وفي هذا الشأن، يقول المحلل السياسي فوزي الحداد، إن "الخلاف بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة هو خلاف قائم منذ زمن بعيد منذ انتخابات مجلس النواب وإعادة ظهور المجلس الأعلى للدولة "المؤتمر الوطني السابق" الذي هو رفات قديم، وإعطاءه الصفة الاستشارية بعد الاتفاق السياسي بالصخيرات".
وأضاف في تصريحه لـ"سبوتنيك" أن "الأمور أصبحت واضحة وأن هذين المجلسين يتناوبان على الخلافات والادعاءات والاتهامات المتبادلة دوما، ولكن المهمة الحقيقية التي نص عليها الاتفاق السياسي هي مهمة استشارية فقط للمجلس الأعلى للدولة، وحتى هذه اللحظة مجلس النواب لا يريد أن يتعامل مع المجلس الأعلى للدولة بخصوصها، بسبب التداخلات السياسية الكبرى، خاصة بعد أن تم فقدان التواصل أو الاتفاق في الرؤى بين الرئيسين بعد انتخاب محمد تكالة رئيسا للأعلى للدولة، اتسعت الخلاف كثيرا بين الاثنين على اعتبار أن تكالة مناصر وقريب جدا من معسكر عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة، وبالتالي أن رئيس مجلس النواب ومجلس النواب اعتبروا أن تكالة طرف في الخلاف وليس شريكا في العمل السياسي".
المشاركة في الصلاحيات
وأكد الحداد أن المجلس الأعلى للدولة لا يمتلك الصلاحيات التي يمتلكها مجلس النواب، هو مجرد جسم استشاري منح هذه الصفة، بعد مناورات كثيرة قادتها الأمم المتحدة، أدت إلى ظهوره، وسمي هذا الاتفاق بالاتفاق السياسي، منح من خلالها الأعلى للدولة صلاحية استشارية ينبغي أن تعرض عليه القوانين التي يقرها مجلس النواب ومن ثم تعود مرة أخرى إلى مجلس النواب لإقرارها بعد أن تكون قد تمت الموافقة عليها داخل المجلس الأعلى للدولة، خاصة فيما يتعلق بمسألة المناصب السيادية.
وأوضح أن "الخلاف سوف يستمر لأنه لا يجمع المجلسين رؤى مشتركة، فالمجلسان فشلا على مدار عشر سنوات في التوافق على أي قضية كانت رغم كثرة الاجتماعات بينهم، سواء في الداخل أو الخارج، خاصة حول مسائل مهمة كالدستور أو التوافق على القوانين الانتخابية، ولكن كل هذا لم يتم التوافق عليه، ولكن يكون هناك أي توافق مثمر في المستقبل لأي حل سياسي للأزمة الليبية".
وأشار إلى أن "الحدة في خطاب تكالة مبررة لأن مجلس النواب أسقط من حساباته التعامل مع المجلس الأعلى للدولة وأصبح البرلمان يصدر في القرارات دون التعاون أو الإشارة إلى المجلس الأعلى للدولة، وبالتالي فإن هذا التهميش ضايق رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ولكنه مسؤول عنه لكونه منحازا للدبيبة بل أنه يفعل كل ما يعزز هذا التحالف بينهم، وخاصة الحركة الأخيرة التي قام بها وهي استخراج ملف الحقائب السيادية السبعة التي اتفق عليها المجلسين عليها في المغرب، ولكن عندما وصلت إلى المجلس الأعلى للدولة وضعت في الأدراج وإهمال الرد عليها، حتى أخرجها تكالة الأسبوع الماضي ليلهي بها مجلس النواب عن المشاورات الدائرة حاليا للإطاحة بحكومة الدبيبة".
ويرى الحداد أن "المجلس الأعلى للدولة أصبح اليوم طرفا أساسيا في الصراع إلى جانب الدبيبة، هذا ما ينظر له مجلس النواب ولهذا أهمل مجلس النواب التعاون معه في إصدار القرارات، وتكرر هذا الأمر في الفترة الأخيرة".
واعتبر أن "الجمود السياسي سوف يستمر وليس هناك أفق للحل، وأن الجميع في حالة ارتياح للوضع الحالي، ليس هناك ما يهدد أي جسم تشريعي أو سياسي أو حكومي، كلها تعمل، وتتحصل على ميزانياتها من محافظ البنك المركزي الصديق الكبير، الذي يلعب على كل الحبال بحسب ما تمليه ضرورة الانتقال من وضع إلى آخر، وأن العالم من حول ليبيا مرتاح لما يحدث في ليبيا، بعيدا عن التأثيرات الإقليمية أو الدولية التي تخرج من ليبيا، وأن الوضع سيكون على ما هو عليه، ولا يتصور حدوث حل سياسي في المدى القريب".
