وتأتي هذه الخطوة التصعيدية، ردا على مواقف بعض الدول الأجنبية، التي أبدت تحفظها على الإيقافات الأخيرة، التي شملت محامين وإعلاميين ونشطاء حقوقيين، وما أعقبها من تحركات احتجاجية في الشارع.
وهذه هي المرة الثانية التي يدعو فيها سعيد سفراء الدول الأجنبية إلى احترام السيادة الوطنية لبلاده؛ ففي شهر نيسان/ أبريل الماضي، قال الرئيس التونسي، خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي: "لا بد من دعوة عدد من السفراء الأجانب لدعوة عواصمهم لعدم التدخل في الشؤون الداخلية لتونس"، مضيفا أنه "من يريد أن يقيم علاقات ودية مرحبا به، ومن يعتقد أنه سيبسط وصايته علينا فهو مخطئ".
وكانت الخارجية الفرنسية أعربت في بلاغ نشر على موقعها الرسمي عن "قلقها" من إيقاف المحامية والصحفية، سنية الدهماني، الذي يأتي في سياق إيقافات أخرى، شملت صحفيين وأعضاء جمعيات.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف لوموان، إن "حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، واستقلالية القضاء، هي مبادئ يكفلها الدستور التونسي وكذلك اتفاقيات الأمم المتحدة التي انضمت إليها تونس كما فرنسا".
بدورها، ذكرت المتحدثة الرسمية باسم الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، نبيلة مصرالي، أن "بعثة الاتحاد الأوروبي طلبت من السلطات التونسية توضيحات حول أسباب هذه الاعتقالات".
تدخل واضح في الشأن التونسي
وقال القيادي بحزب البعث، صهيب المزريقي، إن "مطالبة رئيس الدولة، قيس سعيد، باستدعاء السفراء الأجانب للاحتجاج، يأتي على خلفية بعض المواقف الخارجية التي أبدت انزعاجها من الإيقافات الأخيرة، ومطالبتها تقديم إيضاحات من السلطات التونسية".
واعتبر المزريقي في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "الدعوات الأجنبية، سواء عن طريق المواقف الرسمية أو السفارات، تضمنت تدخلا واضحا في الشأن التونسي، وتوجيها للرأي العام، بهدف الضغط على السلطات الرسمية من أجل الخضوع للرأي الغربي الإمبريالي".
وتابع: "لقد احتكم الرئيس قيس سعيد لمنطق الاتفاقات الدولية والمعاهدات القانونية، وحتى لتوطئة الدستور التونسي، التي تنص على أن تونس دولة مستقلة وذات سيادة، وأن الشعب التونسي وحده صاحب الحق في إبداء الرأي والتدخل في شؤون بلاده".
وبيّن المزريقي أن "قرار رئيس الجمهورية سيفرض على هذه الدول احترام السيادة الوطنية للبلاد التونسية من ناحية، وتفعيل مبدأ الندّية والقطع مع التعامل الفوقي، الذي سعت بعض الدول إلى فرضه على تونس بعد الاستقلال".
وأضاف: "لقد اعتادت هذه الدول على التحكم في الدولة التونسية، إما عن طريق الرأس مال العالمي، أو عن طريق السيطرة على التصورات السياسية التونسية، بما في ذلك القضية الفلسطينية".
ولفت المزريقي إلى أن "السلطة الحالية في تونس تسعى إلى وضع معالم جديدة لمفهوم السيادة الوطنية، ترتكز أساسا على مبدأ الاحتكام لإرادة الشعب والاستقلالية، وعدم الرضوخ للإملاءات الخارجية، وهو ما برز في موقف تونس الأخير، الذي رفض حل الدولتين في علاقة بالقضية الفلسطينية، وإقرار السيادة الكاملة للفلسطينيين على كامل أرض فلسطين".
وقال المزريقي: "هذا الانتقال النوعي في طبيعة الخطاب الرسمي التونسي، هو الذي سيحدد مستقبلا طبيعة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الغربية، ومع أي دولة في العالم".
خطوة في محلّها
من ناحيته، يرى عضو المكتب السياسي لحركة الشعب، أسامة عويدات، أن "دعوة رئيس الجمهورية إلى استدعاء السفراء الأجانب للاحتجاج هي رد مباشر على ما وصفه بـ "التدخل السافر" لمسؤولي بعض الدول الغربية في الشؤون الداخلية التونسية".
