جمال حبال.. الحارس الأمين على "صناعة الحبال" الحلبية من الاندثار... صور وفيديو
بمهارة فائقة مجبولة بكثير من الحب لمهنته ومدينته القديمة، تنساب أصابع الحرفي، جمال حبال، لتغزل مشغولاته من الحبال التقليدية.
Sputnikيجلس الرجل أمام متجره الذي يتوسط "سوق الحبال" الذي يحمل اسم عائلته على عادة أهل حلب والمدن السورية الأخرى في إطلاق الأسماء على الأسواق والحرف وفقا لأسماء شيوخ الكار.
الخبرة الكبيرة العابرة للأجيال، استمدها الرجل السبعيني من إرث عائلي يناهز 200 عام، تناسلت خلالها هذه المهنة بين يدي عائلته، ليبقى اليوم الحرفي الوحيد الذي يمارس على هذه الصناعة التراثية في مدينة حلب القديمة.
الولع الروحي الذي يجمع الحرفي حبال بـ"سوق الحبال"، يبرر مسارعته إلى إعادة افتتاح متجره نهاية العام 2016، فور الإعلان عن تحرير مدينة حلب من الإرهاب:
لم أستطع حينما تم الإعلان عن النصر، الانتظار لحين ترميم أسواق المدينة القديمة، فسارعت إلى فتح محلي في سوق الحبال وحيداً رغم الخراب واليقين بعدم قدوم أي زبون إلى المدينة القديمة في ذاك الوقت.
وأضاف الحرفي الحلبي في حديثه لـ "سبوتنيك":
الدمار كان مخيفا، وأكوام الأنقاض تحز الحزن في النفس عما وصلت إليه المدينة القديمة، التي كانت مركزاً تجارياً هاماً ومتحفاً تراثياً يقصده كل محب للتراث والحضارة والتجارة أيضاً.
حنين ما قبل الحرب
على خطى آبائه وأجداده، وكما هي عادة شيوخ الكار من أجداده الأوائل، يجلس الرجل السبعيني اليوم إلى كرسيه الخيزران وسط السوق التاريخي.
ذاكرته المترعة بالحنين إلى أيام ما قبل الحرب، ما فتئت تدفع أمامها شريط ذكرياته خلال السنوات الثماني التي أعقبت تحرير الجيش السوري وحلفائه سوق الحبال من سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة، وإلى اليوم، لا تكل ولا تمل عن سوق مقارناتها بين الأيام الجميلة التي كان يغص فيها السوق باكتظاظ زواره، وبين المساحات المقفرة التي تكاد تخلو من زبون على مدار اليوم.
ومع ذلك، يواظب الحرفي الحلبي على حضوره اليومي متفائلا بحال السوق الذي أعيد ترميمه من دمار كامل مع عدد من أسواق مدينة حلب القديمة التي تقع على المحور ذاته.
خلال الفترة المقبلة، يتوقع افتتاح السوق بشكل رسمي بعد الانتهاء من ترميمه، ومع ذلك، فإن أغلب تجاره الذين افتتحوا محالهم يعانون محدودية الطلب بسبب تداعيات الحرب التي أفرزت تقطعا لشرايين النقل بين المدينة والأرياف، إضافة إلى الحصار الأمريكي ونهب الثروات الوطينة اللذين فاقما المأساة المعيشية لسوريين عموماً.
يتنسم الحرفي حبال روح أجداده في هذه البقعة من حلب القديمة، وهذه الروح التواقة هي ما تبرر بقاءه في السوق وعدم مغادرته نحو الأسواق الجديدة خارج أسواق المدينة القديمة كحال كغيره من الحرفيين الباحثين عن لقمة العيش.
في سوق الحبال أشعر أن صدري ممتلئ بالهواء، قضيت نصف عمري في أرجائه بعدما افتتحت قبل 42 عاماً محلي الخاص لأكمل مسيرة أجدادي بعد إغلاق المغاور التي كنا نشتغل فيها، كون هذه المهنة تتطلب برودة عالية حرصاً على جودة الخيوط.
