لماذا اندثرت الصناعات المحلية في ليبيا... صور

تمتلك العديد من دول العالم صناعات محلية خاصة بها توفر لها مزايا اقتصادية، وكانت ليبيا زاخرة بالمنتجات المحلية المتعددة منذ ستينيات القرن الماضي، وشمل ذلك المواد الغذائية والعصائر والملابس والأحذية والأثاث وغيرها من الصناعات.
Sputnik
لكن العديد من تلك الصناعات اختفت أو تراجع وجودها في القطاع العام على الرغم من وفرة الموارد الطبيعية في البلاد، التي تتميز بثروات كبيرة بحرية وتعدينية وزراعية.
وكانت الثروات الطبيعية والتعدد الكبير في المزروعات من أكبر العوامل المساعدة في الصناعة، أما اليوم، فقد اندثرت الصناعة في القطاع العام في ليبيا بصورة كبيرة، مع تنامي ملحوظ في الصناعات في القطاع الخاص.

غياب الصناعة المحلية

وفي هذا الإطار، يقول رئيس الغرفة الاقتصادية الليبية المصرية المشتركة إبراهيم الجراري: "تعد الصناعات المحلية رافد من روافد الاقتصاد الوطني، والاهتمام بها ودعمها يسهم في زيادة الإنتاجية ويخفض من معدلات البطالة".
ويعتقد الجراري، في تصريحه لـ"سبوتنيك"، أن الصناعات الغذائية والتقليدية لا تزال تنافس المنتجات الخارجية، على الرغم من ضعف الإمكانيات المحلية في البلاد".
ولفت إلى أن غياب الصناعة المحلية سببه أن فرص ممارسة الأعمال الصناعية أصبحت غير مناسبة بالنسبة لفروق الأسعار.
مجتمع
الصناعات التقليدية في ليبيا موروث ثقافي لم يندثر... صور وفيديو
وقال المسؤول الليبي إن "القطاع الخاص هو الأكثر نشاطا في الوقت الحالي، ولعل الاقتصاد الليبي تغير بدرجة كبيرة خلال هذه الفترة، ودعم القطاع عن طريق الاستثمار والمصارف والمؤسسات يسهم في تطويره ومساهمته في تكوين الناتج المحلي الإجمالي".
وتابع: "لا يقتصر دور غرف التجارة على التنظيم فحسب، وإنما دورها يتمثل في زيادة الإنتاج المحلي ونقل المعرفة والتقنية لجميع القطاعات الاقتصادية والتجارية والصناعية وغيرها"، مضيفا: "أما في ما يتعلق بمستقبل الصناعة فيجب أن يتوفر فيها شروط ممارسة الأعمال".
ولذلك، يرى إبراهيم الجراري أنه في الوضع الحالي بدأت المزيد من الاستثمارات تتجه إلى ليبيا وخاصة في المناطق الأكثر استقرارا.
ويعلق الأكاديمي الليبي علي الشريف، المتخصص في الشؤون الاقتصادية على اختفاء الصناعات في ليبيا سواء الصناعات الزراعية المتعلقة بإنتاج الدواجن والألبان أو الصناعات الأخرى.
ويقول الشريف: "في عام 1977، غاب القطاع الخاص بالكامل وتولت الدولة القيام بالنشاط الاقتصادي بالكامل وشمل ذلك إنشاء العديد من المشروعات والمصانع".
وقال الشريف، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك": "كان هدف الدولة في تلك الفترة هو محاولة تحقيق اكتفاء ذاتي والتقليل من الواردات، وتخفيض معدلات البطالة ولم يكن الهدف ربحي، لأن هذه المشاريع كانت تتبع الدولة".
وتابع: "لكن في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، في فترة انخفاض أسعار النفط، لم تستطع الدولة تقديم الدعم بالشكل السابق، وبالتالي توقفت عن دعم هذه المشروعات في نهاية الثمانينات وفتحت برامج الخصخصة والتحول للقطاع الخاص".
