مسؤول سابق بالدفاع العراقية يكشف لـ"سبوتنيك" كواليس الساعات الأخيرة قبل الاحتلال الأمريكي
16:11 GMT 19.03.2023 (تم التحديث: 18:18 GMT 19.03.2023)
© Photo / Walid Al-Rawiالعميد الركن متقاعد وليد الراوي سكرتير آخر وزير دفاع عراقي قبل الاحتلال الأمريكي رفقة قيادات بالجيش
© Photo / Walid Al-Rawi
تابعنا عبر
حصري
لا تزال هناك الكثير من علامات الاستفهام حول الاحتلال الأمريكي وصمود الجيش العراقي لأكثر من ثلاثة أسابيع، ثم الانهيار المفاجئ واختفاء السلاح ومن كانوا يحملونه. العديد من الألغاز يجري الحديث عنها، لكن بعضها سماعي وملىء بالمغالطات أو التوجهات السياسية لموائمة المرحلة.
أجرت "سبوتنيك" المقابلة التالية مع العميد الركن متقاعد، دكتور وليد الراوي، سكرتير آخر وزير للدفاع في عهد الرئيس صدام حسين قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، والذي أزاح الستار عن بعض النقاط الغامضة خلال أسابيع الحرب.
إلى نص الحوار….
*بداية.. كيف كانت استعدادات الجيش العراقي لملاقاة جيش الاحتلال الأمريكي بعد أن تأكدتم أن الحرب على الأبواب؟
هذه ذكرى مؤلمة لأنها أدت إلى احتلال العراق وتدمير دولة أسست عام 1921، الأمر لم يتعلق فقط بإسقاط نظام ومجئ آخر، بل هو أكبر من ذلك بدليل سرقة الوزارات والمتاحف وخزائن البلاد، أما ما يتعلق بالجانب العسكري فقد كانت القيادة العسكرية وبتوجيهات من القيادة السياسية تتوقع قيام الحرب، فلم تكن الحشود العسكرية بالكويت وبعض الدول العربية خافية علينا في هذا التوقيت، في الحقيقة كنا نعلم أن توقيت شن الحرب سيكون بعد 17 مارس (آذار) 2003، لكن وصلت للأمريكان معلومات بأن الرئيس صدام وعائلته في مزرعة بمنطقة الدورة جنوب بغداد، لذا قرروا بدأ القصف يوم 17 آذار، أي أنهم قدموا موعد الحرب التي كانت مؤكدة يوم 20 آذار ثلاثة أيام.
© Photo / Walid Al-Rawiالعميد الركن متقاعد وليد الراوي سكرتير آخر وزير دفاع عراقي قبل الاحتلال الأمريكي رفقة قيادات بالجيش
العميد الركن متقاعد وليد الراوي سكرتير آخر وزير دفاع عراقي قبل الاحتلال الأمريكي رفقة قيادات بالجيش
© Photo / Walid Al-Rawi
*ماذا فعلتم كقيادة عسكرية بعد علمكم بموعد الحرب؟
القيادة العسكرية متمثلة في وزارة الدفاع بالإضافة إلى قيادة قوات الحرس الجمهوري أعدت الخطط وأجرت التدريبات والممارسات على المحاور الرئيسية التي يمكن أن تسلكها قوات الاحتلال الأمريكية البريطانية وبقية القوات الأخرى المتحالفة معهم، فتم إعداد تمارين الحرب على مستوى كبير، لكن يجب ألا ننسى أن المقارنة بين القوات الغازية المتحالفة والقوات العراقية غير منطقية، هذا بجانب أن العراق تعرض لحصار ظالم منذ عام 1990 بعد غزو الكويت ولم يسمح له حتى باستيراد الأقلام الرصاص خوفا من استخدامها للأغراض العسكرية، فكان هناك نقص كبير في التسليح، من الممكن أن يكون استعداد الجيش 40 بالمئة والحرس الجمهوري 65 بالمئة.
*تناولت وسائل الإعلام أن وزير الدفاع العراقي قال قبل الحرب غن الأمريكان يمكن أن يصلوا إلى بغداد خلال فترة قصيرة لا تتجاوز أسبوع..ما حقيقة ذلك؟
أنا سألت الوزير سلطان هاشم وقتها عن هذا الأمر، فقال لي إن هذا التصريح كان بتوجيه من الرئيس صدام حسين حتى لا يفاجئ الشعب العراقي، لذا تم الإعلان عن ذلك قبل وصولهم بغداد، هذا بجانب أن القوات الأمريكية الغازية سلكت محاور خارج المدن (بالصحراء) في ظل غطاء جوي كثيف، ولم تستطع طائرة واحدة عراقية الإقلاع في وقت الغزو مقارنة بحجم القوات الأمريكية.
© Photo / Walid Al-Rawiالعميد الركن متقاعد وليد الراوي سكرتير آخر وزير دفاع عراقي قبل الاحتلال الأمريكي رفقة قيادات بالجيش
العميد الركن متقاعد وليد الراوي سكرتير آخر وزير دفاع عراقي قبل الاحتلال الأمريكي رفقة قيادات بالجيش
© Photo / Walid Al-Rawi
*بكل تأكيد المقارنة في تلك الحرب ظالمة..لكن كانت هناك تصريحات رسمية عراقية أن الأمريكان لن يغامروا بدخول بري إلى بغداد؟
قد تكون هناك بعض التصريحات الإعلامية من بعض القادة العسكريين حول هذا الأمر، لكن هذا كلام غير دقيق، كيف لا يدخلون معركة برية، كان هناك رأيان، بعض القادة يتصورون أن العمليات العسكرية الأمريكية سوف تجري على غرار ما جرى عام 1991، أي يسبق الهجوم البري قصف صاروخي وجوي أمريكي يستمر لمدة 45 يوم أو أقل ثم تبدأ المعركة البرية كما حدث بالكويت، والرأي الآخر كان يرى أن الضربات الجوية والصاروخية سوف تتزامن مع الدخول البري للقوات الأمريكية، ولم ينف العسكريون العراقيون عدم وجود معركة برية من الأساس، لأن أمريكا كانت قد أصدرت قبلها بالفعل قانون تحرير العراق في عام 1998، كل الأمور كانت واضحة ومعلنة بأن الحرب قادمة لا محالة.
