وأعربت نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، القائمة بأعمال رئيس البعثة لدى ليبيا في ساعة متأخرة من يوم الاثنين، عن دعم الأمم المتحدة الكامل لمصرف ليبيا المركزي ودعمه في مواصلة القيام بدوره في الحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي والحفاظ على مقدرات البلاد.
تأثيرات محلية ودولية
في الإطار قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي محمد درميش، إن البنك المركزي هو السلطة النقدية وهو بنك البنوك والنخاع الشوكي للسياسة الاقتصادية في البلاد ومستشار الدولة وفق قانون المصارف رقم 1 لسنة 2005، وأن توقف عمله ودخوله في صراعات يخلق ربكة كبيرة في إدارة أمور الدولة وخاصة أنه أحد أذرع إعداد الموازنة السنوية للدولة، وأداة تنفيذية لها وكذلك أداة للرقابة على البنوك وهو عنصر الربط مابين ليبيا والمؤسسات المالية الدولية بمختلف أنواعها.
وأضاف درميش، في تصريحه لـ"سبوتنيك": "أما سبب إثارة هذا الخلاف والصراع الآن بعد قرار مجلس النواب بشأن انتهاء ولاية السلطة السياسية والتنفيذية في طرابلس جاء، كرد فعل على قرار المجلس الرئاسي رقم 79 لسنة 2024، بشأن إنشاء المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني، وهذا ما زاد من حدة التجاذبات والصراع ما بين الخصوم السياسيين في ليبيا، كما أن دخول محافظ البنك المركزي مع البرلمان كطرف من أطراف الصراع هو السبب الرئيسي".
وأوصى درميش بضرورة ابتعاد إدارة السلطة النقدية عن التجاذبات والصراعات السياسية لكي تستطيع القيام بعملها وفقا للقانون، واعتبر أن الخاسر هو الشعب الليبي والاقتصاد الوطني، والمستفيدين مجموعات بشرية أصحاب النظرة الدونية الضيقة التي تسعى إلى زيادة احتكار مؤسسات الدولة المالية والاستفادة منها لتحقيق مكاسبها.
من جانبه أكد علي المحمودي، الخبير في الشأن الاقتصادي لـ"سبوتنيك": "يوجد صراع بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وبين محافظ مصرف ليبيا المركزي والكل يعرف ذلك، واستمر هذا الصراع لعدة أشهر، ونتج عنه ارتفاع في أسعار الصرف في السوق الموازي بعد فرض الضريبة، وتأخر المرتبات ورفض إحالتها".
أزمات متوقعة
واعتبر المحمودي، أن الموضوع الأكبر هو التأثير الاقتصادي الذي لوح به محافظ المصرف المركزي، ولوحت به الجهة المتحالفة معه بإمكانية تجميد الأرصدة الليبية، والمتوقع هو رفض المصرف الليبي الخارجي التحويل للمصرف المركزي في ليبيا، أي أن المعاملات والاعتمادات سوف تجد صعوبة كبيرة بسبب أزمة الشرعية في ليبيا.
وقال إن المجلس الرئاسي جهة غير مختصة بإقالة أو تعيين محافظ للمصرف المركزي في ليبيا، أو مخولة بإقالة أو تغيير عضو، فما بالك بتغيير مجلس الإدارة بالكامل وهذا الأمر وفق اتفاق جنيف.
ويرى الخبير الليبي أن أزمة مصرف ليبيا المركزي ناتجة عن تحالف دولي، حيث شاهد وسمع الجميع تصريح المبعوث الأمريكي وتصريح السفير البريطاني الذين قالوا صراحة لا نريد تغيير المحافظ الحالي الصديق الكبير.
وأكد أن الانقسام الحالي إن حدث سوف يسبب كارثة كبيرة، ولو حدث انقسام حقيقي في المصرف المركزي سوف يسبب خسائر فادحة أبرزها زيادة الأسعار، وتخوف التجار من الحصول على الاعتمادات، فالأزمة بدأت حتى في ظل عدم إقالة الصديق الكبير بسبب البلبلة التي حدثت.
وأوضح أن ما يحدث في مصرف ليبيا المركزي ليس بمعزل عن ما يحدث في ليبيا، خاصة بعد التحالفات التي حدثت بين قادة المجموعات المسلحة، والتحشيد الكبير في مدن ومناطق ليبيا، والسعي لانجاز حكومة جديدة موحدة وما حدث من انقسام داخل مجلس الدولة والمجلس الرئاسي، وبالتالي فإن المصرف الليبي المركزي ليس بمعزل عن هذه الصراعات والحكومة في طرابلس إذ لم يكن المصرف المركزي معها فهي لا تساوي شيء، والحل هو إزاحة المحافظ الحالي عن المشهد لأن الموضوع أصبح شخصي جداً أكثر من كونه اقتصادي أو ودولي.
