منصوري يدق ناقوس خطر عزل لبنان عن النظام المالي الدولي

دق حاكم مصرف لبنان تكليفًا، وسيم منصوري، ناقوس الخطر وحذر من حال المراوحة الحاضر والتأخير من إقرار القوانين الإصلاحية التي تؤثر سلبا على الاستقرار الاقتصادي السليم والمستدام ويعرض لبنان لمخاطر عزله عن النظام المالي الدولي.
Sputnik
وخلال مؤتمر صحفي عُقد في مصرف لبنان، قال منصوري أن "استقرار سعر الصرف في ظل الأوضاع العامة والانقسام السياسي الحاد والإشاعات المختلفة ليس وليد صدفة، بل هو نتاج تعاون بين المصرف المركزي والحكومة ووزارة المال، ولا بد من التنويه هنا بمجهود السلطات القضائية والأمنية الذين يعملون بشكل مستمر لمنع أي تلاعب من قبل أي من المضاربين على سعر الصرف، وحصل توقيفات بعيدا عن الإعلام".
وأشار إلى أنه "يمكن القول في ظل حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية وكمية الدولار الموجودة في السوق، الاستقرار النقدي مستمر ويتم المحافظة على هذا الاستقرار بالوسائل النقدية التقليدية، أي وفق للمادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف، أي بالتدخل بالسوق بالتوافق ما بين وزير المالية وحاكم المصرف المركزي، ولم يكلف هذا التدخل الذي حافظ على الاستقرار النقدي خلال الشهر الفائت أي مبلغ من احتياطات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية، ولن يمس بهذه الاحتياطات إطلاقا".
وتابع: "على الرغم من تدخلنا بالسوق فإن الكتلة النقدية انخفضت بقيمة 2 تريليون ليرة لغاية اليوم لتصل إلى 59.9 تريليون ليرة، وقد تم التوافق وبالتشاور مع رئيس الحكومة ووزير المالية على أن يكون الاستقرار النقدي هو الأولوية في المرحلة الدقيقة".

ولذلك فإن الاستحقاق الآتي المتعلق بهذا الاستقرار هو دفع رواتب القطاع العام، فالكتلة النقدية التي يتطلبها هذا الاستحقاق هي نحو 7 تريليون ليرة، وإذا جرى دفع الرواتب بالليرة اللبنانية سيؤدي ذلك في غياب القوانين الإصلاحية المطلوبة والتدابير الحكومية، إلى الضغط على سعر الصرف، لذلك سيتم دفع رواتب القطاع العام للشهر الجاري بالدولار الأميركي وعلى سعر 85500 ليرة للدولار الواحد.

وأردف: "وبذلك يتم ضخ كتلة نقدية بالسوق عبر موظفي القطاع العام تساعد على ضبط سعر الصرف بدلا من الضغط عليه، وهذا ما ينسجم مع ما تنص عليه المادة 70 من قانون النقد والتسليف لجهة المحافظة على النقد لتأمين نمو اقتصادي واجتماعي دائم، أي أنه يتم ضخ الدولار بالسوق على 400 ألف عائلة مما يؤمن الشفافية والعدالة بالتوزيع وتعزيز الاستقرار الاجتماعي".
منصوري: أدق ناقوس الخطر والتأخير من اقرار القوانين الاصلاحية يعرض لبنان لمخاطر عزله عن النظام المالي الدولي
وأضاف أنه "جرى التوافق على أن يتم تأمين احتياجات الجيش والقوى الأمنية دون المساس باحتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية أيضا، ولكن المشكلة أن الحاجات ذاتها موجودة لدى مؤسسة كهرباء لبنان ووزارات الاتصالات والصحة والأشغال العامة والخارجية والتربية، في الواقع تحتاج كل مؤسسات الدولة لتحويل أموالها الموجودة في الليرة اللبنانية إلى الدولار الأمريكي، ولكن لا يمكن تأمين هذه المبالغ دفعة واحدة على الرغم من أن الوزارات تحتاجها فورا".
وأكد أن "الأولويات المذكورة تحددها الحكومة وإمكانيات مصرف لبنان للمساعدة في تحويل الأموال إلى العملة الأجنبية لا تغطي إلا جزءا محدود من احتياجات الوزارات المذكورة بالإضافة إلى أن هذا الأمر قد لا يكون ممكنا تأمينه بالشهر القادم وإذا تأمن الشهر القادم قد لا يمكن تأمينه بالشهر الذي يلي، إنها حلول نقدية تقليدية ولكن الاستدامة ليست فيما نقوم به اليوم، الاستدامة تكون في الإصلاحات".
مشيرا إلى أن "الاستقرار النقدي الذي يحققه المصرف المركزي له حدوده في الزمان والظروف السياسية والاقتصادية والأمنية المتعلقة به ولا يمكن للمصرف المركزي وحده التحكم بالسياسة النقدية والحفاظ على استقرار سعر العملة المحلية دون تعاون تام مع الحكومة والمجلس النيابي".
وقال منصوري إن "المجلس المركزي لمصرف لبنان تبنى في اجتماعه الذي عقد في 2 آب (أغسطس) 2023، خطة العمل التي عرضها نواب الحاكم أمام لجنة الإدارة والعدل، والرامية لانتظام الوضع المالي والنقدي، وللأسف أنه بعد قرابة الشهر لم يتم تحقيق أي من الخطوات المحددة من هذه الخطة، فموازنة 2023 التي أقرت الأسبوع الفائت في مجلس الوزراء خلصت إلى عجز يقدر لغاية اليوم 46 تريليون ليرة أي ما يفوق 24% منها، وكان أول مطلب في خطة مصرف لبنان إقرار موازنة متوازنة".
خبير يحذر من تحول "كنز الغاز" للعنة على لبنان مطالبا بإصلاحات حكومية
وتساءل منصوري عن "أي موارد خارجية سيتم تغطية العجز، هل يعتقد أحد أنه بالإمكان الاستمرار بهذه السياسة المالية، والأهم من أين ستؤمن الحكومة احتياجاتها بالعملات الأجنبية، ما نؤكد عليه اليوم أن مصرف لبنان لن يقوم بتغطية العجز عبر إقراض الحكومة لا بالدولار ولا بالليرة اللبنانية، لن يتم طباعة عملة لبنانية لتغطية العجز لأن نتائجه نعلم تأثيرها، بل يقتضي أن يتم ذلك عبر تفعيل الجباية وتوزيع عادل للضرائب وتوسيع شريحة المكلفين وفتح كافة دوائر الدولة وعلى رأسها مراكز الميكانيك والدوائر العقارية وضبط مرافق الدولة والحدود الشرعية وغير الشرعية".
وأكد منصوري أن "الانتظام المالي للدولة لن يتحقق دون إقرار القوانين الإصلاحية التي ذكرت وعلى رأسها قانون الكابيتال كونترول وقانون إعادة التوازن المالي وهيكلة المصارف، فبعد حوالي 4 سنوات من الأزمة فشل لبنان في إقرار قوانين تشكل المخرج الوحيد له من الأزمة المالية الغير مسبوقة التي يعيش بها".