وأوضح على الشريف: "كل المشروعات الممولة من الدولة أصبحت تتعرض لخسائر وتتحمل تكاليف ثابتة متمثلة في العمالة، حتى يتوقف المشروع عن العمل"، مضيفا: "لأنها مشروعات قطاع عام، أصبحت الدولة ملزمة بتوفير مرتبات لهم، على عكس ما يحدث في الاقتصاد الحر، حيث يتم تسريح العاملين عندما تتوقف المنشأة عن العمل.
1 / 11
اندثار الصناعات المحلية في ليبيا
2 / 11
اندثار الصناعات المحلية في ليبيا
3 / 11
اندثار الصناعات المحلية في ليبيا
4 / 11
اندثار الصناعات المحلية في ليبيا
5 / 11
اندثار الصناعات المحلية في ليبيا
6 / 11
اندثار الصناعات المحلية في ليبيا
7 / 11
اندثار الصناعات المحلية في ليبيا
8 / 11
اندثار الصناعات المحلية في ليبيا
9 / 11
اندثار الصناعات المحلية في ليبيا
10 / 11
اندثار الصناعات المحلية في ليبيا
11 / 11
اندثار الصناعات المحلية في ليبيا
وقال الشريف: "عندما توقفت هذه المصانع والمشاريع بالكامل بسبب الخسائر المتكررة لعدة سنوات، تم عرضها للخصخصة إلا أن المصانع التي تم بيعها للعاملين بها، لم يتم إدارتها بشكل جيد، بحكم تعودهم على سياسة الدعم المستمر".
وتابع: "لهذا السبب توقف الإنتاج في جميع المصانع العاملة في ليبيا في تلك الفترة حتى الآن، باستثناء بعض الصناعات البسيطة التي تعتبر صناعات أقل من تحويلية وإنما هي صناعات تعبئة وتغليف وإعادة بيع في السوق الليبي فقط، بينما الصناعات التي تخلق قيمة مضافة حقيقية غابت عن السوق الليبي.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن عودة هذه الصناعات يحتاج إلى سياسة اقتصادية واضحة تكون مبنية على خطط اقتصادية صريحة، يكون فيها القطاع الخاص له دور هام وحيوي بحيث تقوم الدولة بتوفير المقومات للقطاع الخاص فقط، بحيث إذا كان هناك عجز في تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة، تكون الدولة ضامن لهم، وحاضنة لهم، عندها ستكون هذه بمثابة نقطة للبداية.
وشدد الأكاديمي الليبي على ضرورة توفير التمويل والدعم الفني ومساعدتهم على توريد المواد الخام وتوفير الحماية الجمركية لهم في توفير السلع، مضيفا: "كل هذه العوامل ربما سوف تساهم وتساعد في عودة الصناعات المحلية ومساعدة المستثمر المحلي، وتحاول أن تخلق بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر الذي سوف يكون له دور كبير جدا خاصة وأن ليبيا دولة تملك الكثير من الموارد من المواد الأولية لهذه الاستثمارات".
ليبيا تحيي اليوم العالمي للمياه… تحديات تواجه مشروع النهر الصناعي العظيم
وأكد على الشريق أن الاستثمار الأجنبي سيكون له دور مهم في عملية زيادة الصادرات وتقليل الواردات، وزيادة فرص العمل والمساهمة في تقليل البطالة، وزيادة احتيطي الدولة من العملات الأجنبية، وزيادة الوعاء الضريبي، وهي عوامل سوف يكون لها تأثير في عودة الصناعة للقطاع الليبي وتحقيق معدلات نمو بعيدا عن القطاع النفطي.
تزخر ليبيا بالكثير من الموارد الطبيعية والثروات المعدنية والشواطئ الخلابة التي تمتد على طول البحر المتوسط بمسافة تقدر بأكثر من 2000 تقريبا، لا يتم الاستفادة منها، ولم تجد هذه الموارد إدارة حقيقية لاستغلالها بالشكل الأمثل.

