في ليبيا تواجه المساعي الأوروبية لتوطين المهاجرين في البلاد رفضا من مختلف فئات المجتمع، مع التأكيد بعدم السماح بمثل هذه خطوات.
رفض وتحذير
يأتي الرفض الليبي والتحذير من شخصيات حقوقية وسياسية، في الوقت الذي يشارك فيه رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، برفقة وزراء ومسؤولين ليبيين في المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة بدعوة من رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني.
ويخشى الشارع الليبي من توقيع الحكومة "المقالة من البرلمان" على أي اتفاقية من شأنها توطين المهاجرين في ليبيا بشكل مباشر، أو غير مباشر، إذ تهدف المقاربات التي تتخذها أوروبا لتحقيق المسعى وهو إبعاد المهاجرين عن دولها بأي ثمن.
من ناحيته قال الحقوقي الليبي أحمد حمزة، إن الحكومة الليبية لا تملك الشرعية الدستورية التي تخولها للتوقيع على أي اتفاقيات من شأنها توطين المهاجرين في ليبيا.
محاولات غير مجدية
ويضيف الحقوقي الليبي، في حديثه مع "سبوتنيك"، أن المهاجرين لا يمكن توطينهم في ليبيا بسبب رغبتهم الأساسية في العبور من ليبيا إلى أوروبا، مؤكدا أن جميع المحاولات الهادفة لهذا الأمر لن تنجح.
وفق الحقوقي الليبي، فإن عدم انضمام ليبيا لاتفاقية حماية اللاجئين، يجعلها غير ملزمة بأي إجراءات من التي تنص عليها الاتفاقية، بالإضافة للعوامل الأخرى المرتبطة بالملف، والتي يأتي في مقدمتها اعتبار ليبيا محطة عبور وليست مقصد استقرار.
مخاطر محتملة
ولفت أحمد حمزة إلى أن مخاطر عدة تترتب على الإقدام على محاولة توطين المهاجرين في ليبيا، إذ تشمل التداعيات الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، ما يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة الأزمة.
ويرى حمزة أن العديد من المقاربات التي يتم اتخاذها ومنها سياسة الإدماج والأبقاء على المهاجرين وتوفير فرص عمل، تعد من أشكال "التوطين"، بصور غير مباشرة، وهو ما يقابله الشارع الليبي برفض كبير.
وشدد الحقوقي الليبي على أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في ليبيا لا يمكن معها توطين المهاجرين، مشيرا إلى العمل على مثل هذه خطوات من شأنها أن تفاقم الأزمة بصورة كبيرة.
وضعية قانونية
وفي هذا الإطار، قال عمر عبد الله، الخبير القانوني الليبي، إن بلاده ليست مصدرا للهجرة غير النظامية، وإنما تشكل منطقة عبور وممر لأفواج المهاجرين مثلها مثل تونس والجزائر والمغرب.
وأضاف، في حديثه مع "سبوتنيك"، أن بلاده هي صاحبة النصيب الأكبر في أعداد المهاجرين الذين يعبرون أراضيها باتجاه الدول الأوروبية وخصوصا إيطاليا، وقد ساعد على ذلك موقعها الجغرافي، واتساع شريطها الحدودي البري، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية الهشة التي تعيشها البلاد.
اتفاقيات سابقة
وتابع: "في السابق، وقعت ليبيا مع إيطاليا اتفاقية التعاون والصداقة في 2008 في إطار مكافحة الهجرة غير النظامية، لمعالجة هذه المشكلة، واتفقتا على العمل على إنجاز منظومة لمراقبة الحدود البرية الليبية، تسند إلى شركات إيطالية تتحمل الحكومة الإيطالية 50 في المئة من التكاليف، ويتحمل الـ 50 في المئة الباقية الاتحاد الأوروبي.
واستطرد: "قامت الدولة الليبية باتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير القانونية تهدف من خلالها إلى الحد من الهجرة غير النظامية، ومواجهتها بالتجريم، وإنزال أشد العقوبات بمرتكبيها، وكان في مقدمتها القانون رقم 19 لسنة 2010 بشأن مكافحة الهجرة غير المشروعة، وهو الذي جاء استجابة لهذه الاتفاقية".
ويرى عمر عبد الله أن مكافحة الهجرة غير النظامية في الوقت الحالي أكبر من إمكانيات الدولة الليبية وتفوق قدرتها، إذ تحتاج إلى مساعدة من دول (المصب) الأوروبية وتحديدا إيطاليا، التي عليها الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاقية المشار إليها.
وقال إن "دفع ليبيا إلى توقيع اتفاقية لتوطين المهاجرين على أراضيها يمس سيادة الدولة الليبية، وله خطورة كبيرة تتعلق بإحداث تغيير ديموغرافي من خلال تغيير الطبيعة السكانية في الجنوب الليبي".
دعوات سابقة
وشدد عبد الله، على أن هذه الدعوات أطلقتها منظمات إيطالية في السابق، ومنها دعوة منظمة "آرا باتشي" بشأن إنشاء مركز الصحراء للسلام في ليبيا، والذي يستهدف تعزيز قطاع الزراعة والعمالة الزراعية، ودعم اندماج السكان المحليين ومجتمعات المهاجرين في المنطقة.
وفيما يتعلق بالتخوفات من توقيع الحكومة على اتفاقية بشأن توطين المهاجرين في ليبيا، أضاف الخبير القانوني الليبي: "الحكومة الحالية لا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية تنتقص من سيادة الدولة الليبية، فضلا على أنه وفقا للإعلان الدستوري وبنود الاتفاق السياسي الليبي فإن السلطة التشريعية هي المختصة بالتصديق على المعاهدات والاتفاقيات الدولية".
وتابع: "أي رغبة في مكافحة الهجرة غير النظامية يجب ألا يكون على حساب الدولة الليبية، بل على الحكومة الإيطالية أن تلتزم ببنود معاهدة الصداقة، وأن يتم إنشاء صندوق مكافحة الهجرة غير النظامية تساهم فيه جميع الدول المعنية بهذا الملف".
ورفضت تونس أكثر من مرة، على لسان رئيسها قيس سعيد المطالب الأوروبية بعملية التوطين في تونس، فيما يستمر الجانب الأوروبي بالضغط على الدول المغاربية للقبول بمقاربات متعددة تهدف لصد موجات الهجرة، دون معالجة حقيقية للقضية.