الثقافي لبلادنا وتهريبه إلى دول العالم بغرض الكسب غير المشروع بتجارة الآثار اليمنية.
هل لديكم معلومات عن القطع الأثرية المهربة للخارج؟
نلاحظ أن هناك آلاف القطع الأثرية التي يتم عرضها في المزادات العلنية العالمية في الكثير من دول العالم، وهذا الشيء خطير جدا بالنسبة لنا إذا لم يكن هناك نوايا صادقة من قبل الدولة لحماية ممتلكاتها الثقافية.
إذا عدنا إلى سنوات ما قبل الحرب… كيف كان حال التراث اليمني؟
منذ العام 1828، بدأت اليمن تحظى بالدراسات الأثرية من قبل العلماء، وقاموا بدراسة وتوثيق هذا التراث الثقافي، وكانت هناك أكثر من بعثة دولية أثرية تعمل في هذا المجال، وأزاحت الستار عن الكثير من المعالم الأثرية والتاريخية على الرقعة الجغرافية للجمهورية اليمنية.
واليمن ضمن بلدان العالم ذات الحضارة الكبيرة، لكن المشكلة قد تكون جذورها داخلية عندما تغيب التوعية بضرورة الحفاظ على الآثار.
والمعروف بطبيعة الشعب اليمني أنه لم يدرك تلك الأمور إلا في وقت متأخر، مع بداية ثورة 26 سبتمبر/ أيلول، حيث كانت الآثار اليمنية طافية على سطح الأرض ويلحظها المارة، وكان الكثير من الخبثاء من الأجانب ممن يعرفون قيمة هذا التراث، يقومون بعمليات نهب لهذا التراث وتصديره إلى خارج اليمن.
كيف تعامل القانون مع عمليات البحث عن الآثار وتداولها؟
لم تكن هناك قوانين تنظم البحث والتداول للقطع الأثرية، ولم تكن هناك نصوص صريحة تجرم وتعاقب على تلك الأفعال، ومنذ ذلك الوقت بدأت الآثار اليمنية تخرج مع بعض المستشرقين ولا نسمي دولا بعينها في هذا الأمر، نظرا لحساسية الموضوع.
وعلى كل حال، فإن تهريب الآثار اليمنية بدأ منذ فترة طويلة حتى جاءت الوحدة اليمنية وبدأت التشريعات والقوانين تختلف وأصبحت أكثر حزما في تطبيق التشريعات التي تعاقب على نهب وتجريف الثروات التراثية والتاريخية والثقافية اليمنية.
فقد كان هناك تجار في عدد من المناطق يقومون ببيع الآثار للمهربين، بعد تحريض البسطاء في القرى التي تحوي مواقع أثرية للقيام بأعمال الحفر والبحث عن القطع الأثرية ثم بيعها لهم.
هل تأثرت تجارة الآثار بعد اندلاع الحرب؟
بعد نشوب الحرب نشطت تلك التجارة المجرمة وصارت كبيرة جدا، وبدأ الكثيرون يعبثون بالمواقع الأثرية، نظرا لحالة عدم الضبط الذي تعيشه البلاد لحماية موروثها الثقافي لتعدد الحكومات، وما نعول عليه هو المواطن اليمني صاحب القرار في هذا الشأن، وهو من يستطيع حماية تاريخه وتراثه الثقافي من أيدي العابثين.
ما الدور الذي تقوم به الهيئة العامة للآثار للحفاظ على هذا التراث؟
نحن في الهيئة العامة للآثار لدينا لجان رصد وتتبع للقطع الأثرية التي يجري عرضها في المزادات العالمية، ونقوم بعمل نسب لمعدلات التهريب، حيث وجدنا أن الاضطرابات السياسية ساهمت بصورة أكبر في عمليات تهريب الآثار والاتجار بها.
هل لدى هيئة الآثار إمكانات تستطيع من خلالها متابعة وإدارة هذا الكم من التراث الثقافي المنتشر في ربوع اليمن؟
هيئة الآثار اليمنية المعنية والمخولة قانونا بحماية الآثار اليمنية والكشف عنها ودراستها في عموم البلاد، لكن الإمكانات والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد أحدثت فجوة كبيرة جعلت نشاط وأداء الهيئة في مجال المسح والتنقيب والتوثيق في الكثير من المواقع الأثرية يتعثر، نظرا لعجز عملية التمويل في ظل الحرب، ولو عدنا لما قبل الحرب لوجدنا أنه كانت هناك ميزانية كبيرة جدا للتحرك السريع، أما الآن فكل الأمور شبه متوقفة، وقد لا نستطيع التحرك إلى أقرب منطقة لمواجهة أي بلاغ عن تدمير لمواقع أثرية.
وإذا عادت الدولة بقدراتها الطبيعية ستكون هناك خطوات كبرى جادة لاستكمال الأعمال العلمية للدراسات الأثرية، حيث تعد اليمن من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، موقعا أثريا متدرجا يبدأ من العصور (الطباشيرية)، مرورا بالعصور الحجرية وعصور ما قبل الإسلام والعصر الإسلامي، حتى وقتنا الراهن، وهناك تنوع ثقافي كبير في الحضارة اليمنية سواء حضارة ما قبل التاريخ أو القديمة أو الحضارة الإسلامية.