استغلال الموارد المتاحة

وفي هذا الإطار يقول الأكاديمي الليبي حسن الدمنهوري إن الاعتماد على الموارد الطبيعية المحلية يعتبر من أهم أسباب تقدم الدول بحيث يتم الاستفادة من كل الموارد المتاحة، وأن هذا الأمر لن يتحقق إلا في دولة متقدمة تعتمد على الإنتاج المحلي ولا تعتمد على الغير في الصناعة.
وتابع الدمنهوري، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك" أن الشعب الليبي يستهلك كل شيء وغير قادر على الإنتاج، وأن هذا الأمر يتعلق بكل المواد المستوردة من الخارج، وبالتالي أصبح هذا الشعب عاجز إلى حد كبير حسب تصريحه.
ليبيا… استياء من استغلال التجار لأزمات البلاد ورفع أسعار المواد الغذائية والخضروات
وأضاف أن الشعب الليبي ينتج ما لا يستهلك، ويتمثل هذا الإنتاج في البترول الذي يذهب للدول الكبرى، ولم يستفد الشعب الليبي من هذا المورد الهام شيء، ولم يتم توظيف البترول وإدارته بالشكل الصحيح في تعيين الشباب والقضاء على البطالة، كما أنه لم يتم استغلاله في الصناعة ولا في المشروعات الصغرى والكبرى في الدولة.
وقال الدمنهوري: "عند الاحتلال الايطالي لليبيا تم التركيز على قطاع الصناعة، مع العلم بأن أهم مزارع البرتقال تم تشييدها في تلك الفترة بالإضافة لعدة مشاريع صناعية أخرى".
وأشار إلى اندثار المصانع المحلية التي كانت منتشرة في السابق مثل مصنع الكبريت والدخان وغيرها من المصانع، مضيفا: "إهمال الدولة لقطاع الصناعة مع غياب تشجيع القطاع الخاص، أدى إلى ولادة شعب مستهلك غير منتج يعاني من البطالة".
وأشار إلى أن ليبيا دولة مترامية الأطراف، وهناك آلاف من الصناعات التي يمكن القيام بها، وأوضح بأن لدى ليبيا ساحل كبير من الممكن استغلاله في صناعة السفن، ويمكن إنشاء قطارات طويلة تساهم في ينقل البضائع من شمال البلاد إلى جنوب أفريقيا.
واعتبر حسن الدمنهوري أن الطاقة الشمسية التي تعتبر من أهم موارد البلاد، والتي تشرق على مدار العام بالكامل، بالإضافة إلى الرمال، والنباتات الطبية، القطاع السياحي بجميع أشكاله، لم تستغل كل هذه الثروات في الصناعة التي تعتبر هي معيار تقدم الدول وتساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وقال الدمنهوري إن "الصناعة المحلية تحتاج إلى دعم من الدولة، وهناك النظام التشاركي بحيث يكون بنسب معينة على أن تمتلك الدولة 51 في المئة و49 في المئة للقطاع الخاصة، وذلك لتشجيع القطاع الخاص والصناعة المحلية، وفي هذه الحالة يمكن الاستغناء عن المواد الخام من الخراج والاعتماد على الموارد المتاحة.
وتابع يمكن بذلك حماية الصناعات المحلية لأن المنتجات المحلية نفتقد للحماية، لأن هناك منتجات يمكن توريدها من دول أخرى بأسعار أقل، وبالتالي سيكون هناك خسارة كبيرة للتجار وعجز تام، وحدث هذا الأمر في ثمانينات القرن الماضي عندما فتح باب التوريد ودخلت بضائع بأسعار أقل من الصناعات المحلية الأمر الذي سبب خسارة كبيرة للتجار المحليين والصناعة المحلية.
وقال الأكاديمي الليبي: "يفترض أن تدعم الصناعات المحلية من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ويتم تفعيل إقامة الورش والندوات بدعم الصناعات المحلية، حيث تبقى الدولة هي الأساس في هذا الملف الذي عجزت في إدارته، وأشار بأن ليبيا كانت زاخرة بالكثير من المصانع المحلية التي توزعت على جغرافيا الدولة في المدن والمناطق بالكامل فكل مدينة تميزت بصناعات معينة، وشدد على أن الدولة لم تستفد من الموارد المتاحة حتى الآن.

