وهل كانت الاستفزازات الخليجية التي سبقت الغزو عفوية أم مرتبة، وتقف وراءها أياد خارجية تريد القضاء على الترسانة العسكرية العراقية، التي لم يمض على خروجها من الحرب الإيرانية سوى شهور قليلة.
في السطور التالية حاولنا البحث عن بعض الإجابات ممن عاصروا تلك الأزمة أو كانوا قريبين من صنع القرار، بكل تأكيد لا أحد يملك الحقائق بشكل مطلق ولكن كلٌ من الزاوية التي شاهد من خلالها الأحداث، وفي كل الأحوال سوف تظل هناك نقاط لن يتم الكشف عنها لعقود قادمة.
القضية المركزية
بداية يقول علي عزيز أمين، مسؤول المكتب السياسي للبديل الثوري للتغيير في العراق، إن "أمريكا بدأت التخطيط لتدمير العراق منذ ثمانينات القرن الماضي، لإبعاده عن القضية الفلسطينية التي تمثل القضية المركزية للأمة العربية والتي تعرضت لضربة قوية بل وقاصمة، حيث أن انشغال العراق بموضوع الكويت وما تلاه من حصار وغزو، أبعد العراق مضطرا عن هذا الهدف المحوري وقضيته المركزية".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "كل التحليلات لعملية الغزو خلال العقود الماضية كانت تركز فقط على ردة الفعل ولا يعطون أي اهتمام للفعل ذاته الذي أدى لعملية الغزو، حيث يظن الكثيرون أن دخول صدام حسين إلى الكويت في 1990 كان طمعا في ثرواتها، والبعض الآخر يعتقد أن أمريكا هى من ورطت أو دفعت الراحل لهذا القرار".
تغيير خارطة الشرق
من جانبه يروي خالد النعيمي، أمين سر الجبهة الوطنية العراقية، الوقائع التي عاصرها عن قرب وقت الأزمة بقوله: "بعد مرور 33 عاما على اجتياح القوات العراقية للكويت وما ترتب على هذا الاجتياح أو الغزو من نتائج غيرت ملامح خارطة الشرق الأوسط، وإعادة صياغة التحالفات والعلاقات بين دول المنطقة ومحيطها الإقليمي والدولي، من هي الأطراف المستفيدة من هذه الحرب التي شنتها أمريكا على العراق تحت مسمى عاصفة الصحراء وشارك فيها تحالف دولي مكون من 37 دولة بحجة تحرير الكويت".
وأضاف في روايته لـ"سبوتنيك"، أن "هناك الكثير من التساؤلات، حول طبيعة القرارات المجحفة وغير المسبوقة في تاريخ الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي اتُخذت بحق العراق، من حظر شامل ومقاطعة وعقوبات مدعومة بالبند السابع، الذي يجيز تنفيذها باستخدام القوة، وما هي الأهداف وراء كل ذلك وكيف استطاعت أمريكا الاستفراد بمجلس الأمن دون اعتراض أو تحفظ من قبل أي من الدول الأعضاء في المجلس، خاصة الدول الخمس".
حملات إعلامية
وأشار النعيمي إلى أنه "بعد أكثر من ثلاثة عقود على هذا الحدث المثير ونحن بصدد استذكاره والكتابة عنه، لابد من الوقوف على أسبابه ومسبباته وتداعياته بعيون فاحصة ومن زوايا أخرى غير التي درجت عليها وسائل الإعلام المختلفة خلال الأزمة وما بعدها من قبل الفضائيات ومراكز بحوث ودراسات وكتاب وصحفيين، تأثرت إلى حد كبير بالحملة الإعلامية الموجهة التي قادتها أمريكا والغرب والصهيونية العالمية مدعومة بأموال النفط الخليجية والكويتية، التي بدأت تنهال على هذه المؤسسات والأفراد بهدف شيطنة النظام السابق ورئيسه الراحل صدام حسين، وصولا إلى غزو واحتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني في أبريل (نيسان) 2003 وإعدام رئيسها الشرعي".