مر قرابة شهر على المؤتمر الصحفي الأول الذي شددت فيه على ضرورة إقرار قوانين في خلال 6 أشهر للبدء بمسار التعافي المالي كون الوضع النقدي لا يتحمل مماطلة أكثر، للأسف لم يتحقق شيء على هذا الصعيد والأسوأ أنه يتبين عدم وجود الحد الأدنى من التوافق السياسي، لذا أعود وأكرر إن كل يوم نخسره دون صدور هذه القوانين تزداد فيه الخسارة وتضمحل فرص الحل وتزداد معاناة المودعين في انتظار إيجاد حل لاسترداد ودائعهم، ولا أملك إجابة اليوم لأي مودع عندما يسألني عن مصير وديعته.

وحول تقرير شركة التدقيق الدولية "الفاريز اند مارشال"، أكد منصوري "أن مصرف لبنان بكافة أجهزته سيقوم بكل ما يلزم لإتمام إجراء التدقيق الذي بدأ، والذي يقتضي أن يستكمل سواء لجهة تزويد الشركة بالمستندات التي تقول إنها لم تتسلمها، أم لجهة تزويد القضاء بأي معلومات يطلبها عند شروعه بالتحقيقات، وفي هذا المجال أرسل المصرف المركزي كتابا إلى وزير المالية يؤكد فيه على قراري المجلس المركزي بتسليم كافة المستندات لشركة الفاريز آند مارشال".
مصرف لبنان المركزي يعلن دفع رواتب القطاع العام بالدولار الأمريكي
وختاما، طلب منصوري من القوى السياسية والكتل النيابية "إخراج السلطة النقدية واحتياجاتها من أي تجاذب سياسي ما دامت كل الكتل السياسية تعمل لمصلحة لبنان كما تراه مناسبا له ولها، وإذا كان هناك موضوع تشترك به كل الكتل النيابية فهو موضوع الحفاظ على أموال المودعين والعمل على إعادتها، والحفاظ على الموظف العام واستقراره المعيشي والحفاظ على الأمن واستقرار سعر الصرف".

وهنا لا بد من أن أدق ناقوس الخطر وأن أحذر أن حال المراوحة الحاضر والتأخير من إقرار القوانين الإصلاحية يؤدي إلى تنامي الاقتصاد النقدي، ما يؤثر سلبا على الاستقرار الاقتصادي السليم والمستدام ويعرض لبنان لمخاطر عزله عن النظام المالي الدولي، ولذلك أثر سلبي كبير على الاقتصاد وحياة المواطنين وعلى مستقبل القطاع المصرفي.

وختم: "وإذا كانت كل الكتل السياسية والنيابية مجمعة على هذه العناوين فإنني أجدد الطلب من الجميع لعقد جلسات متتالية لإقرار القوانين التي تضمن مصلحة وحقوق المودع والمواطنين، ويتجند المصرف المركزي أيضا لذلك وسيكون على كامل الاستعداد للمساعدة في الانتقال من المرحلة التي نعيشها إلى مرحلة عادية، الناس تعبت من الانتظار ولا أعلم كم يستطيع المصرف المركزي الصمود والقيام بالإجراءات دون مساعدة الباقيين".
مناقشة