ما المخاطر التي تهدد الاقتصاد المصري إذا ما تم تخفيض جديد للجنيه أمام الدولار الأمريكي؟

لم ينقطع الحديث منذ شهور طويلة حول موعد التخفيض الجديد لسعر صرف الجنيه بعد أن وصل السعر في السوق الموازية إلى أكثر من ضعف السعر الرسمي، لكن الاجتماع الأخير للبنك المركزي حرك الفائدة ولم يتطرق للتعويم أو التحريك.
Sputnik
يرى مراقبون أن السبب الرئيسي لعدم إقدام مصر على تلك الخطوة رغم مطالبات صندوق النقد الدولي والضغوط الداخلية والخارجية يرجع إلى المخاطر الكارثية التي سوف تلحق بالاقتصاد في حال التعويم دون توافر الدولار في السوق، الأمر الذي يفاقم كل الأزمات ويأخذ البلاد إلى طريق مجهول.

ما هي المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد المصري إذا ما أقدمت البلاد على تخفيض جديد للجنيه في الوقت الراهن؟

بداية تقول الخبيرة المصرية في سوق المال، حنان رمسيس، أن أي قرار لتعويم الجنيه أو تحريك سعر الصرف قبل توافر قدر كافي من الدولار سيكون له مخاطر كبيرة.

مخاطر كبيرة

وأكدت في حديثها لـ"سبوتنيك" أن مصرسوف تتعرض لمخاطر لا حصر لها إذا ما تم تحريك أو تعويم الجنيه إن لم يكن هناك توافر للدولار، لأن تلك الخطوة سوف تؤثر بالسلب على الاقتصاد جملة وتفصيلا.
وتابعت رمسيس: "عدم توافر الدولار حال القيام بالتحريك أو التعويم مجددا سوف يعمل على زيادة المضاربة على الدولار في السوق الموازية وبالتالي سوف يرتفع سعره، ويترتب على ذلك تعميق المشاكل الاقتصادية، علاوة إلى أن سعر صرف الدولار سوف يرتفع إلى معدلات قياسية وغير مسبوقة نظرا لأن هناك طلب كبير وندرة في العرض".
خبيرة اقتصادية لـ"سبوتنيك": أستبعد "تعويم الجنيه" المصري في المرحلة الحالية
وأضافت خبيرة سوق المال: "المواطن المصري في الوقت الراهن يطلب الدولار بشكل كبير لكي يحتاط من التقلبات في سعر الصرف أو بمعنى آخر يكتنز الدولار للتغلب على معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية، الأمر الذي يعني أن هناك طلب وليس هناك عرض مما يزيد من السعر الذي يتم التداول به خارج السوق الرسمية".

تكلفة الديون

وأوضحت رمسيس أن أي تخفيض جديد لسعر الصرف سوف يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الديون الخارجية لمصر وتعميق مشاكلها الاقتصادية، ومع ارتفاع معدلات التضخم المصاحبة لعملية التحريك، سوف تظهر مشكلة الواردات من الخارج، وبالتالي توقف قنوات الإنتاج وانخفاض الكميات المنتجة وبالتالي توقف المصانع، يتبع ذلك زيادة في معدلات البطالة".
وأشارت خبيرة سوق المال إلى أنه علاوة على المشاكل السابقة، ستكون هناك مشاكل أخرى إذا تم التحريك بسعر غير موافق للسوق الموازية، وهذا يعني أنني أقوم بدعم السوق الموازية وأقول للمتعاملين بها لديكم الحق في اكتناز الدولار وهنا ستكون أزمة ومأساة اقتصادية بالنسبة لمصر، علاوة على أنها سوف تبدد المتحصلات الدولارية التي تدخل للدولة من خلال المشاركات والاستثمار وغيرها، وهنا يتعرض البرنامج الاقتصادي للفشل الذريع.

سلة العملات

من جانبه يقول أبو بكر الديب، الباحث المصري المتخصص في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أن ربط الجنيه المصري بسلة من العملات من شأنه إعطاء مزيد من المرونة لنظام الصرف الأجنبي ويساعد مصر على العبور من الأزمة الاقتصادية الحالية دون تعويم الجنيه، فضلا عن عدم الحاجة لزيادة الفائدة ومنع التقلبات وكبح التضخم.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن قرار المركزي المصري بربط الجنيه بالعملات الأجنبية والذهب بديلا عن الدولار يعني الخروج من عباءة الدولار وسيطرته على الاقتصاد. وبالتالي، فإن الربط بسلة عملات أجنبية مثل الروبل واليوان واليورو والين والاسترليني يقضي على أزمة الدولار ويخفض الطلب عليه.

