ما بين الداخل والخارج.. ما موقف اليهود المغاربة من القضية الفلسطينية؟

أكد المغرب في أكثر من مناسبة أن موقفه من الدفاع عن القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتأثر بعلاقته مع إسرائيل، لكن ثمة أسئلة تتعلق بموقف اليهود المغاربة في الداخل المغربي والإسرائيلي، وكيفية تعاطيهم مع الأزمة.
Sputnik
منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تعالت الأصوات المغربية التي أدانت ما تقوم به إسرائيل في غزة، بل نظمت العديد من الاحتجاجات ضد الممارسات الإسرائيلية، في وقت كانت تعتقد فيه إسرائيل أنها تحظى بقبول واسع في الشارع المغربي، لكنها صٌدمت بالموقف، كما في كل الدول العربية، وفق خبراء.
تعد المغرب هي الدولة العربية الأولى التي تتواجد فيها جالية يهودية كبيرة، وهناك مئات الآلاف منهم في إسرائيل، وبعضهم في مراكز صنع القرار، الأمر الذي يطرح تساؤلات بشأن الموازنة بين موقف المغرب البلد الأصل، وإسرائيل التي انتموا إليها فيما بعد.
موقف محرج
قال الدكتور علي السرجاني، المحلل السياسي المغربي، إن موقف اليهود المغاربة من القضية الفلسطينية "محرج جدا"، خاصة أنهم يظلون أوفياء لإسرائيل والمغرب في آن واحد.
وأضاف، في حديثه مع "سبوتنيك"، أنه يوجد نحو 3 آلاف مغربي يهودي في المغرب، فيما يصل عدد المقيمين في إسرائيل من أصول مغربية إلى مئات الآلاف من الطائفة اليهودية".
إعلام: رجال أعمال وسياح إسرائيليون يغادرون المغرب بعد اندلاع الحرب
ويوضح، في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الطائفة اليهودية في المغرب يتمسكون بمغربيتهم قبل كل شيء، ويحاولون طوال الوقت الإنصات لصوت العقل والحكمة في القضية الفلسطينية.
ولفت إلى أن الزيارات التي يقومون بها إلى المغرب أن موقف اليهود المغاربة المقيمين في الداخل المغربي يتأثرون بسماعهم للمغاربة هنا وآراءه بشأن القضية، ويمكنهم أن يأثروا في المشهد إيجابا بشأن القضية الفلسطينية".
الموقف الرسمي
ويرى أن موقف المغرب من القضية الفلسطينية يلتزم بالدفاع عنها باستمانة، مع الاعتبار لضرورة علاقات قوية مع طرفي الأزمة، وهو ما تحظى به المغرب من قبل إسرائيل والفلسطينيين.
وحسب إحصائيات الوكالة اليهودية، يبلغ عدد اليهود المغاربة اليوم حوالي 600 ألف نسمة، يعيش منهم في إسرائيل 490 ألفاً، وفي فرنسا 50 ألفاً، وفي كندا 27 ألفاً، وفي المغرب 3000. ويوجد لهم مستشار كبير للملك هو أندريه أزولاي.
مواقف غير دقيقة
من ناحيته قال الباحث المغربي عمر لمغيبشي، إنه لا يمكن معرفة موقف كل اليهود المغاربة من القضية الفلسطينية بشكل موضوعي، سواء بالسلب أو بالإيجاب، سواء بنصرة وتأييد القضية الفلسطينية أو بدعم إسرائيل.
وأضاف، في حديثه مع "سبوتنيك"، أن هناك عدة مواقف تختلف باختلاف المرجعيات والأيديولوجيات والأشخاص أيضا، ومع ذلك يمكن القول إن يهود المغرب ممن فضلوا عدم الهجرة إلى إسرائيل يعلنون دائما عن دعمهم للمواقف الرسمية للمملكة المغربية".
ومضى بقوله: "نحن نعلم أن سياسة المغرب منذ فجر الاستقلال (أي منذ 1956ميلادية) كانت تقوم على إدماج العنصر اليهودي ضمن سياساته العمومية بالرغم من الضغوط التي كانت مارستها بعض الأحزاب السياسية، وفي إطار هذه السياسة، تقلد عدد لا بأس به من اليهود المغاربة مناصب سياسية مهمة، منها تعيين اليهودي ليون بن زاقين وزيرا للصحة في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال".
الآلاف في المغرب يتظاهرون ضد حرب غزة والعلاقات مع إسرائيل.. فيديو
ووفق الباحث، ظلت هذه السياسة قائمة إلى الآن، مع شخصيات يهودية مغربية أخرى كمستشار جلالة الملك محمد السادس أندري أزولاي، وسيرج بيردوغو، السفير المتجول للمملكة والأمين العام لمجلس الجماعات اليهودية بالمغرب، الذي شغل سابقا منصب وزير السياحة.
