خطوات اقتصادية فرنسية في المغرب... ما علاقتها بإسبانيا وواشنطن

تشير الخطوات الفرنسية تجاه المغرب إلى مقاربة جديدة في العلاقات بين البلدين، خاصة بما يتصل بملف "الصحراء"، المنظور أمام الأمم المتحدة، والذي كان سبب التدهور في العلاقات بين البلدين.
Sputnik
يرجح خبراء أن فرنسا تسعى للحفاظ على مصالحها الاقتصادية في المغرب، من خلال إعادة العلاقات لسابق عهدها، فيما تقامر بشأن الموقف السياسي والصريح من "ملف الصحراء"، أي أنها لن تتجه لاعتراف مشابه للأمريكي والعربي من بعض الدول.
وفق الخبراء، فإن فرنسا لا ترغب في أن تحل إسبانيا وواشنطن بشراكة اقتصادية تأتي على حساب المكانة التاريخية لباريس مع الرباط، وأنها شعرت بتراجع مكانتها مع الكثير من الدول الشريكة، التي تحركت فيها واشنطن بشكل أكبر خلال السنوات الأخيرة.
وفق وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، في الرباط، الأسبوع الماضي، فإن باريس مستعدة لتمويل بنية تحتية لنقل الكهرباء إلى الدار البيضاء من مدينة الداخلة.
محادثات المغرب وإسبانيا بشأن إدارة المجال الجوي... ما الأهداف السياسية والاقتصادية
وأعلن المغرب في وقت سابق، أن "ملف الصحراء" هو المرآة التي تقيم الرباط من خلالها العلاقات مع الدول الأخرى، لكن المصالح الفرنسية وحجم الشراكة مع المغرب قد تقود لمقاربة وسطية دون اعتراف كامل من باريس، التي تحتفظ بعلاقات كبيرة مع الجزائر.
خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، أكد وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في فبراير/ شباط 2024، على دعم باريس "الواضح والمستمر" لمقترح الحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط لحل نزاع الصحراء الغربية"، وهو ما اعتبر تقدما في الموقف الفرنسي.
حول المستجدات الراهنة، يقول نبيل عادل، أستاذ باحث ومدير مجموعة الأبحاث الجيوسياسية والجيواقتصادية في المغرب، إن الرباط أكدت في وقت سابق، أن ملف الصحراء هي النظارة الخاصة بالعلاقات.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن المغرب ليس لديه أي مشكل في استعادة العلاقات بين البلدين لكامل توهجها، خاصة وأن لفرنسا تواجد اقتصادي وثقافي كبير في المملكة، وهي من الشركاء الأوائل في المغرب.
وتابع: "لتتمكن فرنسا من الحفاظ على مكتسباتها في المغرب وألا تخسرها لفائدة إسبانيا أو الولايات المتحدة، وجب عليها الخروج من المنطقة الرمادية في ملف الصحراء، والاعتراف الكامل بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، خاصة في سياق يتميز بتراجع مريع للتواجد الفرنسي بمنطقتي الساحل وغرب أفريقيا".
كوهين: اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على إقليم الصحراء خطوة تعزز العلاقات بين الدولتين
ويرى أن السياسة الخارجية الفرنسية تتميز بمزيج من البراغماتية والحذر، إذ لا تريد أن تضحي بمكانتها الاقتصادية والثقافية في المغرب لصالح إسبانيا أو الولايات المتحدة، والذي بات تقربهما من المغرب محل قلق للنخب الفرنسية القريبة تقليديا من الرباط، خاصة وأن هذين البلدين قد حسما موقعهما من ملف الصحراء واعترفا بمغربيتها.
ولفت إلى أن حجم الاستثمارات المقدم عليها في المغرب عموما وفي الصحراء خصوصا، يسيل لعاب الفاعلين الاقتصاديين الفرنسيين، الذين لا يرغبون في أي حال من الأحوال أن يقصوا من هذه الصفقات العملاقة، وهم الأقرب تاريخيا وثقافيا للمغرب.
من جهة أخرى، يشير إلى أن تنظيم فرنسا للدورة المقبلة للألعاب الأولمبية يحتاج قطعا للخبرة الأمنية المغربية، وهو ما طالب به وزير الخارجية الفرنسي إبان زيارته مؤخراً للمغرب، حيث تدارس مع نظيره المغربي إمكانية الاستفادة من التجربة المغربية في تأمين جزء من الألعاب.
يتابع عادل: "في نفس الوقت، فإن أي اعتراف مباشر وصريح وكامل من فرنسا بمغربية الصحراء، قد يدخل العلاقات الجزائرية الفرنسية في حالة من عدم استقرار وتوتر قوي، لا تستطيع فرنسا تحمل تبعاتها في الوقت الراهن".
ويرى أن فرنسا ستقامر على الأقل في المستقبل المنظور بالخطوة، أي أنها ستبقي على اعتراف اقتصادي بمغربية الصحراء، كي تضمن مصالحها ووجودها في المغرب دون أن تخاطر بعلاقاتها مع الجزائر.
ولفت إلى أنه في حال عدم الاعتراف الكامل بمغربية الصحراء، يجب على المغرب أن يستمر في الضغط على فرنسا في إطار "الكل مقابل الكل" وألا يعطي لفرنسا الانطباع بالاختيار حسب رغبتها.
الديوان الملكي المغربي: إسرائيل تعترف بسيادتنا على الصحراء الغربية
فيما يقول نوفل البوعمري، الباحث في ملف الصحراء، إن العلاقة المغربية الفرنسية تعود بشكل تدريجي لسابق عهدها، بعد قطيعة بسبب المواقف غير الواضحة من فرنسا تجاه ملف الصحراء.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن البلدين دخلا في مرحلة جمود سياسي ودبلوماسي كان له الأثر في العلاقة بينهما خلال الفترة الماضية، في حين أنه وبعد تعيين وزير الخارجية الجديد بفرنسا، انطلق حوار هادئ تم ترجمته في التعبير عن مواقف تُظهر أن هناك تحول في الموقف الفرنسي.
وأشار إلى أن فرنسا أكدت على توجهها نحو الاستثمار في الصحراء، كما أشادت رسمياً بالوضعية الاقتصادية والتنموية في الأقاليم الجنوبية، بالإضافة إلى دعم مبادرة الحكم الذاتي مع الإعلان عن رغبتها في إعادة تقييم موقفها من الملف.
وتابع: "هو مؤشر إيجابي على إقدام فرنسا خطوة شجاعة نحو دعم مغربية الصحراء واتخاذ الخطوات اللازمة للتعبير عن هذا الموقف السياسي والدبلوماسي، مما سيفتح الباب أمام إعادة بناء شراكة أكثر قوة".
ولفت إلى أن الاعتراف الفرنسي يأتي بعد الموقف الإسباني والألماني والأمريكي ومواقف دول أخرى، اختارت دعم مغربية الصحراء، وترجمت ذلك بافتتاح قنصليات لها في المنطقة، والاستثمار فيها وفي مؤهلاتها.
ويرى أن ما يُنتظر من فرنسا هي أن تترجم خطوتها سياسيا وعمليا من خلال الإقدام على خطوات تُترجم هذا الاعتراف، سواء بفتح قنصلية أو بدعم الاستثمار في الصحراء.
مناقشة