وقال الصندوق في بيان له أمس الجمعة، إن السلطات اللبنانية لم تطبق الإصلاحات العاجلة المطلوبة، مما سيؤثر على الاقتصاد لأعوام مقبلة، وانتقد غياب الإرادة السياسية في اتخاذ قرارات صعبة، وإن كانت شديدة الأهمية، لبدء الإصلاح.
وبعد اختتام بعثته زيارة للبنان، أوضح الصندوق أن الافتقار للإرادة السياسية في اتخاذ قرارات صعبة يضعف القطاع المصرفي هناك، مشددًا على ضرورة اتخاذ قرارات سياسية شاملة لاحتواء العجز المالي وبدء إعادة هيكلة النظام المصرفي.
وأكد الصندوق أن هناك فرصة لإجراء إصلاحات شاملة لتعزيز الحوكمة والمحاسبة في مصرف لبنان المركزي، لكن الحكومة بحاجة لتنفيذ استراتيجية مالية متماسكة لاستعادة القدرة على تحمل أعباء الديون، وإفساح المجال للإنفاق الاجتماعي والإنفاق على البنية التحتية.
وطرح البعض تساؤلات بشأن الأوضاع التي يمكن أن يصل لها لبنان في ظل غياب تطبيق الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد.
انهيار شامل
اعتبر أنيس بوذياب الخبير الاقتصادي وعضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، أن تحذيرات صندوق النقد للبنان، ليست المرة الأولى حيث سبق وأن حذر في أبريل/نيسان الماضي، من تعثر الاقتصاد لتنفيذ الإصلاحات، وأرجع السبب إلى البطء الشديد في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة للذهاب للاتفاق، الذي وقع مع الصندوق منذ 7 أبريل عام 2022.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، تعثر إقرار الإصلاحات يعود إلى البطء الشديد في انتظام العمل المؤسساتي وغياب المؤسسات الدستورية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، ووجود حكومة هي إلى حد بعيد لتصريف الأعمال فقط، ولا تستطيع أن تقوم بكل ما ينبغي القيام به، بالإضافة إلى الانقسام الشديد في المجلس النيابي والسلطة التشريعية، حيث هناك منهم ما لا يريد حضور الجلسات لانتخاب رئيس، ومن يرفض القيام بهذه الإصلاحات.
ويرى بوذياب أن الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد ليست من الصندوق وحسب، بل يطلبها الشعب اللبناني، لأنها تضع اقتصاد البلاد على الطريق الصحيح لإعادة النهوض ووقف الأزمة الراهنة.
تعمق أزمة الفقر
وقال إن ما يمكن أن يصل له الاقتصاد اللبناني في ظل غياب هذه الإصلاحات، تعمق أزمة الفقر واتساع نطاقها، وزيادة الاقتصاد النقدي الذي تحذر منه السلطات المالية الدولية، خاصة البنك الدولي وغيره، حيث اعتماد الاقتصاد النقدي يعني أن هناك تبييضا للأموال، وبالتالي وضع لبنان على اللائحة الرمادية دوليا، وهو ما يضعف قدرته على استيراد السلع وفتح الاعتمادات، ناهيك عن عن أن مؤسسات الدولة الرسمية محللة، خاصة التعليم الرسمي وقطاع الكهرباء والاتصالات، وهو ما يزيد الأمر سوءا وتعقيدًا، ويأخذ البلاد إلى مسار طويل حتى النهوض.
وشدد على ضرورة وضع هذه الإصلاحات قيد القوننة ويتم تشريعها وتصبح قوانين، وبالتالي وقف الأزمة وهذا يتطلب بذل جهود من كافة القوى السياسية للبدء في هذه العملية، معتبرًا أن على رأس الإصلاحات المطلوبة قانون الكابيتال كنترول، وقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وقانون انتظام المالية العامة، من أجل وضع موازنات متوازنة ووقف العجز فيها.
ويرى أن هذا يحتاج أيضا إلى تحديد كيفية توزيع الخسائر، وهل هي فعلا خسائر أم التزامات على الدولة، مؤكدًا أن هذه الخطوات تحتاج إلى غطاء وتوافق سياسي للبدء في العملية الإصلاحية.
فرصة موجودة
في السياق، يرى عماد عكوش الخبير الاقتصادي اللبناني، أن التحذيرات تأتي في ظل ما وصل إليه الاقتصاد اللبناني من صعوبة وتراجع كبير في الناتج القومي وفي حجم موازنة الدولة والتي كانت تقدر بحوالي 12 مليار دولار قبل بداية الأزمة، فيما وصلت اليوم مع موازنة العام 2023 إلى حوالي 2،2 مليار دولار، على أمل رفعها مع موازنة العام 2024 إلى حوالي 3،1 مليار دولار.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، على الرغم من هذه الأزمات المتراكمة، وتراجع القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام بما يزيد عن 80%، وانهيار القطاع المصرفي وضياع ودائع اللبنانيين والتي قدرت بحوالي مئة مليار دولار، لا يزال لبنان قادر على النهوض، إذا ما تم إقرار الإصلاحات والقوانين المطلوبة، فيما يزيد تأخير الإقرار من المأساة.
وقال إن اقتصاد لبنان وفي ظل غياب الإصلاحات المطلوبة قد يصل إلى مرحلة الموت التام، وعزل لبنان عن العالم، وانهيار كامل للمؤسسات العامة التي لا تزال تقدم ولو بنسبة ضئيلة جدا بعض الخدمات، موجودة كهيكل.
ويرى أن في حالة الاستمرار في هذه الأزمة وعدم إقرار هذه الإصلاحات فأن هذه الهياكل ستنهار بالكامل ويكون من الصعب إعادة بناء مثيل لها في المدى المنظور، ويصبح لبنان خارج الخارطة العالمية، واعتباره بلدا موبوءًا يتجنبه الجميع ويرفضون التعامل معه.
ويتجه مشروع الموازنة اللبنانية لعام 2024 إلى دولرة الإيرادات وتحصيلها بالدولار، كما يتضمن استحداثا لضرائب جديدة بعجز يصل إلى 13.8%، ما يؤمن للخزينة إيرادات بالعملة الأجنبية، فيما تكمن خطورته في إلغاء العملة اللبنانية المحلية، وتصبح البلاد كلها مرتبطة بالدولار أكثر.
ويمر لبنان بحالة فراغ رئاسي، بعدما أخفق البرلمان اللبناني خلال 12 جلسة في انتخاب رئيس للجمهورية، خلفًا لميشال عون، الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.