واتسمت مواقف الكثير من يهود المغرب برغبتهم في الحفاظ على الجذور التاريخية التي تربطهم ببلدهم الأم المغرب، ويتضح ذلك جليا في اختيار كم هائل منهم العيش بالمغرب أو بدول أوروبية وبالقارة الأمريكية عوضا عن الانتقال إلى إسرائيل كتعبير ضمني عن موقفهم الإيجابي من القضية الفلسطينية.
مناهضة الصهيونية
يؤكد الباحث الباحث المغربي عمر لمغيبشي، "على وجود عدد من المناهضين العلنيين للصهيونية الرافضين للاحتلال الإسرائيلي بكل أشكاله، والداعمين في الوقت نفسه للقضية الفلسطينية". ويمثل هذا التيار عدد من المفكرين والباحثين، كان على رأسهم الروائي والمناضل إدموند عمران المالح، الذي ظل ثابتا على مواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية إلى غاية مماته، والمناضل السياسي أبراهام السرفاتي.
وكان أتباع هذا التيار يعلنون في كل لقاءاتهم عن حقوق الشعب الفلسطيني وعدالة قضيتهم.
وبالنسبة لليهود المقيمين في المغرب، فإن العدد غير محدد لأسباب عديدة، أهمها أن عددا منهم يعيش متنقلا بين المغرب ودول أخرى أهمها فرنسا وإسبانيا، لكن العدد التقريبي يتراوح ما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف على أقصى تقدير، ممن لا يزالون يعيشون في المدن المغربية خصوصا بالدار البيضاء.
وقد عرف المغرب بعد استئناف علاقاته مع إسرائيل قدوم العديد من اليهود بغرض الاستقرار (دون وجود رقم دقيق).
بعد خطوة البحرين... ما مستقبل العلاقات بين إسرائيل والمغرب؟
أما فيما يتعلق بعدد اليهود المغاربة المقيمين داخل إسرائيل فيقارب المليون يهودي، ذلك أن الإحصاءات المتوفرة تشير إلى أن "واحدا من كل ستة إسرائيليين من أصل مغربي".
وتابع: "كان هؤلاء عاشوا العديد من المشاكل في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي بسبب صعوبة اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي، ومع مرور الوقت اندمجوا بشكل كلي في الحياة السياسية والاقتصادية، لذلك نجد العديد منهم يشغل مناصب مهمة داخل الكيان الإسرائيلي، فلطالما ضمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وزراء من أصول مغربية".
مغاربة الأصل في حكومة الحرب
واستطرد :"من العار أن يكون أبناء اليهود المغاربة ضمن التشكيل الحكومي الإسرائيلي المتطرف الحالي الذي يقوده نتنياهو، ومن المخزي مساهمتهم في حصار غزة وتجويع أهلها وتهجيرهم وتقتيلهم وتشريدهم وطمس معالم مدينتهم أمام مرأى ومسمع العالم نهارا وجهارا، ومنهم وزير الداخلية والقائد السياسي الفعلي لحركة "شاس" آرييه مخلوف درعي المكناسي، الذي ولد بمدينة مكناس عام 1959، ووزير الأمن الداخلي أمير أوحانا، ودافيد أمسالم وزير الاتصال بين الحكومة والكنيست ونائب من حزب الليكود، بالإضافة إلى كل من ميري ريغيف: وزيرة المواصلات والبنى التحتية، وأورلي ليفي أبي قاسيس - ابنة عضو الكنيست والوزير الأسبق دافيد ليفي- التي تشغل منصب وزيرة تعزيز المجتمع، وكذلك عمير بيرتس وزير الاقتصاد والصناعة المولود بأبي الجعد بالمغرب عام 1952، وميراف كوهين وزيرة المساواة الاجتماعية، وميخائيل بيتون وزير الشؤون المدنية في وزارة الدفاع، ويكي زوهر مخلوف ممثل الائتلاف في البرلمان الإسرائيلي، ورافائيل(رافي) بيرتس وزير شؤون القدس والتراث".
مواقف متباينة
بشأن تباين المواقف بين من يعيشون في إسرائيل ومن يعيشون في المغرب، قال الباحث المغربي: "الذين يعيشون في إسرائيل لهم موقف مخالف لمن ظل بالمغرب، أو ممن فضل العيش خارج إسرائيل، أما الذين يعيشون بالمغرب أو الذين فضلوا عدم الهجرة والاستقرار بإسرائيل فغاليا ما يكون موقفهم مناهضا للسياسات العدوانية الإسرائيلية".
