والدلمون هي حضارة مملكة البحرين، فيما يعتقد أن زهرة الخلود في لؤلؤة من لآلئ البحرين الموجودة في أعماق البحر.
وحضارة الدلمون العريضة التي نشأت في الفترة ما بين 2300 و400 قبل الميلاد، خلّفت وراءها الكثير من الشواهد والآثار التاريخية، التي طال تأثيرها في مختلف جوانب الحياة كالاقتصاد والثقافة، وبعضها لا يزال قائما حتى هذه اللحظة، وأبرزها تجارة اللؤلؤ.
فمنذ أكثر من 7 آلاف عام، وفي مدينة المحرّق القديمة، تشكّلت ملامح الحياة الاقتصادية والاجتماعية عبر تجارة اللؤلؤ العريقة، التي نشأت وتكونت وازدهرت لتشغل عمق هذه الحكاية التاريخية وأثرها المتجذر في الهوية الثقافية الخليجية.
ويعتبر مسار اللؤلؤ، ثاني موقع بحريني على لائحة التراث الإنساني العالمي لـ"يونسكو"، الذي يجسّد تجربة تاريخية متكاملة لسكان منطقة الخليج العربية، فإلى جانب اكتسابها أهمية اقتصادية عالمية شكلت ميراثا ثقافيا ومعرفيا وإنسانيا أعطى ملامحه للهوية البحرينية والخليجية المعاصرة، وفقا لموقع هيئة البحرين للثقافة والآثار.
المحرق.. مدينة اللؤلؤ
وتعتبر مدينة المحرق القديمة، عاصمة مملكة البحرين في الفترة ما بين 1810 وحتى 1923، وهي الفترة التي ازدهر فيها اقتصاد اللؤلؤ، وتعتبر هذه المدينة ثاني أكبر جزيرة في البحرين.
وعلى مدى قرون طويلة، عرفت جزيرة المحرق بأنها عاصمة اللؤلؤ، حيث كانت ولا تزال أكثر المدن ازدهارا وارتباطا بهذا الاقتصاد العريق، وأكبر موطن للغواصين، حيث كان جميع سكان الجزيرة يعملون في أنشطة الغوص وجمع اللؤلؤ، وفي تطوير الصناعات المتصلة بهذه الصناعة.
ومنذ القرن الثالث قبل الميلاد وحتى بدايات القرن الـ20، شكّلت مصائد اللؤلؤ في الناحية الشمالية من مملكة البحرين المورد والمركز الأساسي لصيد اللؤلؤ الطبيعي في الخليج العربي، وارتفع الطلب على اللؤلؤ في بدايات القرن التاسع عشر ما أدى إلى ظهور اقتصاد المنتج الواحد في مملكة البحرين، والذي تركز في عاصمتها آنذاك وعاصمة اللؤلؤ في الخليج مدينة المحرق.
وازدهر اقتصاد اللؤلؤ لقرون عدة، فيما تراجع مع بدء اكتشاف النفط والغاز الطبيعي في البحرين، ومع توسع وتنامي دور مدينة المنامة الواقعة ناحية الميناء في جزيرة البحرين، بيد أن مدينة المحرق لا تزال تحافظ على هويتها ونسيجها المعماري ونمطها.
متحف اللؤلؤ.. الشاهد على التاريخ
في عام 2012، تم إدراج "مسار اللّؤلؤ: شاهد على اقتصاد جزيرة"، على قائمة التراث العالمي لـ"يونسكو"، ويضم سلسلة من المباني والمواقع والساحات العامة، التي تجسّد إرث البحرين العريق، باعتبارها عاصمة صيد اللؤلؤ في الخليج، إذ شكلت لآلئ البحرين المعروفة بجمالها وصفائها أساس اقتصاد المملكة لقرون عديدة قبل اكتشاف النفط، وأسرت الكنوز المستخرجة من بحارها الناس من مختلف بقاع العالم.
