تجولت عدسة "سبوتنيك" في مدينة غريان الليبية التي اشتهرت هي وأغلب مدن جنوب العاصمة طرابلس، بالصناعات التقليدية المحلية والتي كان من أبرزها صناعة الفخار أو "القلال" كما يسميها الليبيون.
تنوعت في غريان، المدينة التي تعد عاصمة الجبل الغربي والتي تقع جنوب العاصمة طرابلس والتي تبعد عنها بمسافة تقدر بـ 80 كم، منتجات الفخار والصناعات التقليدية في أحجامها وأشكالها وأسعارها، لاقت هذه المنتجات اليدوية رواجا كبيرا بين السكان المحليين، بالإضافة إلى زوار المدينة والمترددين عليها، كما أنها نالت استحسان وإعجاب عدد من رواد الوسط الثقافي في ليبيا والذين يعتبرون هذه المنتجات صناعات بدأت في الاندثار.
الموروث الشعبي
تعد الصناعات التقليدية في ليبيا موروث شعبي أصيل توارثه الأحفاد عن الأجداد، كما أنها تتميز بدورها الثقافي البارز الذي يعد ميراث سنوات طويلة، كما تعتبر لكل منطقة هويتها وصناعاتها المعروفة والتي تعكس حياة الليبيين اليومية وهوياتهم ومدى تأقلمهم مع البيئة المحيطة بهم وذلك لتنوع مصادر العيش والرزق.
يستشهد عبد المجيد رمضان، الذي أمضى أربعة عقود من عمره مجسدا المثل الليبي الشهير "حرفة يد ولا ورث الجد"، وبهذا المثل تحدث عن بداياته وهوايته وعن حرفة أتقنها بكل حرفية وجدية، وقد ورث رمضان هذه الحرفة اليدوية من أجداده، هذه الحرفة التي تعد دخلا أساسيا له ليسد بها رمق حياته وأموره المعيشية في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تشهدها ليبيا منذ سنوات.
من الأجداد إلى الأحفاد
حدثنا رمضان الذي ورث هذه الصنعة بكل رحابة صدر عن حرفة ورثها من أجداده قائلا: "نأخذ الطين الخام من الجبل، ونصنع به الفخار والبرادة والأطباق المزخرفة بمختلف أنواعها وأحجامها وأشكالها".
وأضاف رمضان في تصريح خاص لـ"سبوتنيك": "نعمل على تطوير هذه الصناعة اليدوية المحلية لكي تزداد توسعا وانتشارا على الرغم من التهديدات التي تصاحبها في هذا الوقت، لتشمل كل مشغولات الخزف وأعمال الرسم والنقش على الأطباق وكل المنتجات اليدوية المزركشة بالزخرف الجميل".
وقال رمضان: "تحظى معظم الصناعات التقليدية المحلية في ليبيا بالإقبال الكبير من المواطنين والأجانب وزوار هذه المدينة لاقتنائها والاحتفاظ بها، وهذا الأمر يعتبر مألوفا في كل دول العالم".
صناعات متنوعة ومتعددة
وفي هذا الجانب، تابع قائلا: "تتعدد المنتجات اليدوية والأصناف المحلية لتشمل الشقاقه "حصالة النقود" وحافظات الزيت الفخارية"، كما شدد رمضان على الأهمية الصحية لهذه المنتجات وبأن الأكل في الأواني الفخارية صحي أكثر من بقية الأنواع.
وقال رمضان إن "الجرار الفخارية الحافظة والمبردة للماء والمصنوعة صحية وآمنه أكثر من غيرها، لأنها تحافظ على تركيبة الماء والمعادن والعناصر الطبيعية الموجودة في الماء، كما أنها كانت مستخدمة في الأزمنة الماضية بين الآباء والأجداد".
ويقول رمضان: "نصنع كل ذلك بالإضافة إلى القدور الحرارية التي تستخدم في الطبخ، لأن الأكل في هذه الأطباق يكون ذو لذة خاصة ويتميز بأنه طبيعي وآمن، كما أنه ذو طعم خاص"، مؤكدا أن كل منتجات الفخار صحية وآمنة.
وأكد أن "السوق الليبي المتنوع يعتمد على المبيعات اليومية ويكون ملائما أحيانا ويصاب بالكساد في أحيان أخرى، كحال أي منتج آخر في ظل الظروف الراهنة".
وأشار إلى أن "العمل على هذه الصناعة يحتاج لخبرات ومهارات وإمكانيات خاصة، لأنه يتم تشكيلها حسب المنتج المتاح، أما شقاقه أو برادة ماء أو صحون وأواني للطبخ، يتم تجهيز الطين بوضعها في ماكينات خاصة معدة بدرجات حرارة مرتفعة".
