ما الأهداف التي تريد أمريكا تحقيقها من وراء مشروع الممر الاقتصادي "الهند- أوروبا"؟

جاء إعلان أمريكا عن الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بأوروبا مرورا بعدد من الدول العربية، خلال قمة العشرين، ليطرح تساؤلات كثيرة عن الأهداف الحقيقية التي تريدها واشنطن من الطريق، وموقف قناة السويس المصرية وتأثير المشروع عليها.
Sputnik
بداية، يقول د.عبد الله العساف، المحلل السياسي السعودي: "في اعتقادي أن مشروع الممر الاقتصادي الذي تم الإعلان عنه في قمة العشرين التي عقدت مؤخرا في الهند، سوف يخضع لمرحلة الدراسة خلال العامين القادمين".

أمر اقتصادي

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "الممر هو أمر اقتصادي بالدرجة الأولى وهو في غاية الأهمية، وأي ملف اقتصادي هو في النهاية ذو أبعاد سياسية، وأي ملف سياسي هو ذو أبعاد اقتصادية إلى حد ما".
وتابع العساف: "التشابك والترابط اليوم بين الملفات لا يمكن عزله بشكل كامل، لكن في تقديري أن النسبة الغالبة من أهداف المشروع اقتصادية إلى حد كبير ومهمة جدا، ويجب أن يكون هناك أكثر من ممر ملاحي لعدم تعطل أحد الخطوط".
بايدن يعلن عن خطة لبناء سكك حديدية تربط إسرائيل والهند والسعودية والاتحاد الأوروبي
ولفت المحلل السياسي إلى أن العالم قد جرب تعطل سلاسل الإمداد في أماكن عديدة في العالم، إما نتيجة خلل في الممرات أو وجود حرب أو طرق غير آمنة نتيجة زرع العبوات أو القراصنة، وبالتالي العالم يحتاج اليوم وجود عدد من الطرق التي تجعل سلاسل الإمداد والتمويل ماضية ولا تتوقف في مكان ما.

شراكات مهمة

وأشار العساف إلى أن "الممر الاقتصادي الذي تم الإعلان عنه هو طريق طويل، منه أجزاء برية وأخرى بحرية وغيرها، وفي تقديري الخاص أنه لا يتعارض مع أي من المرات المائية ومنها قناة السويس المصرية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يتعارض مع الحزام والطريق، البعض نظر إلى أن الولايات المتحدة تسعى لتفعيل هذا الطريق وإيجاد شراكات مهمة جدا من أجل الإضرار بالصين".
وقال المحلل السياسي: "في اعتقادي أن السعودية لن تكون طرفا في هذه المرحلة من الإضرار سواء بالصين أو بأمريكا أو بغيرهما، فالسعودية قررت أن تقف في المنتصف وأن تنحاز لمصالحها وهو أمر في غاية الأهمية، أضف إلى ذلك أن السعودية اتجهت اليوم إلى البحر الأحمر وبشكل كبير وكذلك العديد من دول العالم".
أردوغان يعلن عن ممر تجاري كبير يربط تركيا بالسعودية والإمارات والعراق

الصراعات القادمة

ولفت العساف إلى أنه يرى أن النزاعات والصراعات التي كانت في الخليج وفي مضيق هرمز، ستنتقل يوم ما إلى البحر الأحمر وستتكالب دول العالم على هذا الممر وما يحدث اليوم في أفريقيا هو جزء من هذه التداعيات، من أجل السيطرة على البحر الأحمر والمتوسط والثروات الموجودة في باطنيهما، وكذا على الممرات الاستراتيجية المهمة التي تختصر الكثير من الطرق والنفقات ومن نفقات التأمين وغيرها، إذا المشروع هو ممر اقتصادي بالدرجة الأولى.

أهمية الممر

من جانبه، يقول اللواء د.شوقي محمد صلاح، خبير مكافحة الإرهاب ورئيس برنامج الدراسات الأمنية في مركز الفارابي للدراسات والتدريب في القاهرة: "طرحت الولايات المتحدة الأمريكية على هامش قمة مجموعة G20 بنيودلهي (سبتمبر/أيلول 2023) مشروع طريق "الهند/أوروبا" ويتلخص في إنشاء خط ملاحي بحري/ بري لربط الهند والدول المجاورة لها بأوروبا، من خلال خط ملاحي يبدأ من موانئ الهند وصولا لموانئ دولة الإمارات العربية، ثم يتم نقل الحاويات بخطوط للسكك الحديدية تقطع مسارها أراضي الإمارات ثم المملكة العربية السعودية، وصولا للمملكة الأردنية، وأخيرًا إسرائيل، حيث يتم شحن البضائع مرة أخرى بسفن من موانئ الأخيرة حتى اليونان، ثم تنقل حاويات البضائع عبر خطوط للسكك الحديدية من اليونان وصولا لباقي دول أوروبا".
كيف ستضمن الطرق اللوجستية الجديدة أمن "بريكس"
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "لا شك أن المشروع سيتضمن في جانب منه نقل الركاب لأغراض سياحية وغيره، كما أنه يتضمن في جانب آخر إنشاء بنية تحتية لخدمات التكنولوجيا الرقمية، وكذا إنشاء خطوط لنقل الطاقة، ورغم أن المشروع تمت الموافقات المبدئية عليه من قبل الدول المعنية، إلا أن تكلفته التقريبية لم يعلن عنها بعد، ومع هذا فإنه مشروع طموح، وغالبا ستتجاوز تكلفته التريليون دولار".
وتابع صلاح: "يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية ستتحمل الجانب الأكبر من تكلفة المشروع، وبالتالي ستجني في المقابل النسبة الأعظم من العوائد، وستتولى الهند، عضو مجموعة البريكس، مهمة إنشاء خطوط السكك الحديدية للمشروع".

