في ظل تلك الأجواء المريرة لم تعد هناك الطقوس الرمضانية وموائد إفطار الصائمين إلا في بعض المناطق البعيدة عن جبهات الصراع، وجميعها أيضا تأثر بالأزمات التي تعيشها باقي الولايات، علاوة على ندرة المواد الإغاثية ومستلزمات الحياة والخدمات.
بفعل تلك الحرب تحول السودان إلى معسكر كبير للنزوح واللجوء، فالغالبية الكبرى من المواطنين يعيشون في المدارس ومعسكرات الإيواء والخيام، بلا خدمات أو معونات وأدوية، حتى أن العديد من التقارير الدولية والمنظمات الأممية حذرت من كارثة جوع محدقة بالسودان، بدأت تظهر أعراضها في العديد من المناطق بوفاة عدد من الأشخاص جوعا.
لم يعد هناك مجال للحديث عن أجواء رمضانية في بلد مزقته الحرب الأهلية ودماء شعبه لم تجف منذ 15 أبريل/ نيسان 2023. الأوضاع مأساوية والواقع شديد القسوة والحصار المطبق من جانب كل طرف على المناطق التي يسيطر عليها هو عنوان المشهد الرمضاني الحالي في السودان.
المعاناة مستمرة
بداية يصف لنا عادل عبد الباقي، رئيس منظمات المجتمع المدني، الأوضاع بقوله: "يعاني النازحون السودانيون في الولايات الأمرين نتيجة نقص الغذاء وصعوبة الحصول على العمل وقلة العائد منه إن وجد، حيث يتم استغلال ظروفهم المعيشية لأداء أعمال الزراعة والبناء بعائد مادي زهيد، كما أن توقف الرواتب الشهرية لمعظم نازحي ولاية الخرطوم ولا سيما المعلمين والموظفين يزيد المعاناة".
وقال عبد الباقي: "مع دخول شهر رمضان المعظم لم يجد النازحون عونا من الجهات الرسمية وتم توزيع مساعدات إنسانية تكاد لا تذكر ولا تغطي 5 في المئة من احتياجاتهم الأساسية".
وتابع في حديثه لـ"سبوتنيك": "يأمل السودانيون في هذا الشهر العظيم أن يستجيب الله لدعائهم وأن تقف تلك الحرب التي شارفت على العام، التي سلبت الناس ما يملكون من حياة كريمة كانوا يعيشونها قبل ذلك".
وأشار رئيس المنظمات إلى أن الحصار الممنهج على كردفان ودارفور تسبب في تدهور الأوضاع الإنسانية كليا، وقرار الأمم المتحدة بالضغط على أطراف الصراع لفتح الممرات الإنسانية يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح ، لكن وبكل أسف ليس هناك إغاثة لتوصيلها وتقديمها للمواطنين العزل الذين هم في أمس الحاجة إليها.
مجاعة في شهر رمضان
من جانبها، تقول المسؤولة في منظمات الإغاثة بولاية الجزيرة عائشة أبكر، إن المجاعة تضرب 75 في المئة من ولايات السودان والمواطنون لا يحصلون على ما يسد رمقهم في شهر رمضان المبارك.
وأضافت، في حديثها لـ"سبوتنيك": "يعاني النازحون السودانيون في الولايات من نقص الغذاء وصعوبة الحصول على العمل وقلة العائد منه إن وجد، حيث يتم استغلال ظروفهم المعيشية لأداء أعمال الزراعة والبناء بعائد مادي زهيد، كما أن توقف الرواتب الشهرية لمعظم نازحي ولاية الخرطوم ولا سيما المعلمين والموظفين ساهم في زيادة المعاناة".
وتابعت أبكر: "مع دخول شهر رمضان لم يجد النازحون يد العون من الجهات الرسمية، وقد تم توزيع مساعدات إنسانية تكاد لا تذكر ولا تغطي 3 في المئة من الاحتياجات الأساسية ويأمل السودانيون في هذا الشهر العظيم أن يستجيب الله لدعائهم وأن تقف تلك الحرب".
ذكريات من الماضي
وسط هذا الظلام الحالك والوضع المأساوي يعود بنا عبد الرحمن الأمين، إعلامي سوداني، إلى سنوات مضت عندما كان التلاحم الاجتماعي من الطراز الأول، حيث كانت السمة الغالبة لمعظم ولايات السودان منذ اليوم الأول في الشهر الكريم، أنك تجد المنازل والشوارع والطرقات قد تحولت بعد صلاة العصر إلى موائد للإفطار وإطعام الطعام.
وتذكر الأمين، في حديثه لـ"سبوتنيك"، تلك الأوقات عندما كان الناس لا يجلسون في بيوتهم بعد رؤية هلال شهر رمضان ولا تغلق أبواب المنازل، بل يتم إيقاف المارة قبيل أذان المغرب للإفطار خاصة في الطرق العابرة بين الولايات، فكان كل أهل القرى والمدن الواقعة على تلك الطرق يتكافلون فيما بينهم لاستضافة هؤلاء المسافرين، وتلك كانت السمة الغالبة لأهل السودان في السنوات الماضية عندما يأتي رمضان.
أوضاع قاسية
ويعود بنا الأمين، إلى الوضع الراهن وحالة التشرد ومرارة العوز والفاقة التي يتجرعها اليوم المواطن الذي لم يجد حتى البيت الذي كان يفتح بابه في رمضان، بل لا تكاد تجد مظاهر رمضانية إلا في بعض المناطق البعيدة وهي مظاهر مفعمة بالألم بسبب الحرب.
واستطرد الأمين: "في السنوات السابقة كانت الأسواق عامرة بمن يتسوقون ويشترون ما لذ وطاب ويشمل ذلك أشياء كان يعد شراؤها من الترف، أما المقتدرين ماليا فيقومون بإعداد "السلة الرمضانية" التي تحتوي على الكثير من احتياجات الأسرة ويوزعونها على الفقراء والمحتاجين إضافة إلى الجمعيات الخيرية، التي تقوم بهذا الدور، لكن هذه الأشياء اختفت في ظل الوضع الراهن".
المرأة السودانية في شهر رمضان
بدورها تقول الناشطة السودانية في العمل الإنساني أمل محمد: "كانت المرأة هى أحد المظاهر المهمة في رمضان لأنها تقوم بالإعداد لهذا الشهر وشراء الاحتياجات وترتيب المنزل وإعداد الطعام".
وأضافت لـ"سبوتنيك" بنبرة حزينة على ما يجري في بلادها: "كانت هناك فرحة كبيرة تنتظر رمضان كل عام وخاصة في اليوم الأول لدى الأطفال، كما أن الشباب كانوا يقومون بعد صلاة العصر بالتنظيف والترتيب أمام منازلهم ووضع المفروشات استعدادا للإفطار واستقبال أي ضيف يمر عليهم وقت الأذان، حيث تجد التراحم والعطف والتسامح بين الناس".
وتتواصل منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي، اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق متفرقة في السودان، حيث يحاول كل من الطرفين السيطرة على مقار حيوية، بينها القصر الجمهوري ومقر القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادة قوات الدعم السريع وعدد من المطارات العسكرية والمدنية.