تحف يدوية نادرة
وبحسب جولتنا في المصانع المحلية، يقول رمضان: "بعد عملية العجن تخرج وتتشكل حسب الطلب وحسب حاجة السوق، ثم توضع في الأفران، ثم تضاف عليها الألوان وتوضع مرة أخرى في الأفران وذلك لإتمام عملية التجفيف، ثم توضع في الفرن لمرتين ليست متتالية، حتى يتم الحصول على قطع خزفية مميزة وصحية وآمنة للأكل".
وقال رمضان إن "الأوضاع في السوق الليبي متقلب من حيث العرض والطلب، ويكون في بعض الأحيان ممتاز، وفي البعض الآخر لا حسب الوضع الاقتصادي للمواطن الليبي".
وأضاف: "تشتهر مدينة غريان الجبلية بصناعة الفخار والصناعات التقليدية، كما تحظى المدينة بإقبال كبير بزوارها الذين يقومون بشراء هذه المواد المصنوعة يدويا."
وتابع أن أسعار هذه المنتجات في متناول الجميع لأنها مصنوعة يدويا وبمواد محلية طبيعية، وقد صنعت بأيدي وخبرات ليبية ولذلك فإن أسعارها ملائمة ومعقولة للجميع.
الحياة الصحية
أما بالنسبة للموضوع الصحي، يقول رمضان إن هذه الأطباق والمواد المصنعة محليا بالفخار هي منتجات صحية بدرجة كبيرة جدا، بالإضافة لكونها تحفظ المياه بدرجة حرارة مبردة مع الحفاظ على عناصر المياه الطبيعية.
وتابع أن الأطباق والأواني الفخار صحية بدرجة كبيرة لا تتفاعل مع الحرارة في موضوع الألوان والزخارف الموجودة عليها حيث تعد الألوان غير آمنة لكونها تتفاعل مع درجات حرارة الكل المرتفعة، كما أن أطباق الفخار تكون على عكس أطباق الألومنيوم والأطباق الأخرى الضارة بصحة الإنسان.
وشدد رمضان في ختام حديث بنصيحته لكل المواطنين بضرورة استخدام أطباق الفخار والخزف ولا ينصحهم بباقي المصنوعات غير الصحية الضارة بالصحة العامة.
تعدد أسواق الفخار في المدينة
وعند تجوالنا في أسواق الفخار في المدينة، استوقفنا الشاب أيهم المبروك البالغ من عمره سبعة عشر عاما، الذي بدأ في حرفة صناعة الفخار قبل عامين من الآن أي في عمر الخامسة عشر عاما، وقال: "نقوم بوضع الطين الخام ويتم إدخاله في الماكينات الخاصة عن طريق العمال بالأيدي، ونقوم شراء المواد الخام الأخرى من مدينة سبها".
فن الصناعة
وقال المبروك في تصريحه لـ"سبوتنيك": "نقوم بخلط الطين بالماء بدرجات معينة، وهناك أنواع كثيرة من الطين منها الطين الأبيض والطين الأحمر والطين الأخضر، ثم يقوم العمال بوضعه في الآلات تصنع منها الأطباق، وبرادة الماء، والمحبس الليبي، والصحون وحلابة البازين وبعض المشغولات اليدوية الأخرى المتعددة".
وأشار المبروك إلى عمل الماكينات التي تقوم بصناعة الفخار، قائلا: "تتم إضافة الماء ليصبح عجينا متعددا سهل التشكيل بين أيدي العمال، ثم يتم إدخاله في الأفران ليستوي، ويضاف عليه الطلاء بألوانه المتعددة، ثم يتم إدخاله في الأفران مرة أخرى، وبعدها يتم تجهيزه لإضافة الطلاء اللامع، ثم يتم تجهيزها وعرضها في المحلات للبيع بالأشكال المتعددة".
وقال المبروك: "تحظى الصناعات المحلية باهتمام كبير من قبل السكان الذين يحترمون هذا الفن وهذه الأواني التقليدية، لأن هذه المصنوعات تستخدم في الأكلات الشعبية المعروفة كالبازين والرشدة وغيرها من المأكولات الأخرى".
ولفت المبروك بأنه "من الضروري في هذا الوقت أن يمتلك الشاب حرف أو صنعة أيدي ليقتات منها دون الحاجة للانحراف أو العيش بدون دخل ثابت"، وتابع أن الآباء والأجداد كانوا حريصون كل الحرص على أن يتعلم أبناؤهم حرفة تضمن لهم العيش في المستقبل، مشيرا إلى أن "هذا ما نشأنا عليه منذ الصغر".
بهذا الفن المزركش المتعدد في الأشكال والألوان، رصدت عدسة "سبوتنيك" سوقا شعبيا محليا يقع في مدخل مدينة غريان التي اشتهرت بهذه الصناعات التقليدية المعروفة.