دعم الجنيه

وقال الديب، يجب دعم قيمة الجنيه السوقية عبر مختلف الآليات، بما يضمن زيادة قوته الشرائية مع تنويع الاحتياطي الأجنبي وضم الروبل واليورو واليوان له كمرحلة أولى تليها مرحلة تضم عملات أخرى.
وأشار الباحث في الاقتصاد السياسي، إلى أن مصر لن تجد صعوبات كبيرة في التحرر من التبعية للدولار، حيث أن واشنطن ليست الشريك التجاري الأساسي لمصر، كما أن انضمام مصر إلى منظمة بريكس ومؤسساتها المختلفة بالتعاون مع منظمة دول شنغهاي للتعاون، يساعد في مسار تغيير عملة تسوية المعاملات التجارية بقبول تلك التسويات بالعملات المحلية لتلك المجتمعات المختلفة، من أجل تعديل الموازين التجارية وقبول تسوية المعاملات بالجنيه المصري.
خبيرة اقتصادية لـ"سبوتنيك": لا تعويم ولا تحريك لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار
ولفت الديب إلى أن هناك هدف آخر للتحول إلى سلة العملات أو عدد من العملات وعدم بقاء الدولار هو المؤشر الوحيد لقوة وضعف الجنيه، وهو إيجاد سعر صرف واقعي بدلا من الاعتماد على عملة رئيسية مثل الدولار، ومحاولة بناء احتياطي نقدي متنوع من العملات وليس فقط بالدولار.
يذكر أن سعر صرف الدولار أمام الجنيه في السوق الموازية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية قد وصل إلى معدلات قياسية بعد أن تجاوز 70 جنيه للدولار الواحد قبل أن يتراجع إلى ما دون 60 جنيها في الوقت الراهن.
وخلال الفترة من 2016 وحتى الآن، يتجدد الحديث كل فترة عن السعر العادل لصرف الدولار الذي شهد ارتفاعات قياسية مقابل الجنيه المصري خلال السنوات الماضية، حيث تزامن تعويم البنك المركزي المصري في نوفمبر /تشرين الثاني 2016 مع إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتمت زيادة سعر صرف الدولار من مستوى 8.88 جنيه إلى 13 جنيها، ثم واصل الدولار ارتفاعه ليسجل في الوقت الحالي مستوى 30.85 جنيه في البنوك المصرية.
جدير بالذكر أن انضمام مصر رسميا لتكتل "بريكس"، قد يمكنها من معالجة الفجوة التمويلية التي تقدر بنحو 17 مليار دولار، والمتوقعة حتى عام 2026، من خلال العملة الموحدة التي يسعى الأعضاء لاعتمادها.
زيارة أردوغان إلى مصر.. أهداف سياسية واقتصادية مهمة
ووفق بيانات الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، فقد ارتفعت استثمارات دول "بريكس" في مصر، من 610.9 مليون دولار في العام المالي 2020 / 2021، إلى 891.2 مليون دولار في 2021 / 2022، بنسبة زيادة 45.9 في المائة.
كما زادت قيمة التجارة بين مصر ومجموعة "بريكس" بنسبة 10.5 في المئة، في الفترة من 2021 إلى 2022، لتصل إلى 31.2 مليار دولار في 2022، من 28.3 مليار دولار في 2021.
وسجلت زيادة قيمة الصادرات المصرية إلى دول "بريكس" بنحو 4.9 مليار دولار عام 2022، مقابل 4.6 مليار دولار عام 2021.
ووفقا لرصد نشرته صحيفة "الاقتصادية" المصرية، يضيف الأعضاء الجدد في الـ"بريكس" نحو 3.2 تريليون دولار من الناتج المحلي إلى المجموعة الحالية، ليرتفع حجم التكتل بنسبة 12.3 في المئة، ليصبح 29.23 تريليون دولار، مقابل 26.04 تريليون دولار قبل انضمام الأعضاء الجدد.
"ستاندرد آند بورز" تتوقع خفض مصر لقيمة الجنيه ليتواءم مع السوق الموازية
ووفقا للناتج المحلي لعام 2022، يمثل الأعضاء الجدد 3.2 في المئة من الاقتصاد العالمي، ما سيرفع حصة "بريكس" من 26 في المئة من الناتج المحلي العالمي إلى 29.2 في المائة بعد الانضمامات الجديدة.
كما ستصبح مجموعة "بريكس" منافسا أقوى لـ"مجموعة السبع" الصناعية التي يبلغ حجم اقتصاد دولها 43.8 تريليون دولار، مشكلة 43.7 في المئة من الاقتصاد العالمي في 2022، بينما دول تكتل "بريكس" 29.2 تريليون دولار، تمثل 29.2 في المئة من الاقتصاد العالمي للعام ذاته.
تجدر الإشارة إلى أن التعداد السكاني لدول "بريكس" أكثر من 3 مليارات و200 مليون نسمة، فيما تعد اقتصاداتها من أكثر الاقتصادات النامية في العالم، ويتنبأ لها محللون ببلوغ نسبة نمو 40 في المئة من الاقتصاد العالمي بحلول 2025، قبل أن تترجمها الصين صاحبة المرتبة الثانية كأقوى اقتصاد في العالم سنة 2020، وحلت الهند خامسًا، والبرازيل ثامنًا وروسيا في المرتبة 11.
مناقشة