وخلال الأيام القليلة الماضية، أوقفت السلطات التونسية 4 نشطاء ضمن جمعيات تعنى بمجال الهجرة، حيث تم الاحتفاظ برئيسة جمعية "منامتي"، سعدية مصباح، والمديرة السابقة لمنظمة "تونس أرض اللجوء"، شريفة الرياحي.
وقبل ذلك، أصدرت السلطات التونسية بطاقة إيداع بالسجن في حق رئيس "مجلس اللاجئين التونسي" ونائبه، على خلفية فتحه طلب عروض لإيواء مهاجرين غير نظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء.
وكان الرئيس التونسي، قيس سعيد، وجّه انتقادات لاذعة لبعض الجمعيات الناشطة في الهجرة، إذ اتهمها بتلقي "أموال طائلة من الخارج"، مضيفا أن "الذين يقومون على هذه الجمعيات أكثرهم خونة وعملاء، وعلى الهيئة المكلفة بالتحاليل المالية أن تقوم بدورها".
وأكد قيس سعيد، خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي، أنه "لا مجال لأن تحل الجمعيات محل الدولة" في معالجة أزمة الهجرة غير النظامية، مؤكدا على ضرورة أن تتعامل الجمعيات والمنظمات مع طرف ومخاطب وحيد وهو الدولة التونسية.
كما انتقد سعيد المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي قال إنهما لم تقدما لطالبي اللجوء "سوى البلاغات".
وأمس الأربعاء، أعلنت وزيرة المالية، سهام البوغديري نمصية، أن الرقم الإجمالي للأموال الأجنبية المتدفقة على عدد من الجمعيات التونسية قدر بـ2 مليار و316 مليون دينار، وفقا لتقارير لجنة التحاليل المالية.
وأعلنت جمعية "منامتي"، في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، أنها ترفض أن تكون "كبش فداء و شماعة لغياب مقاربة و حلول وطنية لمسألة الهجرة الغير منظمة". وطالبت بالإفراج الفوري وإيقاف كل التتبعات في حق جمعية منامتي وممثلتها القانونية سعدية مصباح التي "ما فتئت من اندلاع الثورة التونسية في الانخراط في العمل المدني والسلمي ومناصرة كل القضايا العادلة".
تضييق على نشاط الجمعيات
وينظر رئيس جمعية الأرض للجميع، عماد السلطاني، بتخوّف إلى إقدام السلطات التونسية على ملاحقة عدد من النشطاء في مجال الهجرة وتخوينهم من أعلى هرم السلطة.
وقال في تصريحات لـ"سبوتنيك": "ملاحقة هؤلاء النشطاء ووصفهم بالعملاء للخارج لا يحل أزمة الهجرة التي تحتاج إلى رؤية شاملة تقتلع هذه الظاهرة من جذورها".
وتساءل السلطاني: "هل أن مساعدة المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء أصبح جرما؟ هل هكذا تكافؤ السلطات المجتمع المدني الذي قدم يد المساعدة للدولة ولم يدر ظهره للاتفاقات الدولية التي تكفل حقوق المهاجرين واللاجئين؟".
ويرى السلطاني أن ما يحدث هو ترهيب للمجتمع المدني، وتضييق على أنشطة الجمعيات الحقوقية".
وقال الناشط الحقوقي إن "المساس بالحقوق والحريات خطوة خطيرة وأن الملاحقات القضائية تؤشر على بداية العودة للأنظمة الدكتاتورية"، وفقا لقوله.
منظمات أساءت التعامل مع الملف
من ناحية أخرى، يقرّ رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "بعض المنظمات الناشطة في مجال الهجرة أساءت التعامل مع هذا الملف وأوغلت في التعامل مع مسائل تتجاوز الجانب الإنساني".
وأوضح: "بعض المنظمات سعت إلى أن تفرض على الدولة أن تتحول تونس إلى بلد إيواء واللجوء، والحال أن السلطات التونسية وعلى رأسها رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أكد في أكثر من مناسبة أن تونس لن تكون بلد لجوء".
ويرى عبد الكبير أنه "رغم تنقيح "ميثاق بروكسل" في الصائفة الماضية بشكل يقر بأن دول العبور الآمنة هي دول لجوء، إلا أن تونس لا يمكن أن تخضع لهذه القاعدة، على اعتبار أنها لا تمتلك مقومات اللجوء الآمن".
