ما هي التداعيات التي طرأت على المشهد السياسي في اليمن نتيجة قرارات مركزي عدن بنقل مقرات البنوك الرئيسية من صنعاء؟
بداية يقول الباحث والمحلل الاقتصادي اليمني، وحيد الفودعي: " إن الدراسة الحديثة التي قمت بإعدادها سلطت الضوء على تداعيات قراري البنك المركزي اليمني في عدن، رقم (17) رقم (20) لعام 2024، وشملت الدراسة تحليلًا شاملًا للأثر الاقتصادي والإنساني الناجم عن هذه القرارات".
تفسير خاطىء
وأضاف الباحث في حديثه لـ"سبوتنيك": "كشفت الدراسة عن غموض القرار رقم 17 لسنة 2024 وتأثيراته السلبية على البنوك اليمنية والاقتصاد بشكل عام"، مشيرا إلى أنه تم تفسير القرار بشكل خاطئ، وأن الأمر "يتعلق بنقل للمراكز الرئيسية للبنوك بدلاً من مراكز العمليات، الأمر الذي أدى إلى توتر شديد بين البنوك والبنك المركزي اليمني في عدن، فضلاً عن فرض عقوبات على بعض البنوك التي لم تستطع تنفيذ القرار دون دعم من البنك المركزي والمجتمع الدولي".
وتابع الفودعي: "إن نقل المراكز الرئيسية للبنوك يعد إجراء غير قانوني، إذ أنه يتطلب موافقة الجمعية العامة غير العادية للبنوك، وليس من اختصاص البنك المركزي، كما أن النقل الفعلي للمراكز الرئيسية غير ممكن بسبب العوائق والمخاطر المتعددة، بينما يمكن نقل مراكز العمليات بالرغم من وجود بعض المعوقات والمخاطر".
الأزمة الاقتصادية
وانتقد الفودعي في دراسته القرار رقم 20 لسنة 2024، الذي تضمن تطبيق عقوبات انتقائية على ستة بنوك فقط، رغم وحدة موقف جميع البنوك تجاه القرار، موضحًا أن هذه العقوبات ستزيد من الأزمة الاقتصادية والإنسانية في اليمن، مؤكداً على حاجة البنوك إلى دعم البنك المركزي في عدن بدلاً من معاقبتها.
وقال الفودعي: "إن المشكلة الاقتصادية في اليمن لها جذور عميقة وأسباب متعددة، تتجاوز قضية نقل المراكز الرئيسية، مثل توقف صادرات النفط وانهيار سعر الصرف"، مشيرا إلى أن دعم نقل مراكز العمليات يمكن أن يكون حلاً عملياً لتحسين الوضع الاقتصادي دون التسبب بأضرار كبيرة للنظام المصرفي.
استراتيجية شاملة
وأوضح الباحث أن الدراسة "تضمنت توصيات بضرورة تبني الحكومة والبنك المركزي في عدن لاستراتيجية شاملة تهدف إلى تحرير البنوك من سيطرة الحوثيين، تتضمن الدعم الدولي والتعاون مع الأطراف المحلية، وأكدت على أهمية تقييم الأثر الاقتصادي والإنساني للقرارات قبل اتخاذها، ووضع استراتيجيات لتخفيف الأضرار المحتملة".
وشدد الفودعي على ضرورة أن تتسم القرارات التي يتخذها المركزي في عدن بالشفافية والوضوح والتركيز على نقل مراكز العمليات بدلاً من المراكز الرئيسية، مع تكييف القرارات قانونياً وإنشاء قطاع للامتثال والمخاطر في البنك المركزي، مع توفير الدعم المالي والفني والحوافز للبنوك لتشجيعها على الامتثال للقرارات".
التنسيق المشترك
وأوصى الفودعي بضرورة تحسين قنوات التواصل والتنسيق بين البنك المركزي والبنوك، وتقديم فترات زمنية كافية لتنفيذ القرارات، كما دعا إلى قيادة محافظ البنك المركزي للتفاوض مباشرة مع البنوك لتحسين فعالية الحلول، وأكد على ضرورة تحسين التعاطي الإعلامي واستكشاف بدائل أقل حساسية من البنوك لإجبار الحوثيين على السلام.
واختتم الفودعي بالتأكيد على أهمية إعداد خطط طوارئ لمواجهة التحديات وضمان استمرارية العمل المصرفي مع ضرورة أن تكون القرارات عادلة وغير انتقائية، والعمل بجدية لتحقيق توقعات المواطنين الداعمين للقرارات، مما يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن.
قرار خاطىء
من جانبه يقول الدكتور محمد جمال الشعيبي، أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة عدن، "إن القرار الذي اتخذه البنك المركزي اليمني بإلزام البنوك العاملة في صنعاء بنقل مقراتها إلى عدن خطأ، وسوف يؤدي إلى زيادة تعقيدات المشهد وستكون له تداعيات سلبية على الطرفين".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "إن قرار البنك المركزي في عدن بشأن إلزام البنوك التجارية والإسلامية بنقل مراكزها إلى العاصمة المؤقتة عدن، ليس بقرار جديد، وإنما سبق ذلك قرار في العام 2021، ولكن دون أن يحدث ذلك القرار أي تأثير أو استجابة من قبل البنوك، وهذا يرجع إلى عدد من الأسباب، أهمها فقدان البنك المركزي في عدن إلى القوة والقدرة على تنفيذ أي قرارات نتيجة لعدم امتلاكه أي من وسائل التنفيذ أو العقاب".
