فما هي العقبات التي تعرقل التوصل لحلول للمشاكل والملفات العالقة بين بغداد وأنقرة؟.
بداية، يقول عبد الملك الحسيني، المحلل السياسي العراقي: "مشكلة العراق أنه يتعامل مع دول إقليمية مستقرة وتعتمد على النظام المؤسسي في إدارة شؤونها وفق سياسة خارجية معلنة، تضع على رأس أولوياتها تحقيق مصلحة البلد وتقدمها على أية مصلحة أخرى وهذا ما يفتقده العراق".
ضبابية المشهد
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك": "يبدو للعالم أن العراق بلد غير مستقر أمنيا ولا سياسيا ولا اقتصاديا بسبب استشراء الفساد والرشاوي في معظم مفاصل الدولة وتعدد واجهات القرار، بينما تكتنف سياسته الخارجية الضبابية وازدواجية المواقف، وعدم قدرته على اتخاذ قرار يمثل في واقع الحال إجماعا سياسيا ومجتمعيا، وهذا الأمر يمثل معضلة حقيقية تعمل على تعقيد حل مختلف المشاكل بينه وبين جيرانه".
وتابع الحسيني: "أما ما يخص مشاكل العلاقة مع تركيا فنستطيع القول أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد لخص المطالب التركية في مؤتمره الصحفي أثناء زيارته الأخيرة إلى بغداد من أجل تعزيز التعاون بين بلاده والعراق، ووجه عدة رسائل مباشرة وغير مباشرة للجانب العراقي".
وتابع بقوله: "أشار فيدان إلى ضرورة تعاون البلدين في مكافحة الإرهاب، وهنا لابد من التوقف من أجل تفسير المفهوم التركي لمصطلح مكافحة الإرهاب، سنجد أن المعنى القريب الذي يفسر مثل هكذا الكلام بالنسبة للأتراك هو عدم السماح لحزب العمال الكردستاني بجعل الأراضي العراقية منطلقا للهجمات ضد تركيا، هذه نقطة، والنقطة الأخرى هي أن فيدان وصف حزب العمال الكردستاني بالعدو المشترك وحذر من تركه يسمم العلاقة بين العراق وتركيا، وهنا إشارة واضحة إلى أن وجود حزب العمال على الأراضي العراقية يعد عائقا حقيقيا وعقبة أمام تطور العلاقات".
الرسالة التركية
وقال الحسيني: "على الرغم من تأكيد وزير الخارجية التركي على مبدأ احترام سيادة العراق، إلا أنه وصف حجم التبادل التجاري بين تركيا والعراق بأنه أقل من الإمكانات الحقيقية، وسياق هذا الكلام جاء مرتبطا بسياق الحديث عن حزب العمال الكردستاني، وهنا تكون الرسالة التركية واضحة بأن التعاون بين البلدين مرتبط بشكل أساسي بالملف الأمني المتعلق بتواجد ميليشيات حزب العمال الكردستاني على أرض العراق".
واعتبر أن العراق وتركيا بلدان متجاوران واستمرار المشاكل بينهما يقوض جميع المساعي التي تخص حل مشكلة المياه وتصدير النفط .
مبادرة تركية
وعبر الحسيني عن اعتقاده أن تركيا ورغم كل مطالبها هذه، إلا أنها ستبادر في زيادة الإطلاقات المائية، وستظهر مرونة أكثر تجاه العراق لأنها تدرك جيدا أهمية هذا البلد بالنسبة لاقتصادها بما يستحق التضحية والتغاضي عن بعض الأمور، من أجل تحقيق مكاسب أخرى.
تاريخ طويل
من جانبه، يقول إياد العناز، المحلل السياسي العراقي: "تتسم العلاقات العراقية التركية بتاريخها الطويل وامتداداتها في جميع المجالات وأخذت أبعادا عديدة بحكم الجيرة والدين والتاريخ وسكت أنماطا من علاقات وطيدة ومتينة وكان الأكثر حضورا الجانب الاقتصادي والتبادل التجاري".
