وتأتي هذه القمة على ضوء اللقاء الذي جمع قادة الدول الثلاث على هامش قمة الدول المصدرة للغاز في الجزائر في مارس/ آذار الماضي، والذي تم الاتفاق فيه على عقد لقاءات دورية بين الدول الثلاث.
وبحسب البيان الذي قرأه وزير الخارجية التونسي نبيل عمار، فإن الاجتماع التشاوري الأول لهذه القمة اختتم بالاتفاق على الحفاظ على دورية انعقاده بالتناوب بين الدول الثلاث من أجل الارتقاء بالعلاقات بين الدول الثلاث إلى مرحلة جديدة تقوم على العمل الجماعي وإجراء مشاورات شاملة من أجل توحيد المواقف المتعلقة بقضايا المنطقة، ومن بينها الهجرة غير النظامية في شمال المتوسط ودول جنوب الصحراء.
كما اتفقت قيادات الدول الثلاث على تسريع في تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين تونس وليبيا والجزائر وتيسير تدفق السلع وتنقل الأفراد مع إقامة مناطق تجارية حرة بينها".
وتم الاتفاق أيضا على تكوين فرق عمل مشتركة مهمتها "صياغة آليات لإقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة في مجالات وقطاعات ذات أولوية"، من بينها إنتاج الحبوب والعلف وتحلية مياه البحر، على أن تكون هناك "نقاط اتصال" لمتابعة مدى تنفيذها.
وتطرح هذه القمة الثلاثية تساؤلات بشأن الأهداف البعيدة المرجوة منها، ونقاط استفهام حول غياب كل من المغرب وموريتانيا عن هذا اللقاء المغاربي.
تحديات أمنية واقتصادية وسياسية
ويرى المختص في العلاقات الدولية رشيد حشانة، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن هذه القمة ترتكز على تحديات ثلاثة، أوّلها الجانب الأمني في علاقة بتحدي الإرهاب سواء على مستوى جبال القصرين أين أعلنت السلطات التونسية عن جملة من الاعتقالات، أو على مستوى الجارة ليبيا التي عرفت مؤخرا جملة من الصراعات بين ميليشيات مسلّحة من الطرفين.
وأضاف: "يوجد تنسيق لجلب قوات أمريكية لطرابلس بدعوة من حكومة عبد الحميد الدبيبة من أجل تدريب وتعليم الضباط والعسكريين الذي يدافعون عن حكومة الوحدة الوطنية، وهناك أيضا حديث عن قوات روسية موجودة في أكثر من بلد أفريقي وخاصة النيجر ومالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى".
وأشار حشانة إلى أن هذه المعطيات الأمنية كانت محل نقاش داخل القمة الثلاثية على اعتبار تفاوت المواقف بين الأطراف الثلاثة، بين الموقف الجزائري المؤيد لروسيا، والجانب الليبي الذي يريد أن يؤسس جيشا ليبيا موحدا.
أما البعد الثاني فيتعلق وفقا لحشانة بالجانب الاقتصادي، فالدول الثلاثة في حاجة إلى تعزيز اقتصاداتها في ظل الظروف المالية الصعبة التي أثرت على موازناتها والتي دفعتها إلى التوجه نحو الاتحاد الاقتصادي الخماسي الذي تم الاتفاق عليه بين تونس ومالي والنيجر وموريتانيا وليبيا.
وتابع: "لا نعرف إلى اليوم ما هي آفاق هذا الاتحاد وهل سيتحول إلى منطقة حرّة كما يتردد في تونس أم سيقتصر الأمر على سوق مشتركة، ولكن المؤكد أن تونس التي لديها مديونية عالية جدا تحاول الاستفادة من جارتيها النفطيتين من أجل إعطائها بعض الدفع لإخراجها من عنق الزجاجة الذي تعيش فيه على صعيد المدفوعات الخارجية بسبب النقص في العملة الصعبة".
ولفت حشانة إلى أن البعد الثالث يتعلق بالجانب السياسي الذي قيل في شأنه إن هذه القمة الثلاثية ستؤدي إلى إحياء اتحاد المغرب العربي الذي تأسس سنة 1989 في مدينة مراكش المغربية وضم الدول الخمس المغاربية، ولكنه مرّ بصعوبات كبيرة وتوقف عمليا سنة 1994 مع آخر قمة عقدت في تونس آنذاك.
وأضاف: "أعتقد أن اتحاد المغرب العربي في غرفة الإنعاش منذ 3 عقود، وحتى الحدود بين المغرب والجزائر أقفلت، ولذلك من الصعب أن يصل هذا اللقاء الثلاثي إلى توافق مع المغرب على اعتبار أن قضية الصحراء الغربية تقف في المنتصف".
ويرى حشانة أنه من الصعب أن تخرج هذه القمة الثلاثية بقرارات عملية واستراتيجية، خاصة وأنها كانت تحمل سابقا عنوان "اللقاء الاستشاري".
