وتناول تقرير نشرته مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية في الـ26 من الشهر الجاري، عدة نماذج للحروب التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، ويمثل الغرب طرفا فيها سواء بقوة مباشرة أو بما يقدمه من أسلحة للطرف الموالي له.
وكانت حرب غزة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل وما يحدث في جنوب البحر الأحمر بين "أنصار الله" والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، من أبرز الأمثلة التي تناولها التقرير وربط فيها بين التكلفة الباهظة التي تتحملها الجيوش الغربية والدول التي تتبنى استراتيجيتها العسكرية وبين التكلفة الزهيدة التي تتحملها فصائل المقاومة أو المجموعات المسلحة التي تحاربهم.
حرب غزة
يقول التقرير إن تكلفة الصواريخ التي تطلقها "حماس" على إسرائيل بأعداد كبيرة تتراوح تكلفتها بين 300 إلى 800 دولار للصاروخ، الذي تتطلب عملية اعتراضه إطلاق صاروخ من منظومة الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية" تصل تكلفته إلى 100 ألف دولار.
وحتى إذا وصلت تكلفة صاروخ "حماس" إلى ألف دولار، فإن ذلك يعني أن تكلفة صاروخ إسرائيلي واحد تعادل تكلفة 100 صاروخ من صواريخ "حماس".
ويمكن إدراك الفارق الكبير في التكلفة عندما يتعلق الأمر بإطلاق "حماس" 10 صواريخ على إسرائيل بتكلفة لا تتجاوز 10 آلاف دولار، بينما تصل تكلفة اعتراضها بـ10 صواريخ من "القبة الحديدية"، إلى مليار دولار.
كما أشار التقرير إلى فارق التكلفة الهائل بين تكلفة قذيفة "آر بي جي" (الياسين)، التي تصنعها "حماس" محليا، وبين تكلفة دبابة "ميركافا - 4 إم" الإسرائيلية التي يمكن تدميرها بهذه القذيفة.
ويقول التقرير إنه لا توجد تقديرات حول تكلفة قذيفة "الياسين" لكن عند مقارنتها بـ300 دولار، سعر قذائف "آر بي جي - 7" في السوق السوداء، يمكن تقدير تكلفتها بـ200 دولار عندما يتم تصنيعها محليا في غزة.
وأشارت المجلة إلى أن تكلفة دبابة "ميركافا - 4 إم" الإسرائيلية تقدر بـ3.5 مليون دولار، وهو ما يظهر الفارق الهائل في تكلفة الحرب، التي تتحملها إسرائيل مقارنة بالتكلفة التي تتحملها فصائل المقاومة الفلسطينية.
ولفتت المجلة إلى أن تكلفة دبابة "ميركافا" واحدة، تمكن "حماس" من إنتاج أكثر من 17 ألف قذيفة "آر بي جي" من طراز "الياسين"، التي تستخدمها "حماس" في تدمير المدرعات والدبابات الإسرائيلية.
كما قارنت المجلة بين تكلفة قذائف "الياسين" المضادة للدبابات وتكلفة صواريخ "جافلين" الأمريكية التي تحقق الهدف نفسه، مشيرة إلى أن تكلفة صاروخ "جافلين" واحد تمكن "حماس" من إنتاج نحو 400 قذيفة من قذائف "الياسين".
جنوب البحر الأحمر
في جنوب البحر الأحمر، نموذج آخر لفشل الاستراتيجية العسكرية الغربية التي تعتمد على امتلاك تقنيات عسكرية فائقة التطور لتحقيق نصر عسكري حاسم.
تقول المجلة إن استخدام جماعة "أنصار الله" اليمنية صواريخ وطائرات مسيرة رخيصة التكلفة لاستهداف السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل، ضمن ما أعلنت عنه لدعم الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، يعد نموذجا آخر لفشل الجيوش الغربية وفي مقدمتها الجيش الأمريكي.
وأشارت تقارير إلى أن تكلفة الطائرة المسيرة الواحدة التي تستخدمها "أنصار الله" ضد السفن المستهدفة في البحر الأحمر لا تزيد تكلفتها عن ألفي دولار، بينما تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية صواريخ دفاع جوي تصل تكلفة الواحد منها إلى مليوني دولار.
وتمكنت "أنصار الله" باستراتيجيتها منخفضة التكلفة أن تقوض قدرة الجيش الأمريكي والجيوش الغربية المتحالفة معها على التصدي لعملية استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل من باب المندب والبحر الأحمر.
وتقول المجلة إن الأمر ببساطة يرتبط بالتكلفة، فبينما تدعو بعض الأصوات إلى قصف مصادر إطلاق المسيرات والصواريخ في المناطق اليمنية التي تسيطر عليها "أنصار الله"، فإن هناك تساؤل مهم وهو: "ما هي الأهداف التي يمكن قصفها؟".
وتتابع: "تعتمد "أنصار الله" على استخدام منصات خفيفة ورخيصة ويمكن نقلها من مكان إلى آخر كما يمكن تشغيلها عن بعد، وهو ما يعني أن قصف تلك المنصات ستكون تكلفته باهظة دون تحقيق أي نتائج تذكر".
وخلاصة ما سبق، أن ما يحدث في غزة وجنوب البحر الأحمر، هو مواجهة مصيرية بين استراتيجية الغرب وإسرائيل العسكرية التي تعتمد على امتلاك أسلحة متطورة باهظة الثمن لتحقيق نصر عسكري سريع، وبين استراتيجية فصائل المقاومة الفلسطينية و"أنصار الله"، التي تعتمد على استنزاف العدو عسكريا واقتصاديا بأسلحة رخيصة يتم تصنيعها محليا.
ويواصل الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية ضد قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حينما أعلنت حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" التي تسيطر على القطاع بدء عملية "طوفان الأقصى"، حيث أطلقت آلاف الصواريخ من غزة على إسرائيل واقتحمت قواتها بلدات إسرائيلية متاخمة للقطاع، ما تسبب بمقتل نحو 1400 إسرائيلي علاوة على أسر نحو 250 آخرين.
وأسفر القصف الإسرائيلي والعمليات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة منذ الـ7 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حتى الآن وصلت إلى أكثر من 21 ألف قتيل وأكثر من 54 ألف مصاب.
وبفضل الأسلحة التي تصنعها فصائل المقاومة الفلسطينية محليا، تكبدت إسرائيل خسائر كبيرة في معداتها العسكرية وأبرزها التدمير المتواصل الذي تتعرض له دبابات "ميركافا" ومدرعات "النمر" وغيرها.
وأعلنت "أنصار الله"، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، "بدء اتخاذ إجراءات عملية للتعامل المناسب مع أيّ سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر"، مشددة على "أن العمليات ضد إسرائيل لن تتوقف حتى يتوقف عدوانها على غزة"، وهو ما واجهته الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالف دولي في البحر الأحمر ضم 10 دول هي أمريكا وبريطانيا، والبحرين، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وسيشيل، وإسبانيا، لكنه لم يفلح حتى الآن في منع استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل.
القدرات العسكرية لـ"حماس" في مواجهة الجيش الإسرائيلي
© Sputnik