تمكين الدولار

ويرى صلاح أن الباعث الأساسي وراء المشروع الأمريكي المشار إليه هو: "تمكين الدولار والتأكيد على الاحتفاظ به باعتباره العملة الأساسية على المستوى الدولي، فالهند - العضو المؤسس لتحالف البريكس- وغيرها، عندما تتقاضى مبالغ طائلة من الدولارات الأمريكية ستكون حريصة كل الحرص على احتفاظ الدولار بقيمته السوقية العالمية، كما أن الولايات المتحدة من جانب آخر ستتبوأ مركز الصدارة بين الرابحين من المشروع، نظرا لأنها ستجني عوائد هائلة تشترط بأن تكون "دولارية" وذلك فور تشغيل المشروع، لذا فعلى الدول المشاركة الانتباه لأهمية اتخاذ ما يلزم لتقوية عملاتها أيضا، وذلك في ضوء أحكام التعاقد النهائي للمشروع، فالتفاوض في هذا المقام سيكون لفريق متعدد التخصصات: قانوني/ اقتصادي/ مالي/سياسي/ تجاري".
"سيغير الشرق الوسط"... نتنياهو يعلق مشروع دولي "غير مسبوق" تشارك فيه السعودية وإسرائيل
واستطرد: "تجدر الإشارة إلى أنه من المؤكد أن الصين سوف تقابل هذا النشاط بتحركات مضادة لمواجهة هذه الهيمنة الأمريكية، ربما من خلال إحياء مشروع "الحزام والطريق" بعد تطويره وفقا لمعطيات الموقف الراهن".
وحول تأثير المشروع على مصر وقناة السويس، يقول صلاح: "الممر سيأخذ وبشكل مؤكد حصة من كميات البضائع التي تنقل من خلال قناة السويس المصرية، إلا أنه نظرا لكون تكاليف نقل البضائع من خلال مراحله المتعددة سيصبح مكلفًا جدًا مقارنة بنقلها عبر قناة السويس، لذا فمن المؤكد أن هيئة قناة السويس سترفع رسوم العبور من جانبها، وسيعوّض هذا قدر الفاقد من البضائع التي ستنقل باستخدام ممر"الهند/أوروبا".

مصر تتحرك

وأشار خبير مكافحة الإرهاب إلى أن هناك من يتحدث عن أن مشروع الممر "سيغير قواعد اللعبة في المنطقة، حيث تكلفته الأقل بشأن نقل البضائع، وهي تصريحات تخالف المنطق، لافتا إلى أن مصر فاجأت الجميع مؤخرا باستئنافها مد خط سكة حديد "العريش/طابا" لوأد أي منافسة لمشروعات تضر بقناة السويس".
ولفت صلاح إلى أن "مشروع سكك حديد "العريش/طابا" سوف يعزز جهود تنمية سيناء، حيث سيساهم خط السكة الحديد في نقل المواد الخام الموجودة بسيناء لخطوط الإنتاج من ناحية، ولموانئ التصدير من ناحية أخرى، لذا أعتقد بأن قناة السويس ستظل الممر الأهم على المستوى الدولي".
وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن خطة لبناء ممر للسكك الحديدية والشحن يربط بين إسرائيل والهند والسعودية والإمارات والأردن والاتحاد الأوروبي، بهدف زيادة التجارة والتعاون السياسي.
السعودية تنضم إلى ممر اقتصادي عالمي
وقال بايدن، خلال قمة مجموعة العشرين في الهند: "هذه صفقة كبيرة حقا"، وفق وكالة "أسوشيتد برس". ومن شأن الممر أن "يساعد في تعزيز التجارة وتوفير موارد الطاقة وتحسين الاتصال الرقمي"، وفق الوكالة.
وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن، إن ممر السكك الحديدية سيشمل الهند والسعودية والإمارات والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن شبكة السكك الحديدية المزمع إقامتها تعكس رؤية بايدن "لاستثمارات بعيدة المدى"، متابعا بقوله إن "البنية التحتية المحسنة ستعزز النمو الاقتصادي وتساعد على جمع دول الشرق الأوسط معا وترسيخ تلك المنطقة كمركز للنشاط الاقتصادي بدلًا من أن تكون مصدرًا للتحدي أو الصراع أو الأزمة"، على حد قوله.
وشارك في الإعلان رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، وقادة آخرون من جميع أنحاء العالم.
ولم يقدم البيت الأبيض أي تفاصيل عن تكلفة المشروع أو تمويله، على الرغم من أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ذكر رقم 20 مليار دولار خلال الإعلان. ولم يكن من الواضح ما إذا كان هذا المبلغ ينطبق فقط على الالتزام السعودي.
باحث مصري يوضح لـ"سبوتنيك" تأثير الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا على قناة السويس
وبحسب وكالات غربية، من شأن ممر السكك الحديدية والشحن أن "يساعد في ربط مساحة واسعة من العالم، وتحسين الاتصال الرقمي وتمكين المزيد من التجارة بين البلدان، بما في ذلك منتجات الطاقة مثل الهيدروجين".
ووصفت فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، المشروع بأنه "جسر أخضر ورقمي عبر القارات والحضارات"، مضيفة أنه سيحتوي على كابلات لنقل الكهرباء والبيانات.
وفي الستين يومًا المقبلة، ستقوم مجموعات العمل بوضع خطة أكثر اكتمالا وتحديد جداول زمنية.
وستتضمن المرحلة الأولى تحديد المجالات التي تحتاج إلى الاستثمار والمناطق التي يمكن ربط البنية التحتية المادية بين البلدان من خلالها.
مناقشة