بعد سنوات من الجمود… هل يحيي التونسي طارق بن سالم الاتحاد المغاربي مرة أخرى

عاد اتحاد المغرب العربي للواجهة مرة أخرى وسط حالة من الجدل بشأن الانقسام الذي لاح في المنطقة في الآونة الأخيرة.
Sputnik
ووفقا لخبراء فإن تعيين الدبلوماسي التونسي، طارق بن سالم، أمينا عاما لاتحاد المغرب العربي لمدة 3 سنوات، يبعث الأمل بشأن إعادة تفعيل دور الاتحاد، لكن بعض الإشكاليات المرتبطة بالخلافات بين الجزائر والمغرب تظل العائق الأكبر أمام مهمة الأمين العام الجديد.
وأعلنت وزارة الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، الاثنين الماضي، تعيين الدبلوماسي، طارق بن سالم، أمينا عاما لاتحاد المغرب العربي لمدة 3 سنوات، وذلك بداية من أول يونيو/ حزيران المقبل.
وذكرت وزارة الخارجية التونسية، في بيان، أن هذا التعيين يأتي وفقا لمقتضيات معاهدة تأسيس اتحاد المغرب العربي لعام 1989، وباقتراح من الرئيس التونسي، قيس سعيد، وبعد موافقة جميع قادة الدول الأعضاء في الاتحاد، الأمر الذي فتح الباب لأمل جديد يمكن معه إعادة مؤسسات الاتحاد للعمل.
غاب عنها المغرب وموريتانيا... هل تقفل القمة التونسية الجزائرية الليبية قوس الاتحاد المغاربي؟
ويرى الخبراء أن المنطقة تتعرض لانتكاسة باعتبارها الحلقة الأضعف بين التكتلات العالمية، في ظل تحديات عدة تفرضها التطورات في المنطقة، وخاصة منطقة الساحل والصحراء.
يقول محمد بودن، الخبير في العلاقات الدولية المعاصرة، إن تعيين طارق بن سالم أمينا عاما جديدا من شأنه أن يبعث بإشارات تتعلق برغبة جماعية لاستمرار اتحاد المغرب العربي، ومن المهم أن يتم الشروع في تنشيط إحدى أهم هياكله.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك" ، أنه حان الوقت للتفكير في الطرق التي يمكن أن تبعث الوجود الإقليمي الضروري لهذا الجسم المغاربي بطريقة تتقدم به، وتعود بالنفع على المصلحة المشتركة للدول الخمس الأعضاء، وتسد الفجوة بين الطموح والواقع، ولو أن الحد الأدنى للعمل المغاربي المشترك يعتبر نتيجة لعدد من التحديات الهيكلية التي ينبغي التغلب عليها، بإتاحة الفرص أمام التكامل في المستقبل ودراسة مستقبل المنطقة في ضوء التحولات الدولية.
وتابع: "مسألة الاتحاد المغاربي ليست وليدة اليوم بل طموح شعبي تاريخي فيها عناصر مستمرة و أخرى غير مستمرة.
في ذكرى تأسيسه.. هل تلاشت فرص عودة "اتحاد المغرب العربي" للعمل؟
وأشار إلى أن الفكرة المغاربية سبقت بعشرات السنين الأحداث الطارئة ومحاولات الالتفاف على التاريخ المغاربي، ومن المفروض أن لا يكون هذا القاسم المشترك حاجزا بين المكونات المغاربية.
ويرى أن الاتحاد المغاربي لا بديل عنه للبلدان الخمس، حتى لو حاولت بعض الأطراف تسميم أجوائه بتشجيع النزعة الانفصالية.
ويرى أن الآمال المعلقة على الاتحاد المغاربي كانت كبيرة لكنها تحولت إلى آمال فارغة من مضمونها، بسبب سياسات أحادية، ولا يسندها الواقع والإنتاج والتكامل بين المكونات الخمس.

انتكاسة ومخاطر

وشدد على أن جمود الاتحاد المغاربي يمثل تخليا عن الطموحات المشروعة لنحو 120 مليون مواطن مغاربي معظمهم شباب، كما أن الاتحاد المغاربي يتعرض لنكسة حقيقية على مستوى التكامل والاندماج البيني الذي يعتبر الأضعف بين المجموعات الإقليمية عالميا والمجموعات الاقتصادية الأخرى بالقارة الأفريقية.
بعد 30 عاما من تأسيسه… ما الذي قدمه "اتحاد المغرب العربي" لشعوب الدول الخمس؟
ويرى أنه "من بين أخطر التحديات التي تضع المسألة المغاربية على المحك هي توفير مساحة حاضنة لتزاوج الإرهاب و النزعة الانفصالية في المنطقة، فضلا عن تدفقات الهجرة غير الشرعية والمخاطر من الجيل الجديد".
إضافة إلى أن الشأن المغاربي لايهم البلدان الخمس فقط، بل أنه يؤثر بشكل واضح على العمل العربي المشترك، ومكانة البلدان المغاربية في الفضاء الأورو-متوسطي، ومساهمة هذه البلدان في أجندة 2063 التي تمثل لوحة قيادة الاتحاد الافريقي نحو المستقبل.