تحديات الصناعة في القطاع الخاص

ومن جهته يرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي رجب خليل، أن الأسباب متراكمة وتجاوزت الخمسين عاما، ففي نهاية الخمسينات والستينات وبداية السبعينات كانت هناك قاعدة صناعية للقطاع في ليبيا وكانت مؤثرة جدا من حيث توفير السلع الأساسية والضرورية، وحدت من الاستيراد، وكانت هناك نهضة اقتصادية كبيرة، كما كانت الصناعات الغذائية رائدة في ليبيا.
وتابع خليل، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك" أنه بعد التحول الذي حدث في السبعينات حدثت إهمال، نتج عن هذا الإهمال عدم الأخذ بالعوامل التي تشجع الصناعة المحلية من حيث حماية المنتجات والدعم للصناعات.
وقال: "كانت فترة الزحف على المصانع الخاصة التي قام بها النظام السابق وتفعيل النظام الاشتراكي كانت مدمرة للنظام الصناعي في ليبيا، بالإضافة لعدم وجود مؤسسات تؤهل الليبيين للاهتمام بالصناعة والبنية التحتية لها من كهرباء وموانئ وتوفير المواد الخام".
ليبيا... إنتاج النفط يتجاوز 432 مليون برميل خلال 2023
وأشار إلى أنه "بعد فترة السبعينات وبعد تخلي الدولة عن فكرة الاشتراكية، حاولت ليبيا إطلاق العنان لتفعيل القطاع الخاص، ولكن بعد فكرة الزحف على ممتلكات المواطنين ومصانعهم سببت هذه المسألة انعدام ثقة لدى رؤوس الأموال، مع غياب عناصر مدربة تخوض الصناعة".
وأوضح رجب خليل أن الصناعة في دول العالم هي مسألة ثقافة التأسيس بالمشاريع الصغرى والمصانع العائلية المهتمة بالصناعة، وقابلة للتطوير، كما أن معاهد التكوين لم تكن قادرة على تخريج خبرات في هذا المجال، بينما كانت هناك منافسة من دول العالم التي باتت تنتج سلع بأسعار منافسة جدا.
وأكد خليل أن هناك مواد أولية يمكن أن تقام عليها صناعات محلية، ولابد من وجود تهيئة من الحكومة وتخصيص مناطق صناعية يمكن أن تقام عليها مدن صناعية بعيدا عن العشوائية، وأن كل المصانع التي انتشرت كانت تفتقر للتكامل بين الصناعات، لأن كل المصانع تحتاج لمصانع تغليف بالقرب منها، مع وجود حاجة لأيادي ماهرة لمتابعة أمور الصيانة.
ولفت إلى معاناة بعض المناطق في صعوبة الوصول إليها من ناحية الطرق وإمدادات الكهرباء والمياه، المواد الخام متوفرة، ولكن هناك صعوبة في استغلالها، وهناك دور كبير يقع على الدولة في ملف التنمية الذي لم يحظى بالاهتمام، وضرورة تهيأت المواد الخام والاستفادة منها.
هل تملك ليبيا وتونس تفعيل "ممر تجاري" نحو دول جنوب أفريقيا؟
وأوضح بأن من أسباب تعثر الصناعة في ليبيا هو القضاء على الطبقة الرأسمالية الوسطى التي نشأت في فترة الستينات حتى بداية السبعينات، ولم يكن هناك تراكم للثروة لتمكين الناس، وكانت هناك عقدة أخرى في البنوك عندما كانت القروض ذات الفائدة لم يكن الأهالي يرغبون في الاقتراض من هذه البنوك لدواعي دينية، ولم تكن هناك شركات مساهمة لتجميع رأس مال لتأسيس وحدات صناعية، كما أن البنوك تحتاج إلى ضمانات مرهونة مقابل القروض التي كانت سوف تمنحها وأن الأشخاص الذين كانوا يمتلكون الرغبة في الاقتراض لم تكن لديهم ضمانات الاقتراض، وكل هذه الأمور ساهمت في غياب القطاع الخاص في السنوات الماضية.
واعتبر خليل أن السوق الليبي محدود وليست هناك بنية تحتية للتصدير، وأن عدد سكان ليبيا لا يسمح بالإنتاج بالكميات الكبيرة التي تحقق الأرباح، قائلا أن هذا الأمر يحتاج الأسواق الخارجية ولم تهتم الدولة من هذا الجانب ولم تهتم بالاتفاقيات الثنائية المشتركة بين الدول، أو أن تفتح الأسواق الخارجية للمنتجات الليبية، كما أن هناك مشكلة كبيرة ساهمت في تعثر الصناعة وهي مشكلة الجمارك وهي استقبال البضائع الخارجية بدون جمارك أو رسوم تذكر، على كل البضائع القادمة من دول العالم وهو أمر لا يوفر حماية للصناعة المحلية.
وتابع: "لا بد من وجود ضريبة جمركية على البضائع التي تدخل البلاد لحماية الصناعة المحلية".
وشدد الخبير الاقتصادي الليبي على ضرورة وجود صناعات محلية في ليبيا، لأن ليبيا تمللك مساحات أرض شاسعة قريبة من مناطق الاستهلاك، إضافة إلى أن المناخ في ليبيا عامل مساعد، كما أن رخص الكهرباء ومواد الطاقة حوافز كبيرة على تطوير قطاع الصناعة في ليبيا، لكنه أشار إلى أن الاستقرار السياسي والأمني عامل كبير جدا في تطوير الاقتصاد والصناعة والزراعة والخدمات.
وتابع: "من الضروري استغلال التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي الذي سهل الكثير من المشاكل، فالمجتمع الليبي مجتمع شاب وقادر على توفير الكوادر البشرية والأيدي العاملة بشكل كبير".
مناقشة