"تعويضات أبو غريب" تحيي ذكرى "جرائم بشعة" ارتكبها الأمريكيون في العراق

بعد أكثر من عقدين على الاحتلال الأمريكي للعراق، عادت إلى المشهد السياسي مجدد الجرائم البشعة التي ارتكبتها القوات الأمريكية ضد المواطنين العراقيين.
Sputnik
وشمل ذلك القتل والتعذيب والإذلال والاعتقالات والاختفاء القسري في السجون، كما حدث في سجن "أبو غريب"، ومع رفع دعوات قضائية لتعويض المتضررين، عادت إلى الأذهان، ذكرى الجرائم البشعة التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق.

هل تدفع أمريكا ثمن الجرائم التي ارتكبتها ضد العراق معنويا وماديا؟

بداية يقول إياد العناز، المحلل السياسي العراقي: "ترتب على الغزو الأمريكي للعراق ودخول قواتهم إلى العاصمة بغداد في 9 أبريل/ نيسان 2003، نتائج خطيرة طالت البنية الاجتماعية والقيم الأخلاقية والسلوك الإنساني والتماسك المجتمعي الذي يتصف به أبناء الشعب العراقي، حيث ارتكبت القوات الغازية العديد من الجرائم من بينها سفك الدماء والقتل المروع والعمليات العسكرية وإلقاء القبض على أبنائه وشبابه المدافعين عن حياض بلادهم وكرامتهم".

البطش والقسوة

وتابع في حديثه لوكالة "سبوتنيك": "تمثلت أسوأ الأعمال اللاأخلاقية في التحقيقات، التي استخدمت فيها أساليب البطش والقسوة والاعتداء النفسي والجسدي بحق أبناء العراق في معتقلات وسجون أبو غريب والتي أفصحت عن حقيقة النهج الإجرامي لقوات الاحتلال الأمريكي والأساليب القذرة التي اتبعتها مع المعتقلين".
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
قائد عسكري يروي لـ"سبوتنيك" أبشع الجرائم التي ارتكبها الأمريكيون ضد العراق في حرب 2003
وأشار العناز إلى أن الجرائم التي ارتكبت من جانب الأمريكيين تحت مسمى التحقيقات مثلت استهانة بالدم العراقي، واستخفاف بمشاعره الوطنية والإنسانية التي يتحلى بها، حيث يرفض أبناؤه الذل والخنوع والاستسلام للواقع المأساوي الذي حل بوطنه، وجعله يقاوم ويصارع أدوات الاحتلال (الأمريكي - البريطاني).
وتابع: "وقف العراقيون ضد جميع الأساليب المتبعة في جعل الاحتلال واقعا قائما وحالة مفروضة عليه، بعد أن تعددت وسائل الاضطهاد والتعسف وصور القتل والترويع والاعتقال والسجن والتعذيب في أقبية وسجون قوات الاحتلال، وعبر وسائل وأساليب بعيدة عن كل ما تتحدث به الإدارة الأمريكية من حرية الرأي واحترام حقوق الإنسان وتطبيق العدالة الاجتماعية".

سجن "أبو غريب"

وتابع المحلل السياسي العراقي: "الأعمال الإجرامية التي حدثت في سجن أبو غريب صورة واقعية للدور التخريبي والعدواني الذي تمثله قوات الاحتلال الأمريكي، وصورة واقعية للهمجية والعنصرية البشرية التي تتصف بها الإدارة الأمريكية ومؤسساتها العسكرية والأمنية في احتلالها للبلدان المستقلة وإيذائها للشعوب الحرة والإساءة لسمعتها وانتهاك لكرامتها، والمساس بعزتها وشخصيتها المعنوية الإنسانية".
واستطرد: "تلك الجرائم التي ارتكبتها واشنطن، مثلت اعتداءً صارخًا على حقوق الإنسان وتعرضا شنيعا لأبناء العراق الذين رفضوا الاحتلال وقاوموا أدواته وماكينته العسكرية والأمنية، وهي من الجرائم الدموية التي طالت أبناء الشعب العراقي منذ بداية الاحتلال الأمريكي وما تلاها من عمليات تعرضية استهدفت أمن وسلامة المجتمع العراقي".
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
الفظائع العسكرية الأمريكية في سجن أبو غريب العراقي

الازدواجية الأمريكية

وقال إياد العناز: "بعد عقدين من الزمن مضت على الاحتلال الأمريكي للعراق، أكدت تلك السنوات على الازدواجية الأمريكية وفقدان المعايير الأخلاقية في علاقاتها مع الشعوب الحرة، علاوة على سقوط القيم والادعاءات الكاذبة لمفهوم السلوك القويم واحترام حرية الشعوب، التي تتغني بها واشنطن".
ولفت العناز إلى أن الإدارة الأمريكية لا تستمع إلى نداءات المنظمات الإنسانية والمجتمع المدني والشخصيات الفكرية والاجتماعية في ندائهم وكتاباتهم ومطالبتهم بتعويض السجناء وإعادة الحقوق إليهم، لأنها لا تهتم ولا تراعي حقوق الشعوب ولا تقيم وزناً للمعايير الأخلاقية، لأنها ببساطة بعيدة عن مفاهيم حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

