هل تنجح الضغوط الإقليمية والدولية في إعادة طرفي الحرب السودانية إلى "منبر جدة"؟

رغم شدة ضبابية المشهد السوداني إلا أن الحديث عن العودة إلى مفاوضات منبر جدة شكل بصيصا من النور والأمل في إمكانية توقف الحرب، لكن رغم التصريحات الدولية والإقليمية لم يتم اتخاذ خطوات جادة على الأرض حتى الآن.
Sputnik
فهل تنجح الضغوط الدولية والإقليمية والتهديدات في إعادة الجيش السوداني والدعم السريع إلى منبر المفاوضات في جدة أملا في التوصل إلى صيغة لوقف الحرب، أم أن العقبات التي تواجه تلك العودة كبيرة؟
بداية يقول الفريق جلال تاور، الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، "إن الدعوة للعودة إلى مفاوضات منبر جدة على وجه التحديد هى دعوة أمريكية ولا أعتقد سيكون لها نتائج إيجابية ما لم تضع الحرب أوزارها".

العسكري والسياسي

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "أن منبر جدة هو المنبر الوحيد الذي له منهجية واضحة تفصل ما بين العسكري الأمني وبين السياسي، فهو يفضل الاستتباب الأمني في السودان على بقية الملفات، والشيء الطبيعي والمتعارف عليه، أن الاستتباب الأمني يتبعه المسار الإنساني، لكن رغم الموعد الذي تم الإعلان عنه مسبقا وهو نهاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري، إلى أن هذا الأمر لم يحدث ولم يتم الإعلان عن موعد جديد".
السودان... موجات نزوح جديدة في الفاشر بسبب الاشتباكات المسلحة
ومضى قائلا: "فرص نجاح المفاوضات القادمة إذا ما تمكنت القوى الإقليمية والدولية من عقدها لن تكون كبيرة ولن تأتي بجديد، حيث يفترض تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في 11 مايو/ أيار من العام الماضي وفق هذا المنبر، من إزالة الارتكازات وإخلال منازل المواطنين وفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية في الخرطوم، لكن لم تنفذ قوات الدعم السريع مخرجات منبر جدة المتفق عليها بصورة أو أخرى".

المتغيرات على الأرض

وأشار الخبير إلى أنه "على أرض الواقع هناك متغيرات شديدة على الأرض، منها تحول الجيش من موقع الدفاع إلى الهجوم وتمكن من فتح الطريق في مدينة أم درمان، علاوة على ذلك تمكنت قوات الجيش من استعادة العديد من المناطق في البلاد والتي كان الدعم قد استولى عليها في بداية المعارك منتصف أبريل/نيسان الماضي".
وتابع تاور: "المنطقة الأهم اليوم بعد تلك التطورات هى منطقة مدني بولاية الجزيرة، وترجع أهمية الخرطوم بالنسبة للقوات المسلحة، أن الدعم السريع كان جزء من المنظومة الأمنية وكان يقوم بحراسة مناطق استراتيجية هامة من بينها الإذاعة والتلفزيون في (أم درمان) والقصر الجمهوري، علاوة على أن تلك القوات كانت على مقربة داخل القيادة العامة في الجيش، أما في الفاشر عاصمة إقليم دارفور التي يدور فيها القتال تختلف تماما عن الواقع الذي كان سائدا في الخرطوم".
وزير الخارجية السعودي يتصل بقادة طرفي النزاع في السودان
وأردف الخبير: "أن تهديدات الدعم السريع باقتحام مدينة الفاشر عاصمة دارفور، هى نوع من الضغوط الإعلامية بغرض امتلاك أوراق بيد الدعم السريع في مفاوضات جدة، لكن الواقع في الفاشر خلاف ما يروج له الدعم السريع وأن اقتحامها ستكون له خسائركبيرة جدا، نظرا لأن قوات الدعم السريع سوف تأتي من خارج المدينة التي ليس لهم فيها موطئ قدم، فالأمر هنا مختلف تماما عن العاصمة الخرطوم، فالقوات المسلحة والقوات المشتركة جميعها في الفاشر وتقاتل الدعم السريع".

المفاوضات والحرب

وفيما يتعلق بالدبلوماسية يقول تاور: "السودان تقدم بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن، والموقف الخارجي الآن أصبح واضحا للعالم، الأمر الذي دفع قوى كبرى للتدخل في محاولات لحلحلة تلك الأزمات المتراكمة، فالآن موقف السودان داخليا وخارجيا مريح يمكنه من خوض أي عملية تفاوض".
وأكد تاور أنه "لا يتوقع أن تعود المفاوضات إلى منبر جدة ما لم تتوقف الحرب ويكون هناك إعلان رسمي ودولي يقول أن الحرب توقفت وفقا نقاط محددة، يلي ذلك مراقبة دولية لما وقع بحق الشعب السوداني".