إضافة جديدة

يقول المحلل السياسي منذر ثابت، إن الأمين العام الجديد هو دبلوماسي محترف، ولديه دراية بفنون وآليات العمل الدبلوماسي، لكنه قد لا يملك حل أزمات دبلوماسية متأصلة ومتقاطعة بين الدول العظمى.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن التحالف الثلاثي بين "الجزائر وليبيا وتونس" قد يمثل أهمية كبيرة في الظرف الراهن والمخاطر المتأتية من التقلبات في جنوب الصحراء، والضغط الذي تمثله الدول الأوروبية ومحاولة فرض أجندات ودور الرقابة على دول المنطقة.
الدبيبة يلتقي بوزير خارجية المغرب ويدعو لتفعيل اتحاد المغرب العربي

إقصاء المغرب

يشير ثابت إلى أن التحالف الثلاثي يمكن أن يمثل أهمية دون إسقاط الخيار الاستراتيجي لاتحاد المغرب العربي، خاصة أن جميع الإشكاليات يمكن أن تحل في إطار الوحدة الحقيقية، التي لا تتوافر شروطها حتى الآن.
ويرى أن التحالف الثلاثي لا يمكنه إعادة اتحاد المغرب العربي لطبيعته، لكنه يقصي المغرب، فيما تقصي موريتانيا نفسها، لارتباطها بالمغرب.
يقول الباحث الجزائري نبيل كحلوش، إن الاتحاد والتكامل هدفا استراتيجيا محوريا بالنسبة للجزائر، إلا أن الوصول إليه يتطلب أيضا جملة من الشروط الموضوعية وعلى رأسها وضع خطة عمل مصاغة، وفق أهداف عملية ومبادئ واضحة وثابتة.

شروط غير متوفرة

وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الشروط والمتطلبات لا يعكسها الواقع المغاربي، باعتبار أن الأهداف مختلفة، بالإضافة لأطراف لا تزال تسبح خارج فضائها الجيوبوليتيكي الطبيعي.
تكتل الجزائر وتونس وليبيا.. محاولة لعزل المغرب أم ترتيبات لتطورات خطيرة؟
وأشار إلى أن مجرد تغيير أمين عام بأمين عام آخر، قد لا يكون تغييرا في الأفكار بقدر ما يكون مجرد تغيير في الأشخاص، وهذا لأن محيط العمل نفسه هو المشكل وليس الشخص من عدمه إلى حد ما.
واستطرد: "في الآونة الأخيرة قامت الجزائر وتونس وليبيا بإنشاء آلية تعاون وتكامل جديدة تتمثل في الاتحاد الثلاثي الشمال أفريقي ليكون أشبه بالبديل للاتحاد المغاربي (اتحاد المغرب العربي الكبير) كي لا تبقى الدول حبيسة الانسداد الذي حدث، ولذلك فإنه بدلا من الانخراط في هذا الاتحاد الجديد وتطويره تم أخيرا تغيير أمين عام الاتحاد القديم، وكأنها محاولة لإحياء ما مات سابقا كخطوة لجعل الإقليم برأسين متعاكسين، فيتم تعزيز الانقسام أكثر".
ويرى أنه يمكن النظر للأمر بنظرة أكثر تفاؤلاً، إذا سلّمنا بأن هذا التجديد قد يعيد الاتحاد القديم لدوره الطبيعي، الذي من أجله تم تأسيسه، قبل أربع عقود في حالة ما كانت الإرادة السياسية للقادة الحاليين ذات نية حسنة مع دول الجوار.
تونس وليبيا تتفقان على إعادة فتح معبر "رأس جدير" الحدودي بعد انتهاء أعمال الصيانة فيه

تأسيس الاتحاد

في 17 فبراير/ شباط عام 1989، تم تأسيس اتحاد المغرب العربي، وكان يضم المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، وتعود فكرة إنشائه إلى أول مؤتمر للأحزاب المغاربية، والذي عقد في مدينة طنجة المغربية عام 1958، وضم ممثلين عن "حزب الاستقلال" المغربي و"الحزب الدستوري" التونسي و"جبهة التحرير الوطني" الجزائرية.
بعد استقلال الدول المغاربية أسست اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964، التي كانت تهدف إلى تقوية العلاقات الاقتصادية بين دول المغرب العربي، وجاء بعد ذلك بيان "جربة الوحدوي" بين ليبيا وتونس عام 1974 ومعاهدة "مستغانم" بين ليبيا والجزائر و"معاهدة الإخاء والوفاق" بين الجزائر وتونس وموريتانيا عام 1983، وهي جميعها خطوات مهدت لتأسيس الاتحاد ضمن جملة من الأهداف، أعلن عنها في "بيان زرالدة" في مدينة زرالدة الجزائرية عام 1988، ثم تم الإعلان عن تأسيس الاتحاد عام 1989.
مناقشة