أخطر اللقاءات
وتابع النعيمي: "بدأت بوادر الأزمة مع الكويت بعد وقف الحرب العراقية الإيرانية في الثامن من أغسطس 1988، وبتحريض أمريكي مباشر بسبب عدم استجابة العراق للطلبات أو الشروط الأمريكية التي حملها وفد عالي المستوى من الكونغرس الأمريكي برئاسة السيناتور الجمهوري (بوب دول) ولقائه بصدام حسين في بداية عام 1989 في مدينة الموصل، واستمر اللقاء إحدى عشر ساعة، ولم تنشر أي من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية في حينه أي تفاصيل عن هذا اللقاء المفصلي في مستقبل العلاقات العراقية الأمريكية".
واستطرد النعيمي بأنه "يمكن إيجاز المطالب الأمريكية في هذا اللقاء بتقليص أعداد الجيش العراقي بعد وقف الحرب مع إيران، وتحويل التصنيع الحربي إلى الصناعات المدنية ونزع الأسلحة المتقدمة التي تشكل قلقا لدى دول المنطقة خاصة الصواريخ البالستية، مع عدم عرقلة الجهود الأمريكية الدولية لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي، فضلا عن الحريات وحقوق الإنسان في العراق".
بعد هذه الزيارة بدأت وسائل الإعلام الغربية والأمريكية بشن حملات إعلامية ضد العراق واتخاذ بعض الإجراءات وممارسة ضغوط مختلفة خاصة في مجال القروض والتسهيلات التجارية وغيرها.
قمة بغداد
وأوضح النعيمي: "في قمة بغداد العربية التي عقدت في 28 مايو(أيار) 1990 وفي الاجتماع المغلق مع القادة والزعماء العرب حذر الرئيس العراقي صدام حسين، من سياسات مؤذية ومضرة بالعراق وشعبه تقوم بها كلا من الكويت والإمارات بزيادة إنتاجها النفطي مما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط مما يسبب ضررا كبيرا للعراق، وقال لهم نحن خرجنا من حرب طويلة مع إيران ونحتاج إلى ترميم أوضاعنا وإعادة بناء ما خربته الحرب، لذلك لا نحتمل مثل هذه التصرفات، وختم كلمته بمثل عربي معروف (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)".
وقال أمين سر الجبهة الوطنية: "كان حريا بالكويت ودول الخليج بشكل خاص الأخذ بتحذير القيادة العراقية وتفهم أسبابها ودوافعها والاستمرار بالوقوف إلى جانب العراق ومساعدته ودعمه لغرض تجاوز آثار الحرب العراقية الإيرانية التي قدم العراق خلالها مئات الآلاف من الضحايا وخسائر هائله بالأموال والممتلكات، دفاعا عن أرضه وعن أشقائه في دول الخليج، لا أن يقومون بمطالبته بتسديد القروض والديون والانخراط بسياسات وتحالفات أمريكية وغربية معادية للعراق".
تصاعد الأزمة
وأشار النعيمي إلى أن "الأزمة بدأت تتصاعد اعتبارا من يوم 18 يوليو(تموز) 1990، عندما قدمت وزارة الخارجية العراقية مذكرة رسمية إلى جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي تتهم فيها الكويت بقضم أراضٍ عراقية وسرقة النفط من حقل الرميلة العراقي، وهنا تدخلت وساطات عربية مختلفة من قبل مصر والأردن والسعودية في محاولات لمنع تدهور الموقف، وكان آخر هذه المحاولات مبادرة الملك فهد ملك السعودية، ودعوته لكلا من السيد عزة إبراهيم نائب الرئيس العراقي والشيخ سعد العبدالله ولي العهد الكويتي، وكانت هذه الفرصة الأخيرة التي أهدرها الجانب الكويتي مع الأسف، عندما رفض الاستجابة للطلبات العراقية بشأن دفع التعويضات عن كميات النفط المسروقة وإسقاط الديون".