تعويضات ضحايا التعذيب

من جانبه يقول عمر الفرحان، رئيس المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، إن الإجراءات الأخيرة التي يجري الحديث عنها بشأن تعويضات ضحايا التعذيب الأمريكي في سجن أبو غريب العراقي، بعد الاحتلال عام 2003، لن يخفي ما تم ارتكابه من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها واشنطن وأعوانها في العراق.
وأضاف، في اتصال مع "سبوتنيك"، إن التعويضات هى حق أساسي لهؤلاء الضحايا، وهذه التعويضات لا تعفي أمريكا من الجرائم التي ارتكبتها في سجن أبو غريب أو غوانتنامو أو غيرها في أي من بلاد العالم، فما حدث في العراق هو جرائم حرب وفق ما نص عليه القانون الدولي الإنساني، ولو دفعت أمريكا كل التعويض للضحايا فلن يعفيها ذلك من العقوبة الجنائية.
المحكمة العليا الأمريكية ترفض طعن شركة دفاعية على اتهامها بالتعذيب في سجن عراقي
وأوضح الفرحان أن الدعوات التي تم رفعها بشأن تعويضات ضحايا التعذيب في سجن أبو غريب وغيره، هى قضايا خاصة متعلقة بالأشخاص وليس الدول، حيث قام عدد من ضحايا التعذيب برفع تلك القضايا أمام المحاكم الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعضهم حصل على تعويضات بالفعل، لكن تلك الأحكام لا ترفع عن أمريكا عمليات الإدانة بشأن ما تم ارتكابه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تعد جرائم عامة تنظرها المحكمة الجنائية الدولية.

توثيق جرائم الحرب

وأشار رئيس المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، إلى أن القانون الولائي في الولايات المتحدة الأمريكية يسمح لأي شخص في العالم بتقديم دعوى قضائية في المحاكم المحلية الأمريكية للحصول على التعويضات أو أمر قضائي.
ولفت الفرحان إلى أن الكثير من الدعوات القضائية ذات الطابع العام قدمت إلى المحكمة الجنائية الدولية من جانب المنظمات الدولية والأشخاص الذين تعرضوا للعنف والتعذيب، لكن بسبب الضغوط الأمريكية قررت المحكمة الجنائية عدم قبول أي ملف يدين الجرائم التي ارتكبتها داخل العراق، وتبرر واشنطن هذا الفعل بأن لديها قضاء داخلي يمكنه تولي مثل هذه القضايا.
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
مسؤول سابق بالدفاع العراقية يكشف لـ"سبوتنيك" كواليس الساعات الأخيرة قبل الاحتلال الأمريكي
في أوائل عام 2004، تفجرت فضيحة انتهاكات جسدية ونفسية وإساءة جنسية تضمنت عمليات تعذيب واغتصاب وقتل، بحق سجناء كانوا في سجن "أبو غريب" في العراق، لتخرج إلى العلن ولتعرف باسم "فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب".
قام بهذه الأفعال الشنيعة أشخاص من الشرطة العسكرية الأمريكية التابعة لقوات جيش الولايات المتحدة، بالإضافة لعناصر وكالات سرية أخرى.

انتهاكات لحقوق الإنسان

وتضمنت تلك الجرائم تعرض السجناء العراقيون إلى انتهاكات لحقوق الإنسان، وإساءة معاملة واعتداءات نفسية، وجسدية، وجنسية، على يد سجانيهم في سجن "أبو غريب".
وقالت مديرة مكتب "هيومن رايتس ووتش" في واشنطن سارة ياغر: "بعد مرور 20 عاما، لا يزال العراقيون الذين تعرضوا للتعذيب على يد عناصر حكوميين أمريكيين من دون سبيل واضح لرفع دعوى أو الحصول على أي نوع من الإنصاف أو الإقرار بحقهم من الحكومة الأمريكية".

وأضافت ياغر: "أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أنهم يفضلون طي صفحة التعذيب، لكن الآثار الطويلة الأمد للتعذيب ما تزال واقعا يوميا للعديد من العراقيين وعائلاتهم".

وكتبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأمريكية على موقعها باللغة العربية في الإنترنت، أمس الاثنين، إنه بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003، احتجزت الولايات المتحدة وحلفاؤها نحو 100 ألف عراقي بين 2003 و2009.
وأشارت المنظمة إلى تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر صدر في العام 2004 ونقل عن الاستخبارات العسكرية التابعة للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة أن "نحو 70 إلى 90 في المئة من المحتجزين لدى قوات التحالف في العراق في العام 2003، تم اعتقالهم عن طريق الخطأ".
وأضافت المنظمة الحقوقية: "تم توثيق حالات التعذيب وغيرها من أشكال سوء المعاملة على يد القوات الأمريكية في العراق، وقدم ضحايا الانتهاكات لسنوات شهاداتهم حول المعاملة التي تعرضوا لها".
مناقشة