تراشق الاتهامات
وفي السياق ذاته، يقول المحلل السياسي حسام الدين العبدلي، إن "خطاب تكالة كان واضحاً جداً ولا توجد فيه عبارات مبهمة، حيث أن المجلس الأعلى للدولة أصبح يحس بأنه لا قيمة له عندما مجلس النواب أقر تشريعات من دون الرجوع إليه، حيث أن مجلس الدولة ذو صفة استشارية حسب اتفاق الصخيرات واستشارته ملزمه، ولكن يبدو بأن مجلس النواب ورئيسة عقيلة صالح أصبحت له حدية في الرد، حيث أكد في الجلسة الأخيرة أمام نوابه في رد صريح علي محمد تكالة بأن النواب هو الجهة الوحيدة التشريعية في ليبيا ولا يحق لأحد التدخل في القوانين، وأضاف بأن الاتفاق السياسي الذي بينهم وبين المجلس الأعلى للدولة يمنح الأعلى للدولة الاستشارة في الانتخابات والاستفتاء على الدستور فقط، وهنا يقصد اتفاق الصخيرات الذي يستمد منه المجلسان شرعية بقائهما".
وأضاف في تصريح خاص لـ"سبوتنيك": "في تطور خطير يؤكد عقيلة صالح في رسالة غير مباشرة لتكالة بأنه إن لم تلتزم باتفاق بوزنيقه الملزم الذي أقرته لجنة 6+6 الذي يقود البلاد إلى انتخابات، فإن البرلمان أيضاً غير ملزم باتفاقك الذي يجعلك وصياً على الجهة التشريعية".
وتابع العبدلي، أنه "بالنسبة للأعلى للدولة، فهو جهة لا تملك نفس صلاحيات البرلمان بحسب اتفاق الصخيرات الذي رعته بعثة الأمم المتحدة وتم الاتفاق عليه سنة 2015، ولكنه ينص بأن استشارة المجلس الأعلى للدولة ملزمة وعدم موافقته على أي قانون يوضح أسبابها، وماهي التعديلات وهذا قبل إعلان أي قانون في الجريدة الرسمية للمجلس النواب".
وأشار إلى أنه أصبح المجلس الأعلى للدولة يشبه دور (مجلس الشيوخ) في الدول الأخرى، ويبدو بأن من وضع قوانين الاتفاق السياسي في سنة 2015 كان يحاول إرضاء الأطراف لنجاح الاتفاق السياسي للخروج بالبلاد من الانقسام، وهنا يقصد المبعوث الأمم السابق إلي ليبيا برناردينيو ليون.
اعتبر العبدلي أن تراشق الكلمات ما بين مجلسي النواب والدولة لا قيمة له لسبب واحد، لأن مجلس النواب يطعن في اتفاق الصخيرات الذي مدد له وأرجع له الشرعية، والمجلس الأعلى للدولة رفض اتفاق بوزنيقه الشرعي الذي شارك فيه بكل قوة وقدم تنازلات والآن يتملص مما فعل، ويقول إن ما يحدث هو تبادل أدوار فيما بينهم في مسلسل لن تنتهي حلقاته وهو بقاؤهم في السلطة ولا نية لهم من الخروج من المشهد وهذا قولاً واحد لا يختلف عليه اثنين.
وتابع بأن "تأثير ما يحدث على الانتخابات هو عدم وجود انتخابات في الأفق القريب، لعدة أسباب منها رفض المجلس الأعلى للدولة للقوانين التي تم إقرارها في بوزنيقه، ومن بعدها أصبح الحديث علي هذه القوانين هامشياً من قبل البعثة الأممية وأصبحت تدفع بوسائل بديلة ومنها الطاولة الخماسية"، مؤكدا بأنه لن تكون هناك انتخابات في 2024، ويبدو بأن الوجوه الموجودة سوف يطول أمد بقائها، لأن الشعب الليبي لا يملك حلًا لهذا الانقسام وصوت الشارع خافت، بحسب العبدلي.
ووفقا للعبدلي، "لا يوجد حدة في خطاب تكالة وما هي إلا أوراق لا قيمة لها مثلما كان يفعل السابقون له ممن تناوبوا علي رئاسة المجلس الأعلى للدولة، ولكنه يرى بأن بداية هذه السنة حساسة جداً على مجلسي النواب والدولة وبالذات عند وصول العجز في ميزانية الدولة لأكثر من 9 مليار دولار، وهذا بحسب بيان مصرف ليبيا المركزي، وأيضاً وصول سعر الصرف أمام الدولار لأكثر من 6 دينار في سوق السوداء".