القاهرة – سبوتنيك، عبد الفتاح فتحي. فمن بين دول كثيرة عرضت المساعدة، وافق المغرب على عروض قطر والإمارات وإسبانيا وبريطانيا، التي أرسلت فرق إنقاذ وإسعاف ومواد غذائية ومستلزمات المأوى للمتضررين، فيما رفض عروضًا أخرى.
الجزائر في المقدمة
كانت الجزائر من بين الدول المرفوضة مساعداتها، فقد أعلنت عبر وزارة خارجيتها استعدادها للقيام بـ"مخطط طارئ" يتضمن إرسال فرق بحث وإنقاذ وأخرى طبية، إضافة إلى مساعدات إغاثية، حال وافقت الرباط على ذلك، ولكنها ذكرت، بعد يومين، أنها تلقت ردا رسميا من المغرب، يفيد بعدم حاجته إلى المساعدات الإنسانية المقترحة من جانب الجزائر، عقب الزلزال.
اكتسب رد المغرب صبغة سياسية، نظرًا إلى الوضع المتوتر بينه وبين الجزائر، فالحدود بين البلدين مغلقة، منذ عام 1994، كما أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام المغرب، وعلقت العلاقات الدبلوماسية، عام 2021، متهمة الرباط بارتكاب أعمال عدائية.
ماكرون يندد بالجدل
تكرر الأمر ذاته مع فرنسا، التي أعلنت أنها مستعدة للتدخل "فور" تلقيها طلبا بهذا الشأن من السلطات المغربية، لكنها فيما يبدو لم تتلق هذا الرد، ليظهر بعدها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في رسالة مصورة يخاطب فيها الشعب المغربي، قائلًا إنه "من الواضح أنه يعود إلى جلالة الملك والحكومة المغربية، بصورة سيادية بالكامل، تنظيم المساعدات الدولية، وبالتالي نحن بتصرف خيارهما السيادي".
وأضاف الرئيس الفرنسي، في مقطع الفيديو الذي نشره على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، أن "هذا ما فعلناه بطريقة طبيعية تمامًا منذ اللحظة الأولى، وبالتالي أودّ من كل السجالات التي تفرق وتعقد الأمور في هذا الوقت المأساوي للغاية أن تصمت، احترامًا للجميع".
ومع تصاعد الجدل حيال هذا الأمر، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، إن "هناك فرقا بين المنظمات الخاصة والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية من جهة، والمنظمات التي تمولها الدول مثل الوكالة الفيدرالية للإغاثة الفنية في ألمانيا، لذا يجب احترام ذلك".
وفي ردها على التكهنات بأن العلاقات الدبلوماسية المتوترة مع المغرب، ربما دفعته إلى رفض المساعدة الفرنسية، قالت كولونا: "إنه جدل سيء وفي غير محله. المغرب لم يرفض أي مساعدة أو أي عرض، لا يجب تقديم الأمور على هذا النحو".
والعلاقات بين المغرب وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة والتي تعيش فيها جالية مغربية كبيرة، متوترة منذ أن حاول الرئيس ماكرون التقرّب من الجزائر، كما تأثرت العلاقة بين باريس والرباط، سلبا بالقيود التي فرضتها باريس على منح تأشيرات للمغربيين قبل أن ترفعها لاحقا، ومنذ أشهر، لم يعد هناك سفير مغربي في فرنسا.
روما تعتبرها "سياسية"
كانت إيطاليا أيضا من بين الدول المرفوضة مساعداتها، فقد أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي أنطونيو تاياني، أن بلاده مستعدة لتقديم المساعدة للمغرب بعد الزلزال، وأضاف: "كل ما نحتاجه هو أن يطلب المغرب التدخل"، لكن روما لم تتلق ردًا بالموافقة، وهو ما اعتبره نائب رئيس مجلس النواب، جورجو موليه، "مسألة سياسية".
وقال موليه إن "المغرب يرفض مساعدات دولية كثيرة عرضت عليه لمعالجة أضرار الزلزال لأنه، فهو أولا وقبل كل شيء، لديه مشكلة سياسية مع فرنسا، بعد أن كان خاضعا لها، حتى عام 1956، لكن المجتمع الغربي بأكمله وإيطاليا في الصف الأمامي وعلى استعداد لإرسال الرجال والمواد".
