وتشهد المنطقة توترات في أكثر من بقعة، ما يشير إلى إعادة التوازنات في المنطقة، خاصة بعد سيطرة تنسيقية حركات الأزواد في الرابع من أكتوبر/ تشرين الثاني 2023 على قاعدة عسكرية جديدة للجيش في شمال مالي، لتشكل بذلك القاعدة الخامسة التي تسيطر عليها التنسيقية.
يأتي ذلك في ظل تحذيرات من عودة جماعة "بوكر حرام" بشكل أقوى، وكذلك التخوفات من نشاط الحركات المسلحة التابعة للمعارضة التشادية، ما يترك أثره بشكل مباشر على دول شمال أفريقيا التي تربطها حدود مشتركة معها، منها الجزائر وليبيا.
ويمثل استدعاء السيناريو السابق الذي شهدته البلاد عام 2012، عندما سيطرت الجماعات الجهادية على شمال البلاد، والتمرد الذي كان يقوده الطوارق آنذاك ضد الحكومة المركزية، واستيلاء تلك الجماعات على مدينة تمبكتو، مخاوف عدة بالنظر للعلاقات القبائلية بين دول الساحل ودول شمال أفريقيا ومنها الجزائر وليبيا، وفق تحذيرات الخبراء.
من ناحيته، قال إحسان الحافظي، الخبير الأمني، إن منطقة الساحل تحولت اليوم إلى ما يشبه برميل بارود بسبب تنامي جماعات الإرهاب ودعوات الانفصال.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الوضعية الراهنة تؤثر بشكل مباشر على شمال أفريقيا التي تنظر إلى الساحل بوصفه المجال الأمني الحيوي لهذه البلدان، وخاصة المغرب وليبيا والجزائر.
ويرى أنه في ظل استمرار الأزمات السياسية بين محوريها المغرب والجزائر والجزائر وليبيا. ينعكس الأمر بصورة مباشرة على ضعف التنسيق الأمني بينها.
وأشار إلى أن تهديدات كبيرة في المنطقة بسبب الحاضنة الاجتماعية والمجالية التي أوجدتها معطيات تاريخية لها علاقة بالحرب الجزائرية على الإرهاب، تمثل تهديدات في المنطقة في الوقت الراهن.
ويرى أن انتشار التنظيمات المتطرفة التي استقرت في الساحل تشكل اليوم واحدة من المخاطر الأمنية على استقرار المنطقة، وعلى بناء الدولة الوطنية في هذه الرقعة من أفريقيا.
ويمثل الإرهاب أكثر المخاطر التي تهدد هذه المنطقة، إذ ساعد على انتشاره اندحار تنظيم "داعش" (المحظور في روسيا وعدد من دول العالم) في البؤر التقليدية داخل سوريا والعراق، وبالتالي تحول الساحل إلى قاعدة خلفية جديدة.
كما يعد استمرار نموذج الدولة الفاشلة واتساع الحدود في هذه المنطقة، أحد العوامل المهددة والتي تتيح مساحة للجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى وجود صراعات عرقية ومشاكل اجتماعية واقتصادية ونزوح وهجرة داخل ما يسمى المثلث الحدودي بين تشاد وبوركينافاسو والنيجر.
وفق الخبير الأمني، فإن كل المؤشرات تشير إلى أن الجماعات المتطرفة استثمرت في هذه الوضعية والدليل هو تنامي فصائل هذه التنظيمات، واتساع وقعها في الساحل وخليج غينيا وصولا إلى الشرق الأفريقي في موزمبيق تحديدا.
تزامنت هذه الوضعية المعقدة مع عودة الانقلابات العسكرية إلى المنطقة التي تزيد في تعقيد المشهد في الساحل الذي تحول إلى مركب أمني جهوي بتعقيدات كثيرة، وفق الخبير الأمني.
يقول الأكاديمي التشادي إسماعيل محمد طاهر، إن الاوضاع السياسية في دول الساحل وموجات الهجرة غير الشرعية، بالإضافة للعلاقات بين القبائل في الدول الأفريقية ودول شمال أفريقيا تترك أثرها هي الأخرى.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن دول شمال أفريقيا لديها حدود مباشرة مع دول الساحل، ما يؤثر بشكل متزايد إثر استثمار الحركات الإرهابية للأوضاع السياسية والخلافات بين الدول.
ويرى الأكاديمي التشادي أن الحركات الإرهابية تزيد من سيطرتها على مناطق بعينها كما حدث في شمال مالي، والنيجر بالقرب من بحيرة تشاد، كما هو الحال في بوركينا فاسو، وهي مناطق مهمة ومحورية بالنسبة لحركة التجارة.
وحذر من عودة حركة "بوكو حرام" للنشاط بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، مستغلة الأوضاع في المنطقة والانشغال السياسي، وكذلك الخلافات بين الأنظمة السياسية في المنطقة، الأمر الذي يحول دون تنسيق كبير بين هذه الدول.
ووقّعت مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في السادس عشر من سبتمبر/ أيلول 2023، ميثاق ليبتاكو – غورما، وهو اتفاقية دفاع مشترك، بموجبها تعهدت كل دولة بالتدخل لدعم بقية دول التحالف الثلاثي حال تعرضه للتهديد.