الفتنة الأمريكية
وتابع النعيمي بأنه "خلال هذه الفترة كانت أمريكا تقوم بدور مزدوج فمن ناحية تشجع الكويت على عدم الاستجابة أو الخضوع للطلبات العراقية ومن ناحية تبلغ العراق أن الكويت تقوم بحفر مائل لسحب النفط من حقل الرميلة، وكذلك لقاء السفيرة الأمريكية في العراق (أبريل غلاسبي) مع صدام حسين قبل أيام قليلة من الغزو، وأثير حول هذه المقابلة الكثير من اللغط والتفسيرات، هل هي من أعطت الضوء الأخضر، عندما قالت بأن بلادها لا تتدخل في الخلاف بين العراق والكويت وتأمل أن يحل بينهما وديا، أم أن كلامها فهم بشكل مختلف عما كانت تقصده".
وتساءل أمين سر الجبهة الوطنية: "هل كانت هناك عملية استدراج أو تشجيع من قبل الإدارة الأمريكية عندما أرسلت تأكيدات للقياده العراقية بأن ليس لديها التزامات دفاعية أو أمنية خاصة تجاه الكويت، وكيف تم اتخاذ القرار باجتياح القوات العراقية للكويت، هل تمت مناقشته على مستوى قيادة الحزب والدولة العراقية داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، أم كان هناك غموض خوفا من تسرب المعلومات والاستفادة من عامل السرية والمباغته لضمان نجاح الخطة".
ردود الأفعال
ويكمل النعيمي تساؤلاته: "هل غابت عن أنظاره التداعيات والمخاطر وردود الأفعال المتوقعة من قبل الأطراف الدولية ضد عملية الاجتياح، سواء في الجانب العسكري أو السياسي، أم أنه كان يعول على موقف أطراف صديقة للعراق في المعسكر الاشتراكي أو الاتحاد السوفيتي الذي بدأت تنهار أركانه في تلك الفترة ليصبح لعبه بيد واشنطن، وكيف أجازت الجامعة العربية دخول القوات الأمريكية للسعودية، ومن هو الرئيس الذي قام بتمرير هذا القرار خلافا لميثاق الجامعة العربية، وكيف شاركت جيوش دول عربية في مقدمتها مصر وسوريا مع قوات التحالف الدولي الذي شكلته أمريكا لشن الحرب على العراق، وماهي كمية الأموال والمليارات التي دفعت لهذه الدول مقابل اشتراكها وإرسال جيوشها، بينما تم استبعاد جهود ومبادرات عربية مخلصة لاستبعاد التدخل الأجنبي وحل المشكلة في الإطار العربي".
إفشال المبادرات
وأوضح النعيمي أن "أمريكا عمدت إلى إفشال المبادرات الدولية لتجنب الحرب، وكانت في مقدمتها مبادرة الرئيس الفرنسي ميتران، ثم المبادرة الروسية التي قادها الرئيس الروسي غورباتشوف والتي وافق عليها العراق، وقام السيد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية بزيارة موسكو، وأعلن من هناك بمؤتمر صحفي بحضور الرئيس غورباتشوف عن موافقة العراق على سحب قواته من الكويت خلال 72 ساعة".
وأضاف النعيمي: "باشرت القوات العراقية بالانسحاب فعليا إلا أن الجانب الأمريكي رفض المبادرة، وأعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب وقتها بأنه أصدر الأوامر لقوات التحالف لمهاجمة القوات العراقية وإخراجها من الكويت، وباشرت الطائرات الأمريكية والتحالف بارتكاب أكبر مجزرة بشرية بتاريخ الحروب، عندما بدأت بقصف القوات العراقية المنسحبه على طريق الكويت - سفوان البصرة، لتختلط أشلاء ودماء الجنود المنسحبين مع الآليات والعربات المدمرة والمحترقة".
جمهورية الكويت
ويشار إلى أن الغزو العراقي للكويت هو هجوم شنه الجيش العراقي على الكويت في 2 أغسطس 1990، واستغرقت العملية العسكرية يومان وانتهت باستيلاء القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية في 4 أغسطس.
ثم شكلت حكومة صورية برئاسة العقيد علاء حسين تحت اسم جمهورية الكويت، ثم أعلنت الحكومة العراقية يوم 9 أغسطس 1990، ضم الكويت للعراق وإلغاء جميع السفارات الدولية في الكويت.
واستمر الغزو العراقي للكويت فترة 7 شهور، انتهى بتحرير الكويت في 26 فبراير/ شباط عام 1991 بعد حرب الخليج الثانية.