ألمانيا تستبعد السياسة
كذلك، عرضت الحكومة الألمانية على الرباط المساعدة في أعمال انتشال المصابين والقتلى، غير أن الحكومة المغربية لم تبد اهتماما بهذا، لكنها قللت من أهمية ذلك، وقالت إنها لا ترى ما يشير إلى أن قرار المغرب كان سياسيا لأنها تعلم من واقع خبرتها مع السيول القوية، التي تعرضت لها، في عام 2021، أن تنسيق المساعدات مهم لتجنب عرقلة فرق الإنقاذ لجهود بعضها، بحسب قولها.
وردا على سؤال عمّا إذا كان من الممكن أن يكون تخلي المغرب عن عرض الدعم الألماني له أسباب سياسية، أجاب المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية: "أعتقد أنه من الممكن استبعاد الأسباب السياسية هنا في حالتنا، فالعلاقات بيننا جيدة، ونحن على يقين من أنهم (المغرب) فكروا بعناية شديدة بشأن القوات، التي يمكن نشرها وأين وكيف يمكنهم الوصول إلى هناك، وما هي قدرات النقل المتاحة على سبيل المثال".
وكان الخلاف بشأن الصحراء الغربية سبب أزمة عميقة في العلاقات الدبلوماسية بين برلين والرباط، في عام 2021، وفي ذروة هذا الخلاف سحبت الرباط سفيرتها في برلين، لعدة شهور. وفي صيف 2022ن تقاربت الدولتان مرة أخرى، وسافرت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إلى الرباط، في آب/ أغسطس من العام الماضي.
ويرى متابعون أن المغرب يظهر تصلبا تجاه الدول التي لا تؤيد موقفه بخصوص قضية الصحراء، وإن هناك إرادة سياسية قوية للإشارة بوضوح إلى الدول التي تدعم موقف الرباط حاليا، لكن المسؤولين المغربيين يؤكدون أن المملكة لا ترفض مساعدات من أحد، وإنما جاء قرارها من منطلق مخاوفها من حدوث فوضى ميدانية من ناحية التنسيق.
هذا ما أعلنته وزارة الداخلية المغربية في بيانها الأخير الذي جاء فيه أن "غياب التنسيق قد يأتي في نهاية المطاف بنتائج عكسية".
عوامل تحدد القبول أو الرفض
ويقول مراقبون إن هناك عوامل تحدد مسألة قبول المساعدات الدولية، إذ يتوقف الأمر على حجم الكارثة ومدى انتشارها والأضرار التي لحقت بالمستشفيات وفرق الرعاية الصحية والإنقاذ، وما إذا كانت هناك فرق طوارئ محلية تتولى السيطرة على عمليات الإنقاذ أم أن الأمور خرجت عن سيطرتها.
فمثلا، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، في فبراير/ شباط الماضي، فعّلت الحكومة التركية، طلب المساعدة الخاص بالمجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ في غضون ساعات من وقوع الكارثة، حيث وصل إلى البلاد 49 فريقا يضم 3500 شخص، بالإضافة إلى كلاب إنقاذ.
لكن في الحالة المغربية، جرى إرسال قوات من الجيش لمساعدة الضحايا، فيما أوضحت الحكومة أنها لا ترغب في نشر عدد كبير جدا من فرق الإنقاذ الدولية لأن ذلك قد يؤدي إلى نقص التنسيق ما يؤدي إلى "نتائج عكسية".
ويبدو أن المغرب اتخذ قراره، في ضوء ما حدث عقب الزلزال الذي وقع فيه، عام 2004، إذ أفادت تقارير حينها بأن رحلات الإغاثة عطلت المطارات في المغرب، فيما ألحقت فرق الإنقاذ أضرارا بالطرق، وهو الأمر الذي أشارت إليه وزارة الداخلية المغربية في بيانها عقب كارثة الزلزال.
وقالت الوزارة إن "السلطات المغربية أجرت تقييمًا دقيقًا للاحتياجات في الميدان، آخذة في الاعتبار أن غياب التنسيق في مثل هذه الحالات من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية".
وكان "زلزال الحسيمة" الذي وقع، في 24 فبراير من عام 2004، أكثر الزلازل تدميرا في تاريخ المغر،ب حتى هذا الوقت، فقد بلغت قوته 5.2 درجة على مقياس ريختر، وخلف أكثر من 862 وفاة، و629 جريحا، إضافة إلى تشريد 51 ألف شخص.