*التباين الكبير في ميزان القوى بينكم وبين قوات الاحتلال الأمريكي البريطاني..كيف كان تأثيره عليكم ..وحقيقة تجنيد أمريكا لبعض القادة؟
كان لدينا معلومات كاملة من مصادر بأن التمارين العسكرية أعدت وتم عرضها أمام الرئيس صدام في أحد قصوره بمنطقة الرضوانية، عندما جاءت فقرة العدو في التمرين تحدث مدير الاستخبارات العسكرية العراقية وأعطى تفاصيل دقيقة عن القوات الأمريكية من حيث الانفتاح والقوة والعدد لهذا الحشد العسكري الكبير، والأمريكان كانوا يتخوفون من مسألتين، أولهما بحسب إدعاءاتهم أن العراق استخدم أسلحة الدمار الشامل، الأمر الثاني الذي كان يتخوف منه الأمريكان هو الدخول في المدن والتي تتوزع بها القطاعات العسكرية للجيش العراقي، حيث كان الفيلق الثالث والرابع بالجنوب والفيلق الثاني في وسط العراق والفيلق الأول والخامس في الشمال، أما الحرس الجمهوري والذي كان يتكون من فيلقين فتركز مسؤوليته في الدفاع عن بغداد.
هذا توزيع القطاعات، وقطاعات الهجوم ليس متاح عنها معلومات، الأمر الآخر يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي كانت موجودة وتم عرضها، والملاحظ أن خطة دخول القوات الأمريكية كانت تتجنب الدخول في معارك مع القوات العراقية وهى في طريقها إلى بغداد، وإذا حدث هذا تنسحب فورا وتستدعي الطائرات والصواريخ لكي تبيد المتواجدين بالمنطقة من القوات العراقية المدافعة وبذلك تقدمت قواتهم بسهولة، وبالرغم من ذلك حدثت معارك مهمة تم توثيقها، منها معركة الناصرية خارج بغداد ومعركة المطار وأم قصر وغيرها الكثير لا يتسع المجال لذكرها هنا، والحديث عن خيانات بالجيش العراقي هى أكاذيب نتحدى أي شخص أمريكي أو غير ذلك أن يخرج علينا باسم عسكري واحد تعامل معهم.
*بعد ضرب مراكز القيادة والسيطرة للجيش العراقي في الأيام الأولى للهجوم البري..هل انقطع التواصل بين القيادة وقطاعات الجيش؟
حتى آخر لحظة كان التواصل بين القيادة والقطاعات مستمرا ولم تجر معركة إلا بتنسيق مع القيادة أو بصدور أوامر أو إسناد من القائد الأعلى، ولتأكيد استمرار الاتصالات بين القطاعات حتى اللحظات الأخيرة، حدث إنزال في منطقة بحر النجف ومسؤول التنظيم في القيادة القطرية لحزب البعث وقتها قاد قوة من الضباط وأحدهم كان آمر موقع النجف الفريق الركن عثمان الغانمي الذي أصبح وزيرا فيما بعد وقاتلوا الأمريكان وقتل مسؤول التنظيم وتم أسر باقي القوة، وكانت ترد إلينا معلومات عن عمليات التقدم والإنزال التي تقوم بها قوات الاحتلال الأمريكي.
*حاربتم الأمريكان أكثر من ثلاثة أسابيع وفجأة انهار كل شىء..أين ذهبت أسلحة الجيش العراقي بعد الاحتلال؟
قبل التاسع من أبريل/نيسان ووفق موازين القوى التي ذكرناها، تم تجهيز الحزب بالسلاح وكذلك العشائر بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وكانت هناك مخازن للسلاح سيطرت على بعضها بؤر المقاومة التي بدأت تنشط والبعض الآخر سيطرت عليه القوات الأمريكية، وتم بيع الدبابات والأسلحة الثقيلة التي تم تدميرها (خردة)، وحدثني أحد الأقرباء والذي كان يمتلك شركة نقل وشحن كبيرة، أن الكثير من الدبابات التي جمعت وتم تقطيعها بواسطة اللصوص وبيعها إلى معمل دبابات ميركافا في إسرائيل، وكانت تنقل برا عبر المنافذ المعلومة.
*ما هي أبرز الجرائم الأمريكية التي ارتكبتها القوات الأمريكية في العراق.. وهل تم استخدام أسلحة محرمة دوليا؟
أكبر فضيحة كانت للقوات الأمريكية في العراق ويعرفها العالم، ما كان يحدث في سجن أبو غريب، ومن الناحية العسكرية فقد استخدمت القوات الأمريكية اليورانيوم (المُنضب).
بعد احتلال العراق وكنت مع وزير الدفاع استلمنا برقية من المخابرات العراقية وبعد قراءتها أمر بإيصالها لأحد القيادات لاتخاذ الإجراءات، وكانت تحوي معلومات من دولة صديقة عن عدد من الأهداف الأمريكية في مطار بغداد، وهنا أمر الوزير وحدات صواريخ أرض-أرض بمعالجة تلك الأهداف.
أجرى الحوار/أحمد عبد الوهاب