ويكمل الشعيبي: "بينما السبب الآخر يكمن في أن ما لا يقل عن 70 في المئة من أنشطة وعملاء البنوك التي يتحدث عنها القرار في المحافظات الشمالية الواقعة تحت سلطة "أنصار الله"، وأغلب أصحاب هذه البنوك هم من أبناء الشمال، إضافة إلى سيطرة البنك المركزي بصنعاء، الواقع تحت سلطات الحوثي، على أرصدتها احتياطياتها النقدية، بحيث لا يمكنها السحب منها أو نقلها إلى عدن".
صعوبة التنفيذ
ويرى الأكاديمي الجنوبي: "إن قراءة الواقع على الأرض تجعلنا نلاحظ أن الاستجابة لتنفيذ هذا القرار لن تكون سهلة دون أن يكون لها تداعيات كبيرة، ففي حال إلزامها بذلك فإن المتوقع هو إعلان انفصال العمل المصرفي بالكامل، وقد سبق أن أقدمت بنوك على إنشاء نظامين عمل لها الأول في صنعاء والآخر في عدن وذلك بعد زيادة الضغوط عليها".
وأشار الشعيبي إلى أن "البنك المركزي في عدن يمتلك وسائل أخرى بخلاف قرارات الغلق أو سحب البنوك من صنعاء تمكنه من ضبط وإدارة عمل القطاع المصرفي منها، السماح للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال في المحافظات المحررة من فتح بنوك تجارية وإسلامية واستثمارية بكامل الصلاحيات والقنوات التي تمكنها من الارتباط بالأسواق التجارية والاستثمارية، لأن ما هو حاصل على الأرض هو السماح للبعض بفتح بنوك تمويل أصغر وهذه البنوك لا ترتقي إلى مستوى لعب دور حقيقي مثلها مثل البنوك التقليدية".
وتوقع الشعيبي أن تحدث تدخلات ووساطات محلية وخارجية تحت حجة الدواعي الإنسانية، فليس ببعيد ما حدث قبل أسابيع من اتخاذ قرارات من البنكين بتوقيف شبكات أموال وبنوك تجارية، ولم تمر أيام حتى تراجع البنكين عن القرارات تحت مبرر الدواعي السابقة الذكر.
وأصدر محافظ البنك المركزي اليمني أ. أحمد أحمد غالب، في 2 أبريل/نيسان الماضي 2024، قرارًا رقم (17) لسنة 2024، بشأن نقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر إلى العاصمة المؤقتة عدن.
وكان البنك المركزي اليمني في عدن قد حذر قبلها من تداول عملة معدنية جديدة "فئة مائة ريال يمني" أصدرتها "أنصار الله" في مناطق سيطرتها، واصفًا الخطوة بـ "الفعل التصعيدي الخطير وغير القانوني"، معتبراً أن "هذه العملة تعد مزورة كونها صادرة من كيان غير قانوني".
وأعلن محافظ البنك المركزي اليمني المعين من "أنصار الله"، هاشم إسماعيل، في مؤتمر صحافي في صنعاء نهاية مارس/آذار الماضي، "إصدار عملة معدنية فئة 100 ريال في إطار مواجهة مشكلة العملة التالفة"، مشيراً إلى "صك العملة المعدنية وفق أحدث المعايير العالمية"، مؤكداً أن "طرح العملة الجديدة لن يؤثر على أسعار الصرف كونها بديل عن التالف".
وكانت جماعة "أنصار الله" قد أصدرت، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، قراراً بمنع تداول أو حيازة الأوراق النقدية الجديدة المطبوعة من قبل الحكومة اليمنية في الخارج لمواجهة أزمة السيولة التي تعاني منها، بمبرر أنها دون تأمين نقدي، وتنفذ الجماعة منذ ذلك الحين حملات مصادرة لها في مناطق سيطرتها.
وتسبب قرار "أنصار الله" بمنع التعامل بالأوراق النقدية الجديدة، في إيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية في عدن وصنعاء، وارتفاع عمولات تحويل الأموال من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية إلى المناطق الخاضعة للجماعة إلى أكثر من 30% من مبلغ الحوالة المالية، وهو ما انعكس بصورة مباشرة على معيشة اليمنيين الذين يعانون أوضاعاً إنسانية صعبة جراء الصراع الذي يدخل عامه العاشر.
ويبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في مناطق سيطرة جماعة "أنصار الله"، 528 ريالاً للشراء، و530 ريالاً للبيع، في حين يبلغ في عدن 1658 ريالاً شراءً و1668 ريالاً بيعاً.
ووسعت إجراءات "أنصار الله"، تجاه الأوراق النقدية الجديدة، انقسام النظام المصرفي في البلاد منذ قرار الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن، في سبتمبر/ أيلول 2016.
ويشهد اليمن تهدئة هشة منذ إعلان الأمم المتحدة، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عدم توصل الحكومة اليمنية وجماعة "ًأنصار الله" إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة التي استمرت 6 أشهر.
ويعاني البلد العربي للعام العاشر توالياً، صراعاً مستمراً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة "أنصار الله"، انعكست تداعياته على مختلف النواحي، إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بالأسوأ على مستوى العالم.