هذا التراث الكبير الذي تحدثتم عنه… ما مدى استفادة اليمن منه حتى الآن؟
ما قامت به البعثات الأثرية الأجنبية التي كانت تعمل في اليمن منذ الستينيات كشف النقاب عن الكثير من مواقع التراث الثقافي، وأصبحت اليوم معالم ظاهرة ومتاحف مفتوحة ومتنوعة في تصنيفها الثقافي من معابد وسدود والمنشآت المائية والقصور وغيرها من الثراء الثقافي الذي تزخر به اليمن.
وتم تأهيل العديد من المواقع كمزارات سياحية لدعم الاقتصاد الوطني منذ عدة عقود، لكن كانت هناك أسباب مباشرة أدت إلى ضعف السياحة في اليمن أو انعدامها بشكل كامل منذ العام 2007، عندما بدأت تنشط الجماعات الإرهابية والتنظيمات الخارجة عن القانون في استهداف السياحة اليمنية، وأصبحت الكثير من دول العالم تخشى على رعاياها، وهناك الكثير من المجالات السياحية في اليمن، لكن من يأتي إليها يكون بغرض السياحة الثقافية.
ما هو حجم التعاون بينكم وبين المنظمات الدولية المعنية بالتراث الإنساني؟
كنا نتمنى من المنظمات الدولية أن تقف مع اليمن لحماية تراثها وممتلكاتها الثقافية في ظل الظروف والمحن التي تمر بها، لكن هناك ضعف كبير في هذا الجانب من قبل تلك المنظمات.
والجمهورية اليمنية استطاعت أن تنتزع حقها في إدراج بعض المعالم والمواقع التاريخية في قائمة التراث العالمي إلى جانب المدن التاريخية التي تم تسجيلها في العقود الماضية، ونعمل جاهدين عن طريق المراسلات لاعتماد عدد من المواقع التي ننتظر تصنيفها ضمن قائمة التراث العالمي، واستطعنا ضم بعضها لليونسكو بعد أن استوفينا شروط المنظمة، ونتطلع إلى أن يتم مراعاة وضع تلك المواقع، وأن تمد يد العون للمساعدة في إحيائها، ونتمنى أن تقف الحرب حتى يعود اليمن إلى ما كان عليه قبل فترة قريبة.
كم عدد المواقع التراثية اليمنية التي تم إدراجها في اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي؟
هناك 4 مواقع ضمن قائمة التراث العالمي في اليونسكو، من بينها مدينة شبام وحضرموت وصنعاء القديمة ومدينة زبيد، كما أن لدينا تراث مختلط يتمثل في جزيرة سقطرى، التي تصنف ضمن التراث الطبيعي، وفي السنوات الأخيرة تم إدراج أربع مواقع أثرية مهمة تعود إلى فترة ما قبل الإسلام مثل معابد مأرب القديمة، التي تمثل العديد من الحضارات اليمنية.
في ظل وجود أزمة سياسية وأكثر من حكومة… كيف تعمل هيئة الآثار اليمنية؟
نحن لا نربط أنفسنا بالخلافات السياسية، فالتراث اليمني ملك للشعب اليمني أينما كان، وأي مسؤول في الهيئة هو غيور على التراث أينما كانت مسؤوليته، سواء كان في الشمال أو الجنوب أو في مناطق الاضطرابات والصراعات السياسية، وهناك قنوات للتواصل والمراجعة داخل الهيئة لحماية التراث في أي محافظة كانت من أجل الاستشارة وتقديم الدعم الفني والتحركات لإحباط عمليات التهريب.
ولابد أن تكون القنوات التراثية موحدة لحماية التراث، وندعو جميع المسؤولين في حكومة صنعاء أو عدن بأن يتم تحييد التراث الثقافي ضد أي إجراء سياسي، ودعم جهود الحفاظ عليه من التهريب أو التدمير.
هل لديكم اتفاقات مع الدول والمنظمات قد تساعدكم في استعادة التراث المنهوب والمعروض في الخارج؟
منذ أسابيع قليلة وقعت اليمن رسميا على "بروتوكول لاهاي" الخاص باليونسكو، وصارت اليمن طرفا رسميا فيها، ولذلك يجب أن تكون الاتفاقية قائمة على بنودها، وألا يتم تسييسها، وأن تعمل إلى جانب الشعب اليمني لإعادة ممتلكاته الثقافية.
وهناك توقيع على اتفاقية أخرى تتعلق بالآثار في وقت الخطر، كما أننا موقعين في السنوات القليلة الماضية على اتفاقية خاصة بالتراث الذي يتم تهريبه من المواقع من قبل العصابات، وأيضا هناك الاتفاقية الخاصة بالمتاحف، كما أن اليمن طرف في باقي الاتفاقيات الأخرى الخاصة بالتراث العالمي.
ما هي خططكم لما بعد الحرب؟
في حالات الحروب والصراعات، تكون أغلب المتاحف مغلقة لأسباب أمنية تضر بالموروث الثقافي الموجود داخل المتاحف، ولدينا برامج وخطط مستقبلية بعد أن تنتهي تلك الحرب لاستعادة الأنشطة الأثرية المتوقفة وفتح المتاحف.
لكن نعمل حاليا على عملية الرصد والتتبع للقطع الأثرية ومكافحة التهريب والاتجار غير المشروع بالآثار اليمنية، وإن شاء الله سيكون المستقبل زاهر، وسوف يتم إعادة إعمار ما دمرته الحرب من المواقع التراثية، هذا بجانب الناحية القانونية المتعلقة بالتشريعات التي تجرم تلك الأفعال، ومعاقبة كل من ارتكب تلك الجرائم وتقديمهم للقضاء المحلي أو الدولي.
أجرى الحوار/ أحمد عبد الوهاب