وتساءل: "من هي الدولة أو الجهة التي أقنعت رئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية بهذه الخطوة الخاصة بـ"تغيير المحافظ" في هذا الوقت، لأن هذه الخطوة ناجحة، خاصة وأنه يعلم أن قرارات أغلب الأطراف الفاعلة هي قرارات مرهونة بالخارج، وبالتالي فإن المستفيدين محليا هي حكومة الدبيبة في المقام الأول وبعض الجهات المعدودة الأخرى.
ومن جهة أخرى يتساءل المحلل السياسي حسام الدين العبدلي، عن السبب الذي أوصل المحافظ الحالي لإقالته من منصبه المهم، وقال: "لعل أبرز الأسباب هو وجود الصديق الكبير، منذ عام 2011 حتى عام 2024 وهو موجود على رأس هرم أكبر مؤسسة مالية في ليبيا".
وقال إن "الصديق الكبير، لم تكن له أي إصلاحات مالية في ليبيا يمكن التعويل عليها وتأكد بأنه رجل فاضل، كما أنه مثلَ أكبر حقبة شابها فساد مالي، لكنه أصبح في الفترة الأخيرة، يحظى بعداء كبير للشعب الليبي بتفقيره وتجويعه لهم في مرحلة متعمدة لذلك".
وأكد أن هناك أسباب كثيرة وتراكمات سبقت مرحلة إقالته، ولكنه استند على علاقاتها بسفارات بعض الدول الكبرى وعلاقاته بالمجتمع الدولي في محاولات مستمرة منه في تفتيت الأصوات التي انطلقت ضده، وأصبح يتولى مرحلة أخرى وهي مرحلة الابتزاز السياسي بين الحكومات ومرحلة تجويع التشكيلات المسلحة، واصطفافه في كل مرة مع جهة، أي أنه أصبح يستخدم منصبة كمحافظ للمصرف المركزي لعدة أمور أخرى غير قانونية يقوم بها.
التدخلات الأجنبية
وقال العبدلي، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك" صرحت المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري بأن إزاحة الصديق الكبير، بالقوة سوف يسبب انقسام مالي في البلاد، وعلى البعثة الأممية والسفارات الأجنبية الا تتدخل في الشأن الليبي الخاص، وإن كانت لهم جدية في التدخل فعليهم العمل توحيد الحكومات وتوصيل البلاد للانتخابات، أما التدخل من هذا النوع خاصة في المصرف المركزي، فهو غير مقبول.
وأشار العبدلي إلى أنه "لم يسمع صوت المبعوثة الأممية والسفراء المتدخلين في هذا الشأن عندما تم رفع سعر الصرف لأكثر من 6 دنانير مقابل الدولار الواحد في سياسة ممنهجة للتجويع، ولم يستنكر أو يندد أحد بذلك".
واعتبر أن هناك مخطط كبير من المبعوثة الأممية والمحافظ الحالي، وعندما رأينا التنديد الكبير من سفارات بعض الدول هذه دلالة واضحة على أن المحافظ الحالي له تحالفات خارجية ومدعوم من الخارج وليست له شرعية الشعب الليبي أو السياسيين الليبيين.
وأوضح أن تحالف مجلس النواب مع الصديق الكبير هو تحالف مصالح وهو تحالف مؤقت "مصالح سياسية، وان إقالة الصديق الكبير من صالح الشعب الليبي بشكل كبير قبل أن تكون من صالح السياسيين الليبيين، وإن إقالته أمر مهم جدا للبلاد.
وقال إن سفارات الدول التي نددت بذلك تبحث عن مصالحها خاصة وأن هذه السفارات واقتصاد العالم يحكمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي ليس له حليف استراتيجي كمحافظ المصرف المركزي الليبي "الصديق الكبير" وهذا ليس مجرد كلام وإنما بعد متابعات لقاءاته مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تثبت بأنه يد صندوق النقد الدولي التي تعمل على تجويع الليبيين مثل ما فعل صندوق النقد الدولي ذلك في عدة دول وجعلها مرهونة له.
وشدد على ضرورة أن يحترم المحافظ قرارات المجلس الرئاسي، واحترام قرارات المحاكم الليبية التي حكمت بإلغاء الضريبة التي ساهمت في تجويع الشعب الليبي، ولا يزال موجود في مكانه، يجب عليه أن يترك مكانه لغيره، وأن لا يكون سبب الانقسام المالي في ليبيا، مضيفا: "يجب على المبعوثة الأممية والسفراء المعنيين العمل على توحيد المؤسسات العسكرية والسياسية، قبل أن يتحدثوا عن المصرف المركزي".