هل استبعدت المغرب وموريتانيا قصدا؟
وحول غياب بقية التشكيلة المغاربية عن هذه القمة، قال حشانة إن استبعاد المغرب يمكن تفسيره باختلاف الطريق الذي سلكته الجزائر والتي اختارت دعم المقاومة الفلسطينية والقضايا العربية عموما عن الطريق الذي سلكه مؤخرا المغرب والذي اختار أن يكون في طريق أبراهام (قادته الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب) وما ترتب عنه من عمليات تطبيع مع إسرائيل.
وأوضح: "قد يكون التحفظ الجزائري على هذا النهج هو الذي جعل الجزائر، وهي صاحبة الكلمة الوازنة في هذا الاجتماع، تعمل على استبعاد المغرب ولكن ما لا يُفهم أبدا ولا يمكن أن نجد له تفسيرا هو غياب موريتانيا عن هذه القمة، وأعتقد أنه ليس تغييبا بل اختيارا من الحكومة الموريتانية بأن لا تشارك فيها رغم توجيه الدعوة إليها".
وفي قراءة ثانية، يرى وزير الخارجية السابق أحمد ونيّس، في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن استبعاد المغرب عن هذه القمة الثلاثية أمر "مقصود"، وأسبابه ترتبط مباشرة بالخلاف الجزائري المغربي.
وأشار إلى أن الجزائر كانت سببا رئيسا في إفشال مشروع تأسيس المغرب الكبير بعناصره الخمسة (تونس، ليبيا، الجزائر، المغرب، موريتانيا) بسبب إصرارها على إضافة مكوّن ثالث وهو الصحراء الغربية.
وقال ونيّس إن هذه القضية ما تزال إلى اليوم تُشعل خلافا كبيرا بين البلدين، مشيرا إلى أن "القيادة الجزائرية تسعى إلى إيجاد دول مغاربية تساندها في نفس التوجه، وتشجّع الفضاء المغاربي على منع تأسيس اتحاد مغاربي قوي ومبني على فكرة تقاسم المساهمات بين أعضائه".
وشدد ونيّس على أن تونس لا تتبنى هذا النهج الذي وصفه بـ"الخاطئ"، قائلا: "في ثقافتنا وتاريخنا ما نسميه صحراء هو معدوم الانتصاب المتواصل، والقبائل المتنقلة لا يمكن أن ينشأ عنها تأسيس شعب من الشعوب".
هل قُبر الاتحاد المغاربي؟
بدوره، يرى الخبير في الشأن الليبي غازي معلا أن هذه القمة الثلاثية تؤشر لغلق قوس اتحاد المغرب العربي الخماسي والتوجه نحو اتحاد مغاربي ثلاثي مبني على المشترك بين الدول الثلاث.
وقال معلا، في تصريح لـ "سبوتنيك"، إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سبق وأن أفصح عن هذا التوجه بإعلانه عن رغبته في تشكيل تحالف جزائري تونسي ليبي استثنى منه المغرب وموريتانيا.
وأضاف: "الدول الثلاثة المشاركة في هذه القمة تسعى إلى تشكيل تحالف سياسي أمني يكون بمثابة حائط صد منيع ضد الإرهاب وقادر على مواجهة التقلبات داخل المنطقة والصراعات الإقليمية التي يمكن أن تهدد أي دولة.
وعلى الصعيد التونسي، يرى معلا أن تونس تبحث من خلال هذه القمة عن إجراءات عملية قادرة على حلحلة بعض الإشكاليات العالقة خاصة مع الجانب الليبي.
وأوضح: "إلى حدود اليوم ما يزال معبر رأس الجدير مغلقا منذ أكثر من شهر بسبب الوضع الأمني المتوتر، وهو ما تسبب في شلل اقتصادي خاصة على مستوى مناطق الجنوب التونسي".
ويرى معلا أن القيادة التونسية تبحث أيضا عن مزيد الدعم من الجانب الجزائري على المستوى الاقتصادي وخاصة الطاقي، في ظل تنامي عجز ميزانها التجاري الطاقي الذي سجّل ارتفاعا بنسبة 5% في غضون سنة.
وكشفت نشرية المرصد الوطني للطاقة والمناجم (مؤسسة رسمية) أن عجز الميزان التجاري الطاقي بلغ 1878 مليون دينار مقابل 1788 مليون دينار إلى موفى شهر فيفري/شباط 2024، فيما لم تتجاوز نسبة تغطية الواردات للصادرات 22%.
وقال معلا: "يمكن للجزائر أن تساعد تونس في تجاوز هذا العجز، من خلال اعتماد أسعار تفاضلية في المواد الطاقية وإطلاق تحفيزات جديدة على واردات تونس من الغاز من القطر الجزائري".