خبرات جديدة
وتابع الحرفي حبال حديثه لـ"سبوتينك":
عملت في هذه "الصنعة" التي ورثتها عن أبي وجدي منذ كان عمري سبعة سنوات، أمضيت قرابة سبعين عاماً في تعلم فنونها ومهاراتها، ولحد الآن أشارك في دورات تدريبية لاكتساب خبرات جديدة، لكن يبقى تواجدي في سوق الحبال له نكهة خاصة ومكانة مميزة، لذا دوماً في شوق لفتح المحل منذ الصباح الباكر بحيث كنت أنجز مشغولاتي قبل قدوم أصحاب المحال الآخرين.
لا يجد الرجل السبعيني مفراً من المقارنة بين الحركة التجارية في السوق حالياً عن أيام ما قبل الحرب، حيث كان يعج السوق بزبائن من أرياف حلب خلافاً لهذه الأيام، إلا أنه رغم قلة البيع لا يصدق حسب قوله أن يأتي يوم غد للعودة إلى السوق، فالجلوس في المدينة القديمة لا يعادله أي مكان آخر.
مواكبة الحداثة
يضم سوق الحبال الواقع في قرب سوق السقطية وخان الحرير وباب انطاكيا والجامع الأموي بحلب، 57 محلاً لم تعد تقتصر على بيع الحبال، فتجاره اتجهوا إلى بيع منتجات يحتاجها أهالي المدينة والريف، كالألياف والكراسي المصنوعة من الخيوط والمكانس وغيرها من سلع تساعدهم بتأمين قوت يومهم في ظل قلة حركة البيع والشراء كون منتجاته الأساسية كانت تعتمد على أهالي الأرياف.
وعن تبدل حال سوق الحبال بعد الترميم ومواكبة تجاره للحياة العصرية، قال جمال حبال، الحرفي الوحيد، الذي لا يزال يحافظ على مهنته ويجددها بأساليب خاصة تواكب الحداثة:
الحركة في السوق شبه معدومة، لذا لجأ بعض أصحاب المحال إلى شراء منتجات تجارية لتدبير شؤونهم المعيشية والاستمرار في فتح محالهم.
وأضاف: "الحال ذاته ينطبق علي لكن الفرق أني أصنع المنتجات بيدي بناء على طلبات محددة من الزبائن في المدينة بعد تعذر قدوم أهالي الأرياف، فأصنع الكراسي والمراجيح وشباك كرة القدم والسلة والمكارم التي تستخدم لوضع سلل الورد، بالتعاون مع أبنائي وبناتي ممن تعلموا هذه الصنعة وأن كانوا لا يعتمدون عليها كمصدر رزق".
دعم ضروري
يكمل الحرفي حبال كلامه هو يصنع أحد مشغولاته:
بناء على حركة السوق المحدودة يفترض أن أقفل باب محلي واتجه إلى فتح محل آخر في الأسواق الحديثة، لكن روحي معلق بهذا السوق، لذا جل ما اتمناه دعم حرفة الحبال بأي طريقة حتى لا تنقرض، فمتى مات الكبار ستنتهي هذه الحرفة كلياً، ما يتطلب تقدم الدعم الكافي سواء أكان مادياً أو معنوياً لإحياء هذه الحرفة التراثية.
ويؤكد في ختامه حديثه أن عودة الحياة إلى سوق الحبال وأسواق المدينة القديمة عموماً يتطلب بالدرجة الأولى قدوم أهالي الأرياف الشرقية والغربية والشمالية وأيضاً أبناء المنطقة الشرقية إلى مدينة حلب كالسابق، وتذليل كافة الصعوبات أمام زيارتهم، كون أسواق المدينة القديمة تعتمد بشكل رئيسي على الريف وأهله.