وقال عويدات في تصريحات لـ"سبوتنيك": "لا يحقّ لأي دولة، مهما كانت أن تحدّد لتونس المربعات التي تتحرّك فيها وأن تملي عليها ما تفعله".
واعتبر المتحدث أن "الخطوة التي أقدم عليها رئيس الجمهورية في محلّها، خاصة وأن هذه التدخلات ليست الأولى وتكررت خاصة بالنسبة لفرنسا"، مشددا على أن "هذه الدول لا يمكنها أن تعطيَ دروسا في احترام الحقوق والحريات، وهي التي تنتهكها".
وأضاف: "لا يحق لفرنسا الحديث عن الحقوق والحريات، وهي التي نسيت أنها قامت بقمع الطلبة الذين تحدثوا عن انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين، وتصرفت بعقلية استعمارية مع دول جنوب أفريقيا، واستنزفت ثرواتها وتسببت في مآسي المهاجرين الأفارقة نتيجة لتفقير دولهم".
وقال عويدات إن "حركة الشعب ترفض رفضا قطعيا التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد التونسية، وتدعم تفعيل السلطات للسيادة الكاملة للبلاد، التي لا تُرفع بالشعارات فقط وإنما بالتطبيق على أرض الواقع على جميع المستويات، سواءً منها السياسية أو الغذائية أو المائية".
ولفت عويدات إلى أن "الوقت قد حان لترجمة خطابات رئيس الجمهورية إلى آليات عمل يمكن أن تضمن سيادة الشعب التونسي على أرضه ووطنه"، داعيا إلى أن "تشمل هذه الآليات التفكير في سبل جديدة لاستعادة الكفاءات التونسية والحد من هجرة الأدمغة التي تخدم الدول الغربية".
مسيرة احتجاجية
وتتزامن هذه المواقف مع مسيرة احتجاجية يستعد عدد من التونسيين والنشطاء السياسيين لتنفيذها، يوم الأحد المقبل الموافق 19 مايو/ أيار الجاري، انطلاقا من سفارة فرنسا، وذلك للتنديد بالتدخل الأجنبي.
وقال الأمين العام لحزب "مسار 25 جويلية"، محمود بن مبروك، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، إن "هذه المسيرة تأتي في إطار المساندة الشعبية والحزبية لقرار رئيس الجمهورية القاضي بدعوة سفراء الدول الأجانب للاحتجاج على تدخل بلدانهم في الشؤون التونسية".
وأشار إلى أن "هذه الدعوة هي رد مباشر على المواقف الصادرة عن بعض الدول الأجنبية، وخاصة منها بيان الخارجية الفرنسية، واحتجاج رئيسة بلدية فرنسية أمام السفارة التونسية على الإيقافات الأخيرة التي طالت محامين في تونس".
وأضاف: "الدول المقصودة بهذه الدعوة هي أساسا فرنسا وأمريكا والإمارات ودول أخرى تتبع الاتحاد الأوروبي التي تدخلت بشكل سافر في الشؤون الداخلية لبلادنا".
ويرى ابن مبروك أن "الأحداث الأخيرة التي جدّت في دار المحامي ليست بريئة، وأنه وقع توظيف قطاع المحاماة للوقوف ضد السلطة والدولة".
وتابع: "الاحتجاج هو حق مكفول بالدستور ولكن لا يمكن القبول بتوظيف عمادة المحامين سياسيا. وحضور الفريق الصحفي لقناة "فرانس 24" في دار المحامي منذ صباح الاعتقال لم يكن بريئا خاصة وأن إيقاف المحاميين تم في المساء وهو دليل على أنه مخطط طبخ من الخارج لجر قطاع المحاماة نحو التصادم مع السلطة".
وقال ابن مبروك إن "عددا من الأطراف الدولية تسعى إلى ضرب الدولة التونسية، وبث الفتنة والشوشرة في سنة انتخابية، وإدخال البلاد في المجهول، وجرّ السلطة إلى الاصطدام بالمحامين، وتأجيج الوضع السياسي والاجتماعي، عن طريق بعض العملاء من الداخل".