هل تنجح مفاوضات جنيف في ظل عدم مشاركة الجيش السوداني الطرف الرئيس في الحرب..وما هى الآثار التي يمكن أن تترتب على رفض الجيش وما المخاوف التي يخشاها البرهان رغم رغم اعتراف واشنطن مؤخرا برئاسته لمجلس السيادة السوداني..وهل ستكون جنيف آخر المبادرات لوقف الحرب رغم الأزمة الكارثية التي تضرب السودان؟
بداية، يقول وليد علي، المحلل السياسي السوداني: "أثبتت حرب 15 أبريل/ نيسان أن الإدارة الأمريكية لا زالت غير قادرة على التعاطي مع الأزمة السودانية بطريقة فعالة".
الواقع السوداني
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "اليوم أصبح هناك شكوك في إمكانية نجاح أي مفاوضات يديرها الجانب الأمريكي، وهذا يعود لإنفصال المسؤولين عن الملف السوداني في الإدارة الأمريكية عن الواقع السياسي و تعقيداته، مما يجعلهم يقترحون خطط لا تستجيب لها القوى الفاعلة في المشهد السياسي للسودان".
وتابع علي: "في ظل تكرار أخطاء الإدارة الأمريكية والانفصال التام عن حقيقة ما يدور على الأرض داخل السودان، لن تتجاوز مفاوضات جنيف حدود أنها دعوة رومانسية ليست ذات جدوى كسابقاتها من البازارات السياسية التي جرت في عدة عواصم مختلفة أخرى، بحيث تنتهي بإعلان رقيق و مشفق على السودانيين وليس أكثر".
وأشار المحلل السياسي، إلى أن "التنبؤ بمضمون البيانات الختامية لمثل تلك المؤتمرات لم صعبا و ينحصر في التعاطف مع الأزمة السودانية و تجديد الدعوات للطرفين بخفض التصعيد و إيقاف الانتهاكات، و أخيرا ترك الباب موارب على أمل اللقاء في مؤتمر أو دعوة فاشلة لمفاوضات أخرى".
طاولة النقاش
وقال علي: "الأزمة السودانية تحتاج لوضع الحقائق كما هي على طاولة النقاش مع أي طرف بصورة لا تحتمل التأويل، و مواجهة الدول التي تدعم طرفي الحرب بجرائمها و محاسبتها بدون محاولة نزع الحرج عنها بدعوتها كمراقب، و هنا اعني الدول التي تمد الدعم السريع بالمال و الإمداد العسكري غير المنقطع".
وشدد المحلل السياسي على "ضرورة مواجهة الجيش السوداني بحقيقة استسلامه لتوجيهات الحركة الإسلامية ومطالبته بإتخاذ موقف صارم منها، و ثم محاسبة قادتها الذين يتجولون بحرية داخل و خارج السودان و يؤججون الصراع الدائر بالبلاد".
طريق اللاعودة
وأوضح علي: "أن التفاوض الحقيقي للإدارة الأمريكية يجب أن يكون بردع داعمي طرفي الحرب و من يدعمها، و إلا فإنها معركة تنتظر الإدارة الأمريكية المنتصر فيها، وهذا ما لن يحدث لأن المنطقة سوف تتحول لملتقى معارك أيدولوجيات عالمية على أرض السودانيين المغلوبين على أمرهم، و سوف يخرج من هذه المعارك جحيما تحترق بسببه مصالح الدول العظمى في شرق و وسط افريقيا".
ولفت علي، إلى أن "طريق اللاعودة الذي يسير فيه السودان قد بلغ المنتصف بالفعل، و يجب أن تشارك قوة عظمى أخرى الإدارة الأمريكية في إدارة الملف و إلا سوف يسبب السودان صداعا نصفيا مزعجا للعالم في السنوات القادمة".
وقف الحرب
من جانبها تقول، لنا مهدي، السياسية السودانية وخبيرة التفاوض، "إن محادثات جنيف سوف تمضي في طريقها من أجل وقف الحرب حتى في ظل رفض الجيش السوداني المشاركة".
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك": "حتى بدون حضور وفد الجيش ستمضي مباحثات جنيف المزمع عقدها 14 أغسطس/أب الجاري إلى الأمام وستحقق هدفها الأساسي، وهو وقف القتال رغم أنوف مُشعلي الحرب وموقدي الفتنة".
وتابعت مهدي: " قبل ساعات جدد الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع في خطاب متلفز موافقته على الدعوة الأميركية لانعقاد مباحثات لوقف العدائيات في جنيف، مجددا التزام الدعم السريع الأكيد والثابت للشعب السوداني باستمرار الانخراط في كل مباحثات السلام في ظل رفض الطرف الثاني (الجيش والإسلاميين) كل الجهود لوقف الحرب، ما سيكون له انعكاسات داخلية وخارجية لصالح قوات الدعم السريع وسالبة ضد الطرف الثاني".
انعكاسات جنيف
وأوضحت خبيرة التفاوض: "أن الانعكاسات الداخلية تتمثل في أن استجابة قوات الدعم السريع لهذه المفاوضات دون قيد أو شرط، تؤكد رغبته الأكيدة في وقف الحرب، وهذا بدوره يطرح سؤال مهم في ذهن الشعب السوداني، هل قوات الدعم السريع التي حققت انتصارات حقيقية على الأرض يشهد بها العالم أجمع، والتي تستجيب مرارا وتكرارا لكل دعوة للسلام، هي التي بدأت الحرب لأهداف تخصها".