ومضى بقوله: "أولئك الذين فضلوا العيش في مستوطنات بنيت على منازل الفلسطينيين، والذين يحملون السلاح ويقتلون إخواننا الفلسطينيين ليسوا كباقي اليهود المغاربة الذين نأوا بأنفسهم عن هذه السياسات العدوانية، ولم يشاركوا في المجازر التي تقع في فلسطين، ولم تتلطخ أيديهم بدماء الأبرياء الفلسطينيين".
هل تتأثر الاتفاقيات بين المغرب وإسرائيل بالأحداث في غزة
وتابع: "لنا أن نستحضر عددا من المحطات التاريخية التي أرخت لمواقف ثابتة لعدد كبير من اليهود المغاربة المناهضين لسياسات الاستيطان الممنهجة التي قامت بها إسرائيل، ويأتي على رأسهم المناضل اليساري أبرهام السرفاتي، الذي رفض طلبات تجنيس دولة الاحتلال ووقف إلى جانب الشعب الفلسطيني مدافعا عن قضيتهم منذ البداية، كما قام بزيارة قواعد الثورة الفلسطينية في الأردن، ونتيجة لذلك منحته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين العضوية داخل تنظيماتها، وعينت له منظمة التحرير الفلسطينية محامياً لمؤازرته في محاكمته سنة 1977".
و نفس الموقف ينسحب على يهودي مغربي آخر هو الأديب والمناضل المغربي إدمون عمران المالح ابن مدينة آسفي، الذي فضل الاستقرار بالمغرب عوض الهجرة إلى فلسطين في وقت هاجر فيه جيرانه وإخوانه في الملة. والمهم في شخصية أدموند عمران المالح أنه كان من أشد المعارضين للحركة الصهيونية، وكان دائما يقول "نحن مغاربة يهود، ولسنا يهود مغاربة".
واستمر هذا الرفض والتنديد بالسياسات الإسرائيلية حتى بعد قرار استئناف تبادل السفارات مع إسرائيل، حيث عبر العديد من يهود المغرب عن معارضتهم للتقارب الإسرائيلي المغربي لأنهم رأوا في ذلك خدمة للجالية المغربية اليهودية بدولة الاحتلال. ويأتي على رأس هؤلاء اليهودي المغربي سيون أسيدون عضو "الجبهة المغربية لدعم فلسطين"، المعروف بمواقفه ضد التطبيع والصهيونية، وقال في كثير من وتصريحاته إن الصهيونية هي سبب انتشار معاداة السامية في العالم العربي والإسلامي.
وبشأن الموقف الرسمي للمملكة، يوضح: "موقف المغرب كان واضحا منذ البداية سواء على المستوى الرسمي، ونقصد هنا ما يتعلق بالقرارات الصادرة من الدوائر السياسية العليا أو من طرف الشعب المغربي".
ويرى أن تبادل السفارات بين المغرب وإسرائيل لا يعني ولم يكن يعني تخلي الشعب والحكومة المغربيين عن القضية الفلسطينية لأنها تعتبر في صلب السياسة الخارجية للدولة ومن ضمن انشغالاتها الوطنية والدولية، والتاريخ شاهد على مثل هذه المواقف.
مطالب شعبية بإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في المغرب... ما إمكانية تنفيذ الخطوة؟
وأوضح: "العاهل المغربي هو رئيس لجنة القدس، وكان الحسن الثاني قد أخذ على عاتقه مبادرة إنشاء وكالة بيت مال القدس الشريف عام 1998م من أجل الحفاظ على الحقوق العربية والإسلامية للقدس. وفي هذا الإطار، فقد تابع العالم مؤخرا ما قام به المغرب من أجل إيصال المساعدات إلى أهل غزة".
وفي خلاصة لموقف المغاربة اليهود من القضية الفلسطينية يسجل الباحث ما عبرت عنه الجماعة اليهودية المغربية مؤخرا من شجب وامتعاض للرسالة التي وجهها شمعون أحيون، رئيس منظمة الإسرائيليين من أصل مغربي، إلى ملك المغرب محمد السادس، يخاطبه فيها بوقف خروج المسيرات بشوارع المملكة لدعم حماس، وقد عبر حينها جاكي كادوش، رئيس الجماعة اليهودية المغربية بجهة مراكش، عن رفض الجماعة اليهودية بالمغرب عن مثل هذه المواقف متبرئا من الرسالة المذكورة ومن خطاب كاتبها، موضحا أن المغاربة اليهود في تناغم دائم ومستمر مع السياسة الخارجية للبلاد ومع مواقف المملكة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال معارضة خيارات بلدهم المغرب وعاهلهم الملك محمد السادس.
ويواصل الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية ضد قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأسفر القصف الإسرائيلي والعمليات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة عن مقتل نحو 32 ألف قتيل ونحو 73 ألف مصاب، إضافة إلى آلاف المفقودين، حسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
مناقشة