وأول مس الجمعة، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالموافقة على مشروع قرار قدمته المجموعة العربية برئاسة الأردن تحت عنوان "حماية السكان المدنيين الفلسطينيين"، وذلك بغالبية ثلثي الأصوات، وهو أدنى حد يعتمد لتمرير أي قرار أممي.
ويدعو هذا القرار إلى الوقف العاجل لإطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدنيين المحتجزين بشكل غير قانوني، كما يرفض عمليات التهجير القسري في حق الشعب الفلسطيني.
وتونس والعراق هما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان صوتتا بالرفض على هذا القرار الذي اعتبرته تونس "يساوي بين الجلاد والضحية"، قبل أن يشتكي العراق من خطأ تقني في التصويت ويطالب بتعديل موقفه.
تبرير رسمي
وقال المندوب الدائم لتونس لدى الأمم المتحدة، طارق الأدب، إن بلاده ترفض "المساواة بين المعتدِي والمعتدَى عليه"، مشيرا إلى أن مشروع القرار العربي أغفل العديد من المسائل، من بينها "غياب الإدانة الصريحة والقوية لجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال وعدم المطالبة بمحاسبتها"، وعدم التنصيص بوضوح على الوقف الفوري للعدوان.
وذكر الأدب، في كلمته التي نشرتها الخارجية التونسية، أن "الوضع الخطير وغير المسبوق في قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على الشعب الفلسطيني وإجراءات الإغلاق ومنع كلّ وسائل الحياة عن ملايين الفلسطينيين، يستوجب سقفا أعلى لم يبلغه نصّ القرار".
يأتي ذلك في وقت حذر فيه الرئيس التونسي قيس سعيد، من وجود مساعٍ لتشويه موقف بلاده من القضية الفلسطينية.
وقال سعيد، خلال لقائه أمس بوزير الداخلية كمال الفقي: "هناك من يسعى للاندساس حتى يشوّه الموقف الثابت للشعب التونسي".
ودعا وزير الداخلية إلى "مزيد من اليقظة والانتباه في هذا الظرف بالذات، الذي يعبر فيه الشعب التونسي عن وقوفه غير المشروط مع الشعب الفلسطيني ودعمه غير المحدود له لاستعادة حقه السليب في فلسطين كل فلسطين".
قرار عربي دون المأمول
وفي تعليقه لـ "سبوتنيك"، أكد رئيس حركة الشعب زهير المغزاوي، أن موقف تونس الرسمي الرافض لمشروع القرار العربي ينسجم تماما مع موقف حركة الشعب.
وأضاف :"من البديهي أن ترفض تونس التصويت على قرار لا يتضمن إدانة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وعلى قرار يتحدث عن المقاومة على كونها فعلا إرهابيا".
ولفت إلى أن موقف تونس الرسمي هو موقف سليم وينسجم مع المواقف السابقة التي عبر عنها رئيس الجمهورية والخارجية التونسية منذ البداية.
ويرى المغزاوي أن القرار العربي دون المأمول وتحت السقف الأدنى، مشددا على أن ما يقوم به الشعب الفلسطيني هو دفاع عن النفس والأرض، وأن "المعركة ليست بين فلسطين وإسرائيل، بل هي معركة بين قوى الشر التي تقودها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والقوى المدافعة عن أوطانها والتي تناضل من أجل استرجاع أرضها وإنهاء الاحتلال".
واعتبر أن وقف إطلاق النار هو أمر بديهي ولا يمكن أن يصبح المطلب الأقصى للفلسطينيين، مشيرا إلى أن إدانة الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل على غزة هي أمر ضروري.
وتابع المغزاوي: "ليست تونس من فقدت البوصلة، وإنما نظام جامعة الدول العربية الذي انهار منذ سُلّم العراق للولايات المتحدة الأمريكية سنة 1991 ثم في 2003، ومنذ سلمت ليبيا إلى قوات حلف الناتو التي كانت سببا في دمارها، ومنذ سلمت سوريا للوحوش الآدمية الغربية".
دول عربية اختارت مصالحها
بدوره، قال النائب في البرلمان عن كتلة "لينتصر الشعب"، النوري الجريدي، إن قرار تونس الرافض للتصويت على مشروع القرار العربي على صلة مباشرة بموقفها من الحرب الدائرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وبين قوات الاحتلال الإسرائيلي، مشددا على أن تونس تدعم الفعل التحريري الفلسطيني.
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك": "لا يمكن الفصل بين حماية أرواح المدنيين وبين الحق الفلسطيني، لأن المسألة ستصبح وكأنها مقايضة وابتزاز، إما الرحيل وإما الإبادة، وهذا ما لا تقبله بلادنا".
واعتبر الجريدي أن اختلاف وجهة النظر التونسية عن بقية المواقف العربية هو مسألة واضحة تاريخيا.
وأوضح: "لقد اختارت بعض الدول العربية مصالحها ووضعت في حساباتها اتفاقاتها مع إسرائيل التي أصبحت تربطها بها علاقات مباشرة، خلافا لتونس التي أبدت مواقف واضحة رافضة لأي تطبيع معها وأبدت دعمها للحق الفلسطيني".
موقف غريب
على الجهة المقابلة، وصف الدبلوماسي ووزير الخارجية السابق، أحمد ونيس، في تصريح لـ "سبوتنيك"، موقف تونس الرافض للتصويت على الهدنة الإنسانية بأنه "موقف غريب وغير مفهوم".
وأضاف: "لا أجد تفسيرا لهذا الموقف، خاصة وأن جميع الدول العربية ودول المغرب الكبير صوتت لصالح القرار، وهو ما يدل على أن الوفد الفلسطيني هو من طلب الموافقة على مشروع القرار العربي".
وبيّن ونيس أنه "تقليديا تتبع تونس إرادة ورغبة الوفد الفلسطيني، وهي المرة الأولى التي يتخالف فيها الموقف التونسي مع إرادة القيادة الفلسطينية، وهو منعرج يترك نقطة استفهام كبرى يجب توضيحها للرأي العام".
واعتبر أن المأساة الإنسانية في غزة وارتفاع التكلفة البشرية يملي إعطاء الأولوية لوقف إطلاق النار على حساب بقية المسائل.
وأشار ونيس إلى أن وجهة النظر الوحيدة التي يمكن فهمها هي التحفظ التونسي على بيان وزراء الخارجية العرب في القاهرة، عقب اجتماع 11 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، والذي تضمن تنديدا بتحركات المقاومة.