الضغوط الدولية

من جانبه يقول وليد أبو زيد، المحلل السياسي السوداني: "إن فرص نجاح الضغوط الدولية على طرفي الصراع في السودان، و بغض النظر عن نجاحها أو فشلها في إعادة طرفي الحرب إلى طاولة المفاوضات، يجب أن لا تتوقف، والملاحظ أن الدور السعودي والأمريكي لا يدفع بقوة نحو العودة للتفاوض".
أمريكا تناشد الدول بما فيها الإمارات وقف دعم طرفي الحرب في السودان
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "ربما التحرك الروسي الأخير وحديث الإدارة الروسية عن إمكانية توسطها قد يجعل السعودية والولايات المتحدة تزيد من الضغط نحو العودة لمنبر جدة حتى لا يفقد المنبر أهميته".
وشدد أبو زيد على أن "الأسلوب المتبع لإدارة التفاوض حاليا هو أسلوب غير مجد من قبل الوساطة الأمريكية-السعودية ويتسم بالبرود، حيث أنهم لا يستخدمون أي وسيلة من وسائل الضغط المتاحة للوسطاء كالتلويح بعدم جدية طرف أو إمكانية مخاطبة المنبر للمجتمع الدولي لفرض عقوبات على الطرفين إذا ما استمروا في التلكؤ، إضافة إلى وجوب استخدام وسائل تفاوض مختلفة عن التفاوض المباشر، كالجلوس مع قادة الجيش على انفراد وقادة الدعم السريع على انفراد لأنه لا معنى للتوقف نهائيا عن التفاوض بحجة أنه تفاوض غير مباشر بين الطرفين".
وأشار المحلل السياسي إلى أنه "إذا فشل منبر جدة في عقد جولة تفاوض مباشر في شهر مايو/أيار الجاري ولم يبدأ تفاوض مباشر أو غير مباشر بين الطرفين، أعتقد أن على السودانيين والمجتمع الدولي أن يتجاوزوا هذا المنبر ويبحثوا عن منبر جديد أكثر جدية، وله أدوات وإرادة أقوى".

الوقائع على الأرض

وأوضح أبو زيد أن "التغيرات العسكرية والسياسية على الأرض بالنسبة للطرفين، نستطيع القول أنها لم تراوح مكانها ولم يحدث تقدم عسكري كبيرعلى الأرض لأي من الطرفين، والاشتباكات لازالت متبادلة دون الوصول لمرحلة كسر العظم بالنسبة لطرف ضد الآخر، والحرب تتجه لتكون أكثر تدميرا للدولة والمجتمع وأخذت الطابع المناطقي الجهوي الذي يعقد فرص الحلول".
الخارجية السودانية: الإمارات أرسلت 400 طائرة تحمل عتادا حربيا لقوات الدعم السريع
ولفت المحلل السياسي إلى أن "الحديث عن تقدم عسكري كبير لأي من الطرفين هو محض دعاية لا تسند إلى وقائع ملموسة على الأرض، ومن المؤكد أنه لن يحدث على المدى القريب أي اختراق عسكري كبير، كاستعادة الجيش لولاية الجزيرة أو دخول الدعم السريع لمدينة أخرى في الشمال أو الوسط، رغم أن الاشتباكات في الفاشر غرب السودان قد وصلت مراحل كبيرة وعنيفة، لكن لن يكون سقوطها دون تكلفة كبيرة للدعم السريع الذي يحاصرها و يحيط بها إحاطة السوار بالمعصم".
وكانت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية "تقدم"، قد أعلنت في النصف الثاني من أبريل/نيسان الماضي، التزام طرفي الحرب في البلاد، الجيش وقوات الدعم السريع، بالعودة لمسار المفاوضات في مدينة جدة السعودية.
ونقلت وكالة "أنباء العالم العربي"، بيانا مقتضبا للتنسيقية، أكدت فيه التزام طرفي الحرب السودانية، بالعودة لمفاوضات جدة، خلال الأسبوعين المقبلين دون شروط مسبقة.
وأوضحت التنسيقية، في بيانها، عودة الطرفين للمفاوضات جاءت "بإرادة أقوى وعزم صادق وأكيد لإيقاف الحرب"، فيما لم يصدر على الفور أي تعليق من الجيش أو الدعم السريع على بيان "تقدم".
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد صرح في وقت سابق، بأنه "غير مستعد للتفاوض مع قوات الدعم السريع، طالما الحرب مستمرة"، مشددًا على التزامه بـ"منبر جدة" وعلى ضرورة تنفيذ "الدعم السريع" للالتزامات التي تعهدت بها.
السودان... حركات مسلحة تعلن تضامنها مع الجيش للحفاظ على البلاد من التقسيم
بدوره قال قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في تصريحات سابقة بأنه أكد للمبعوث الأممي للسودان، رمطان لعمامرة، أن قواته "عازمة على مواصلة الدفاع عن نفسها على كافة الجبهات".
ونقل موقع "أخبار السودان"، عن دقلو أنه مستعد للتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لتسهيل وصول المساعدات لجميع أنحاء البلاد، مشيرا إلى أنه بحث مع لعمامرة، الأوضاع في ولاية شمال دارفور والقصف الجوي "المتعمد" للجيش السوداني، بحسب وصفه.
يشار إلى أن قوات الدعم السريع تحاصر مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، في ظل مؤشرات على هجوم وشيك على المدينة الوحيدة التي لا تزال خارج سيطرتها في الإقليم المضطرب.
وفي وقت سابق، دعت السعودية، أطراف النزاع في السودان، إلى الالتزام بمخرجات محادثات جدة "الرامية إلى تحقيق مصلحة الشعب السوداني من خلال الإسراع في الاتفاق حول مشروع وقف الأعمال العدائية وحل الأزمة عبر الحوار السياسي، للحفاظ على وحدة جمهورية السودان وأمن شعبه ومقدراته".
وتتواصل، منذ أكثر من عام، اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.
مناقشة