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك": "بحكم هذه العلاقات اعتمد العراق في تصدير النفط الذي يعتبر الشريان الرئيسي للاقتصاد على إنشاء الخط الاستراتيجي من الأراضي العراقية إلى ميناء جيهان التركي المطل على البحر الأبيض المتوسط وتنوعت الصادرات التركية حتى بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين بين 15 إلى 20 مليار دولار".
حزب العمال
وتابع العناز: "تأتي الزيارة الحالية لوزير الخارجية التركي لبغداد في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين بعض الأزمات منها الأمنية التي تتعلق بتواجد حزب العمال التركي في الأراضي العراقية، والذي تعتبره أنقرة أمرا يهدد الأمن القومي التركي ويشكل انطلاقة للقيام بعمليات تعرضية تستهدف مقراته ومعسكراته في بعض القرى والنواحي العراقية، والتي تشهد فعاليات عسكرية تركية باستخدام الطائرات المقاتلة المسيرة والمدفعية الثقيلة".
الأمن المائي
وأشار العناز إلى أن "هناك أيضا الأزمة الميدانية التي تتعلق بالأمن المائي الذي يشكل عصبا مهما في الحياة، فالحصص المائية التي هي من حق العراق عبر نهر دجلة لا يحصل عليها كاملة وهو أمر يهم غذاء وحياة أبناء الشعب العراقي في استمرار وديمومة البقاء وتنويع المحاصيل الزراعية والتنمية الاجتماعية، وهذا ملف أصبح الآن من الملفات التي تناقش عبر العديد من الزيارات المتبادلة".
ولفت المحلل السياسي إلى أن الأمن القومي التركي والأمن المائي العراقي كلاهما يشكلان عاملين مهمين في مستقبل العلاقات العراقية التركية، وهما محل توافقات بين البلدين بما يحقق المصالح المشتركة وتدعيم العلاقات بينهما، والتي ستكون من أولويات الزيارة المقبلة للرئيس أردوغان.
خط التنمية
واختتم بقوله: "يبقى خط التنمية العراقي من المشاريع الاستراتيجية التي تلقى اهتماما تركيا كبيرا، كونه يساهم في تدعيم الاقتصاد التركي وتنويع وسائل وطرق امتداداته".
كان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، قد أجرى مباحثات ثنائية مع نظيره التركي، هاكان فيدان، يوم الثلاثاء الماضي، تناولت العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومنها آثار أزمة المياه على العراق.
ولفتت وكالة "واع" إلى أن "الوزيرين ناقشا سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وتطرقا إلى ملف المياه والتغيرات المناخية، حيث أوضح وزير الخارجية العراقي أن الجفاف يهدد الأنشطة الزراعية والاقتصادية في العراق، مشددا على ضرورة حصول بغداد على حصة عادلة من المياه".
وفي المقابل، اقترح وزير الخارجية التركي تشكيل لجنة مشتركة بين العراق وتركيا، تكون مهمتها بحث هذا الموضوع، كما تناول اللقاء بين فؤاد حسين، وهاكان فيدان، قضايا أخرى شملت الوجود العسكري التركي في العراق، وأكد وزير الخارجية العراقي أن بغداد لا تسمح أبدا باستخدام أراضيها لتنفيذ هجمات ضد دولة أخرى، بحسب الوكالة.
وفي مارس/ آذار الماضي، وجهت بغداد مناشدة لأنقرة، بشأن حصتها من المياه من نهري دجلة والفرات، خاصة أن العراق يعاني من نقص كبير في كميات المياه أثرت على أنشطته الزراعية، التي كان آخرها إعلان وزارة الموارد المائية العراقية إيقاف زراعة الأرز والذرة الصفراء بسبب شح المياه في البلاد.