كان رب الأسرة يحمل عبء تسديد الديون المتراكمة، وفي الوقت ذاته يحتاج أطفاله للكثير من السلع خلال شهر رمضان، لكنه محرج من الذهاب للبقال مرة أخرى لطلب سلع جديدة، دون تسديد الديون المتراكمة، وفجأة أخبره البقال بأن "فاعل خير" سدد ديونه، وبإمكانه الحصول على ما أراد لأطفاله.
مشهد تكرر آلاف المرات خلال شهر رمضان في المغرب، بعد أن وصلت مبادرة "تحدي الكارني" إلى مئات القرى والمدن هناك.
"تحدي الكارني" هي مبادرة مغايرة لكل ما عرف عن أعمال الخير في شهر رمضان، إذ لم تقدم سلة غذائية أو مائدة إفطار، أو وجبات سريعة، لكنها حرصت على أن تصل للأكثر احتياجا لتخفيف عبء الديون عنهم.
ما هو " الكارني"
"الكارني" هو نظام مالي يعتمده المغاربة مع محال البقالة في الأحياء والمناطق الشعبية "دفتر مالية"، بحيث يمكن للأسرة الحصول على كل متطلباتها الغذائية من "البقال"، الذي يسجل السلع وقيمتها المالية في الدفتر، على أن تسدد القيمة المالية نهاية الشهر، أو حين يحصل رب الأسرة على راتبه.
في الكثير من الحالات، تتراكم الديون على الأسرة لدى البقال لأشهر طويلة، ما يضاعف الأعباء على الأسر لأشهر طويلة في ظل التضخم وارتفاع الأسعار، فتضطر الأسر للتوقف عن الحصول على متطلباتها أو تحصل على كميات أقل من حاجتها.
فكرة المبادرة التي أطقلها مجموعة من النشطاء، تهدف بالأساس لتسديد ديون المديونين، بطريقة تحافظ على كرامتهم وتعففهم، ودون المجاهرة بذلك.
تقول شيماء سمداني، المتحدثة باسم المبادرة لـ"سبوتنيك"، إن المبادرة دشنت قبل ثلاث سنوات، بهدف تسديد الديون دون علم المديونين.
توضح في حديثها مع "سبوتنيك"، أن المبادرة لم تهدف لجمع المال ودفعه عبر الأعضاء عن المديونين، بل تركت الأمر لكل شخص في أي مكان يمكنه المبادرة بدفع الدين عن الأسر الفقيرة دون حتى علمهم، حيث يذهب إلى البقال (يثق به) ويترك عنده مبلغ مالي ليسد منه دين بعض الأسر التي تراكمت عليها الديون وأصبحت غير قادرة على ذلك.
تضيف أن هدف قضاء الدين دون المجاهرة له فائدة تحفظ كرامة رب الأسرة، وتحمس أكبر عدد ممكن من المواطنين على روح العطاء وفعل الخير دون مجاهرة، كما تساعد على انتشار الأمر على أوسع نطاق في جميع القرى والمدن.
فيما يقول حمزة الترباوي، عضو الحملة، إن الحملة تهدف بالأساس لترسيخ السلوك لدى جميع المغاربة، بحيث يتكرر بشكل تلقائي من المواطنين والأسر المقتدرة.
يضيف في حديثه مع "سبوتنيك"، إن عدد المشاركات في الحملة غير معلوم، نظرا للاعتماد على عدم المجاهرة، إذ يذهب البعض لتسديد الدين عن الأسر الفقيرة من تلقاء نفسه دون أن يخبر أحد وينصرف.
يوضح أن أعضاء الحملة يلاحظون التفاعل عبر أصحاب محال البقالة الذين يؤكدون تفاعل أعداد كبيرة من المواطنين، وتسديد دين الكثير من الأسر التي تراكمت عليها الديون منذ أشهر طويلة.
ويرى أن الحملة تناسب الثقافة المغربية، إذ يدفع أحد الأشخاص الدين عن شخص لا يعرفه، ولا يحتاج إلى كشف نفسه، فيما يرفع الحرج عن الشخص المستفاد من المبادرة، ليبقى صاحب محل البقالة هو حلقة الوصل الموثوق به من الطرفين، والذي يعود مرة أخرى لتزيد الأسر بحاجاتها دون تخوف كبير، كما كان في السابق.
تعتمد المبادرة في المقام الأول على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يقوم الأعضاء كل عام بالحديث عبر وسائل الإعلام وصفحاتهم على المواقع المختلفة، لتشجيع الأفراد في عموم المملكة على القيام بفعل الخير في أقرب نقطة له، وربما لسد الدين عن الأسر الفقيرة المتعففة التي يعرفها في محيطه.