وتكمل مهدي: "إن كان الدعم السريع هو من بدأ الحرب لأهداف خاصة وهي اليوم مُحققة لكل هذه الانتصارات، لماذا تستجيب لكافة مبادرات السلام ولا تستمر في انتصاراتها حتى تحقق أهدافها التي أشعلت الحرب من أجلها، خاصة وأن قائد قوات الدعم السريع في كل خطاباته للشعب السوداني يطالب بتحقيق حول من بدأ الحرب، هذه الأسئلة تؤكد للشعب السوداني براءة قوات الدعم السريع من إشعال هذه الحرب التي أزهقت أرواح آلاف السودانيين من المدنيين والعسكريين وقضت على الأخضر واليابس و دمرت البنية التحتية".
وحول الآثار المترتبة على قرار الجيش مقاطعة مفاوضات جنيف، تقول مهدي: "هنا يتم طرح سؤال حول.لماذا يرفض الجيش المفاوضات التي تفضي للسلام. ولماذا يرفض حتى مفاوضات العون الإنساني وفتح المعابر لتوصيل الغذاء للشعب السوداني الذي يعاني الجوع في ظل حقيقة صاعقة أن 35 مليون سوداني تهددهم المجاعة".
ثمن المقاطعة
وأشارت مهدي، إلى أن "قرار المقاطعة من جانب الجيش سيكون له أيضا انعكاسات على المستوى الخارجي،العالم لن يقف مكتوف الأيدي يشاهد شعب يموت كل يوم بالمئات ومن لم يمت بالرصاص يموت بالبراميل المتفجرة التي يرميها الطيران الحربي على رؤوس المدنيين، ومن لم يمت بكل ماسبق يموت بنقص الدواء أو الجوع، من المؤكد سوف يكون هناك كلمة للمجتمع الدولي والدول ذات الضمير الإنساني الحي".
ناشدت قوات الدعم السريع، أمس الاثنين، الحكومة السودانية للاستجابة إلى الدعوة الأمريكية، لعقد المفاوضات في جنيف، يوم 14 أغسطس/ آب الجاري.
وقال قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في بيان له نُشر عبر حسابه على منصة "إكس"، إنه "لا توجد أي حكومة شرعية في السودان"، مضيفًا: "وافقنا على العودة للتفاوض دون تردد و موافقون على الدعوة الأمريكية لمواصلة المباحثات في جنيف لوقف الحرب".
وأكد حميدتي أن "قوات الدعم السريع تعمل قصارى جهدها لإنهاء المعاناة الناجمة عن الحرب في السودان"، داعيًا إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية لمعرفة من أشعل الحرب في السودان، بحسب قوله.
وقرر دقلو "تشكيل قوة خاصة لحماية المدنيين تبدأ أعمالها فورا ثم تتوسع تدريجيا"، مؤكدًا أن قواته "سعت بصدق لتجنب الحرب في السودان وتجنيب البلاد ويلاتـها"، بحسب قوله.
وأضاف قائد "الدعم السريع"، أن "السودان يعاني من سفك الدماء بسبب فلول النظام السابق، والحكومة في بورتسودان غير شرعية ولا تمثل إلا نفسها".
واتهم رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، وقائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في وقت سابق من أمس الاثنين، قوات الدعم السريع بـ"التعنت والامتناع عن تنفيذ الالتزامات"، التي نص عليها إعلان جدة الموقّع، في 11 مايو/ أيار 2023.
وأوضح خلال استقباله الرئيس الرواندي، بول كاغامي، في مقر إقامته بكيغالي، أن "حكومة السودان تعاطت مع كل المبادرات المطروحة بإيجابية، في الوقت الذي تتعنت فيه المليشيا الإرهابية، وتمانع في تنفيذ الالتزامات التي نص عليها إعلان جدة الموقع في 11 مايو"، وفقا لبيان من مجلس السيادة الانتقالي في السودان نُشر عبر صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكد قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، لرئيس رواندا، بول كاغامي، حرص حكومة السودان على السلام، مبينا أن "السلام لابد أن يكون سلاما عادلا يحقق العزة والكرامة للشعب السوداني"، وفق قوله.
تأتي تصريحات البرهان، بعدما أعلن وفد الحكومة السودانية،الأحد الماضي، انتهاء المشاورات مع أمريكا في جدة بالمملكة العربية السعودية، دون اتفاق على المشاركة في مفاوضات دعا لها الأمريكيون في جنيف، في وقت لاحق من الأسبوع الحالي، من أجل وقف إطلاق النار في السودان، والتي يشارك فيها الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات العربية المتحدة والأمم المتحدة، بصفة مراقبين.
وتتواصل المعارك بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، ما أسفر عن مقتل نحو13 ألفا و100 قتيل، فيما بلغ إجمالي النازحين في السودان نحو 7.9 مليون شخص، ونحو 2.1 مليون شخص إلى دول الجوار، بحسب بيانات الأمم المتحدة.