ومع تطور نوعية المعارك وتصاعدها بشكل لافت، يستبعد مراقبون الدخول في حرب واسعة، لا يريدها أي من أطراف الصراع أو القوى الدولية، باستثناء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتتواصل المعارك في الجنوب اللبناني بين "حزب الله" من جهة والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى، منذ أكثر من ستة أشهر، وتتوسع العمليات بشكل يومي على طول الحدود الجنوبية من رأس الناقورة إلى مزارع شبعا.
تطور المعارك
اعتبر سركيس أبو زيد، المحلل السياسي اللبناني أن "مسألة التصعيد في الجنوب مرتبطة بشكل أساسي بالوضع في غزة، والمحاولات القائمة حتى الآن، من أجل الاتفاق على وقف إطلاق النار، وهذا لم يحدث حتى الآن، مما سيؤدي تدريجيا إلى تصعيد الوضع في المنطقة بما في ذلك جنوب لبنان".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك": "هناك محاولات لاحتواء التصعيد والحرب الشاملة من خلال البدء في وقف إطلاق النار في غزة، أما في الجنوب فالموضوع مرتبط بخصوصية الصراع اللبناني الإسرائيلي".
وقال أبو زيد: "إن إسرائيل لا تزال تسعى إلى شريط حدودي يفصل ما بينها وبين لبنان، إضافة إلى محاولات لتطبيق القرار رقم 1701، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض التعديلات من أجل إيجاد هذا الشريط، وإبعاد المقاومة اللبنانية من الحدود إلى الداخل، بالإضافة إلى إعطاء دور أكبر لقوات اليونيفيل والجيش اللبناني، وهناك مساع أوروبية وفرنسية تحديدا لتأمين هذا الموضوع".
ويرى المحلل السياسي أن "التصعيد في لبنان حتى الآن لا يزال مضبوطا من خلال الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والقوى الفاعلة على الأرض، وهناك تصعيد للضغط وإيجاد حل سياسي، مع ترك الاحتمال لتطور المعارك إلى حرب أوسع".
وقال أبو زيد: "البعض يعتقد أن هناك تحضيرات من أجل اجتياح إسرائيلي بري، وهذا مستبعد لأنه سيكون مكلفا، باعتبار أن المقاومة تملك أسلحة فتاكة ستكون مكلفة لإسرائيل، ولن تستطيع أن تتحملها، حيث هناك قوة ردع قوية لا يمكنها تحملها".
ويعتقد أن "الوضع في الجنوب لا يزال يراوح بين حرب محدودة، وإمكانية التصعيد في حال تطور الوضع بشكل متصاعد في غزة، أو داخل الجبهة اللبنانية".
وأوضح أبو زيد: "أن هناك مساع أوروبية وأمريكية بتطبيق هذا الموضوع، لكن هناك مراهنات إسرائيلية من أجل التصعيد وتوريط واشنطن في حرب تضع حدا للحوار المتقدم الآن مع إيران والسعودية والدول العربية، وذلك لأن وصول للحوار لنتائج ستكون إسرائيل الخاسر الأكبر".
تعقيدات متصاعدة
في ذات السياق، أكد أسامة وهبي، الناشط المدني اللبناني أن "التصعيد مستمر ما دامت الحرب قائمة في غزة، وهناك توجه إسرائيلي من أجل إفراغ رفح من النازحين في شمال ووسط القطاع للدخول في معركة لإنهاء الحرب كما يعتقد نتنياهو والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين وطرد أو قتل قيادات حماس".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك": "ربط "حزب الله" الحرب في الجنوب بحرب غزة، وقال حينما تتوقف الحرب هناك تتوقف في جنوب لبنان".
وأردف: "إن هناك مستويات جديدة في نوعية السلاح والاستهدافات التي تحدث على الجبهة بين "حزب الله" وإسرائيل، وبالتالي لا نزال في مرحلة تصعيد وتعقيدات تتخلل المفاوضات بين حماس وإسرائيل:.
وقال وهبي: "هناك محاولات أمريكية وعربية لفك الارتباط بين الحرب في الجنوب وغزة، لكن "حزب الله" يصر على أن الحرب بدأت في دعم القطاع ومستمرة حتى انتهاء العدوان هناك".
ويرى الناشط المدني: "أن التعقيدات لا تزال مستمرة والأفق مسدود، والتصعيد العسكري والميداني يزداد يوما بعد يوم، لكن الثابت الوحيد أنه لا يوجد طرف من الأطراف لديه نية بالذهاب نحو حرب شاملة، باستثناء نتنياهو الذي يحاول التصعيد، وعدم إنهاء الحرب كي لا يواجه مصير السجن".
وأوضح أن "إيران لا تريد حرب وكذلك أمريكا، والكل شاهد الرد الإيراني الناعم والمدروس حيث حاول ألا يصيب إسرائيل بأضرار تستدعي ردا عنيفا يقودها إلى الحرب".
ويعتقد وهبي أن "الأمور لا تزال في دائرة الحرب المستمرة بلبنان حتى توقفها في غزة، وعندها سنرى إذا كانت إسرائيل قادرة على الذهاب لحرب في لبنان، وهو أمر مستبعد حيث لا تزال إسرائيل عالقة في رمال غزة، ولم تتمكن من تحقيق أي إنجاز أو هدف من أهدافها المعلنة، ودخوله في لبنان لن يكون نزهة بل مكلف جدا، والجيش الإسرائيلي سيخرج منهكا من غزة ولن يكون قادرا على فتح جبهة في غزة أشد وأقوى".
ولا تزال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة مستمرة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حينما أعلنت حركة حماس الفلسطينية، التي تسيطر على القطاع، بدء عملية "طوفان الأقصى"؛ وأطلقت آلاف الصواريخ من غزة على إسرائيل، واقتحمت قواتها بلدات إسرائيلية متاخمة للقطاع، ما تسبب بمقتل نحو 1200 إسرائيلي غالبيتهم من المستوطنين، علاوة على أسر نحو 250 آخرين.
وردًا على هجوم "حماس"، تعهدت إسرائيل بـ"القضاء" على الحركة، وشنت هجوما كبيرا على غزة أودى بحياة نحو 34 ألف فلسطيني حتى الآن، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، إضافة إلى نحو 77 ألف مصاب، حسب وزارة الصحة في غزة.
وفي غضون ذلك تتواصل المساعي الإقليمية والدولية للتوصل إلى صفقة تبادل للأسرى ووقف لإطلاق النار في غزة.