وفي شهر نيسان/ أبريل من العام الحالي 2024، حصد متحف اللؤلؤ ضمن موقع "مسار اللؤلؤ: شاهد على اقتصاد جزيرة" في المحرّق، جائزة مجلة مونوكل العالمية كأفضل متحف جديد، وذلك ضمن 50 تصميما تم اختيارها لجوائز المجلة للتصميم لعام 2024.
وتعد هذه النسخة الرابعة من جوائز المجلة، وتحتفي بـ50 عملا إبداعيا من حول العالم، في مجالات البناء والعمارة والترميم والإنتاج.
ويحتوي متحف اللؤلؤ، الذي صممه المهندس الهولندي، آن هولتروب، على بعض من أقدم اللآلئ المثقوبة في البحرين، مع معرض للآلئ من حقبتي دلمون وتايلوس، من مجموعة متحف البحرين الوطني، كما يحتوي على مختارات من مجموعة مطر للمجوهرات، ولآلئ آل محمود، إضافة لقطع أرشيفية لمجوهرات اللؤلؤ من مجموعة "كارتييه"، وفقا لهيئة البحرين للثقافة.
مقتطفات من حضارة دلمون ولؤلؤ المحرق
تقول حنين الدوسري، من هيئة البحرين للثقافة والآثار، إن "مملكة البحرين تشتهر بالغوص والصيد والبحث عن اللؤلؤ، وتجارة اللؤلؤ بدأت منذ حضارة دلمون التي ترجع ما بين 3000 إلى 4000 عام قبل الميلاد".
وفي حديثها مع "سبوتنيك"، تؤكد أن "مدينة المحرق كان لها دور كبير للحفاظ على التراث والموروث الشعبي لتجارة وصيد اللؤلؤ في البحرين، وأهالي المحرق كان لهم دور في زيادة وازدهار هذه التجارة، حيث كان يأتي التجار من كل دول العالم لهذه الجزيرة للحصول على اللؤلؤ".
واللؤلؤ البحريني، بحسب الدوسري، "متميّز ونادر الوجود ومن الصعب تحصيله في أي مكان بالعالم، وهو تشكّل بفعل وجود المياه العذبة والمالحة في آن بالبحرين، ما ساعد على تكوينه بهذه الكيفية النادرة، وأدى إلى اشتهار مدينة المحرق بهذه الصناعة إلى الآن".
وتؤكد أن "تجارة اللؤلؤ ازدهرت من القرن 19 وحتى نهاية القرن 20، وتوصلت إلى أقصى ازدهارها بسبب التجارة بين الهند وأوروبا، حيث كان التجار في هذه الفترة يأتون إلى المحرق للحصول على اللؤلؤ البحريني".
وعن مسار اللؤلؤ، تقول الدوسري إنه "محاولة للحفاظ على هذه الآثار التي بقيت إلى الآن رغم التطور العمراني، من منازل وبيوت للعوائل التي كانت لها دور كبير في تجارة اللؤلؤ، حيث يشرح المسار تاريخ هذه العوائل التي مارست الغوص والبحث عن اللؤلؤ".
منازل تلك العوائل لا تزال قائمة إلى الآن، وتم فتحها كمزارات سياحية للزوار، الذين يريدون استكشاف تاريخ هذه الحقبة الزمنية المميزة، وهذه المنازل التي تظل شاهدة على تجارة اللؤلؤ، وذلك بعد أن بذلت هيئة البحرين للثقافة جهودا كبيرة للحفاظ على هذه المنازل، التي تحتوي على أهم الأدوات التي كانوا يستخدمونها في الغوص والاستكشاف.
وتحافظ البحرين حتى الآن على هذه الصناعة باعتباره تراثا حيا ودائمًا، ما يجعلها نقطة جذب رئيسية للسياح، حيث يتم تنظيم رحلات استكشافية للغوص والبحث عن اللؤلؤ والمحار.