وتابع: "لا يُقصد بهذه المقومات الجانب الأمني، وإنما الجوانب المتعلقة بغياب الحماية القانونية والقوة الاقتصادية التي تخوّل لتونس تقديم الخدمات للمهاجرين على مستوى الإعاشة والسكن والصحة. كما أن المشاكل الاجتماعية التي تعيشها بلادنا لا تخفى على أحد، زد عليها الظرف السياسي الصعب".
ويرى عبد الكبير أن "تونس لا يمكن أن تتعدى كونها بلد عبور سواء للمهاجرين بالطرق القانونية أو غير القانونية"، مشددا على أن "بلاده ليست مسؤولة على تدفقات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا خاصة وأن حرية التنقل مكفولة بجميع القوانين".
واستدرك عبد الكبير: "ولكن هذه المعطيات لا تبرر تخوين المجتمع المدني والتشكيك في جل المنظمات الناشطة في مجال الهجرة من أعلى هرم السلطة، خاصة في ظل الدور الكبير الذي لعبه المجتمع المدني في احتواء أزمة الهجرة واللجوء منذ الثورة إلى اليوم".
وذكّر المسؤول في المرصد بعملية "استقبال تونس لأكثر من مليون لاجئ في مخيم الشوشة بالجنوب التونسي إبان الثورة رغم الظرف الصعب الذي كانت تمر به"، مشيرا إلى أن "بلاده نجحت في إيواء هذا العدد الضخم، ثم غلق المخيم بشكل نهائي في عام 2013 بسبب تظافر جهود الدولة والمجتمع المدني وحتى المواطنين".
ولفت عبد الكبير إلى أنه "لا توجد دولة في العالم قادرة على معالجة ملف الهجرة غير النظامية في غياب مجتمع مدني قوي"، مشددا على أنه "لا يمكن النظر إلى هذا الملف إلا من زاوية المقاربة التشاركية".
وختم قوله: "ما على الدولة إلا أن تحتوي منظماتها الوطنية وتفرض على المنظمات الدولية على غرار المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وأطباء بلا حدود والصليب الأحمر، أن تقوم بدورها".
قلق بشأن تنقيح مرسوم الجمعيات
وتتزامن هذه الإيقافات، مع عرض مبادرة تشريعية تهدف إلى تنقيح المرسوم 88 المنظم لعمل الجمعيات داخل قبة مجلس نواب الشعب، في خطوة اعتبرها نشطاء وحقوقيون تضييقا على نشاط المجتمع المدني.
وأثيرت مسألة تنقيح قانون الجمعيات منذ أحداث 25 تموز/ يوليو 2021، وذلك بعد تصريحات للرئيس التونسي، قيس سعيد، وصف فيها بعض الجمعيات بأنها "امتداد لقوى خارجية"، مشددا على ضرورة سن قانون جديد يمنع تمويل الجمعيات الغير حكومية من الخارج.
وتنص النسخة المعدلة من المرسوم، على أن "تمنح وزارة الشؤون الخارجية التراخيص للمنظمات الأجنبية للقيام بالتمويل وتراقب تمويلاتها".
واعتبرت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، نائلة الزغلامي، أن "منظمات المجتمع المدني لن تقبل بالمساس بالمرسوم عدد 88 لسنة 2011، الذي جاء نتيجة لنضالات المجتمع المدني".
وقالت الزغلامي في تصريحات لـ"سبوتنيك": "كل مكونات المجتمع المدني ستتجند دفاعا عن هذا المرسوم الذي يرتقي إلى مستوى القوانين الأساسية بشهادة خبراء من تونس وخارجها، وبشهادة المحكمة الإدارية نفسها".
ولا تنفي الزغلامي "وجود بعض الهنات في علاقة بالتمويل الأجنبي للجمعيات"، مشيرة إلى أن "الأشكال لا يتعلق بالمرسوم الذي يحتوي كل الضمانات اللازمة كفيلة لضمان شفافية نشاط الجمعيات وتسييرها وتمويلها".
وأردفت مبيّنة أن "الخلل يكمن في التنفيذ، وفي تفعيل التشريعات على أرض الواقع".
وفي شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قدم عدد من النواب مبادرة تشريعية لتنقيح مرسوم الجمعيات، قوبلت برفض من جمعيات المجتمع المدني، التي اعتبرتها "تهديدا لحرية عمل الجمعيات، ومحاولة لمحاصرة الفضاء المدني في تونس وعمل الجمعيات".