تغيب الأحزاب التونسية عن المشهد الانتخابي الحالي بشكل ملحوظ، وسط تساؤلات عن أسباب تراجع دور الأحزاب، وما إن كانت واجهت تضييقات على عملها، أم أنها لم تستطع فرض مكانتها برؤى وبرامج حقيقية على أرض الواقع.
وبلغ عدد الأحزاب السياسية في تونس حدود 244 حزبا، حسب بيان حكومي صادر في يونيو/ حزيران 2020.
وبرزت العديد من الأحزاب بعد عام 2011، كان في مقدمتها "نداء تونس"، و"حركة النهضة"، بالإضافة لحزب "الدستوري الحري"، و"قلب تونس"، الذي شكل لاحقا.
وتقاسم حزب "نداء تونس" و"النهضة" الحكم في الفترة التي تلت 2011، خلال فترة الرئيس الباجي قائد السبسي، فيما تصدر حزب "قلب تونس"، إلى جانب "النهضة" الانتخابات التشريعية في 2019، لكن تجميد البرلمان في 2021، كان بداية انهيار المشهد الحزبي في تونس بشكل كامل.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، علقت الحكومة التونسية أنشطة 97 حزبا سياسيا بعد انطلاق الحكومة في تتبع الأحزاب السياسية التي لم تقدم تقاريرها المالية منذ سنة 2018. كما نبهت الإدارة لـ150 حزبا آخر بشأن أوضاعها المالية، ما يعني وجود أكثر من 200 حزب في تونس.
تقول البرلمانية التونسية، آمال مؤدب، إن تراجع دور الأحزاب في المشهد السياسي الحالي، يعود إلى عدم قدرتها للإقناع ولعب دورها الأساسي، وهو تقديم برامج حقيقية، واستراتيجيات واضحة لتغيير وضعية المواطن التونسي للأفضل.
تضيف البرلمانية في حديثها مع "سبوتنيك"، أن ما حدث في السنوات الماضية، أن العديد من الشخصيات ظنت أنها مؤثرة وذات نفوذ، أرادت الاستحواذ على المشهد السياسي، دون تأسيس أحزاب على مبدأ البناء المجتمعي، فكانت في حقيقة الأمر "دكاكين لإعادة رسكلة شخصيات تابعة للمنظومات السابقة، ولتلميع صورتهم وخدمة مصالحهم الشخصية".
وتابعت: "فقدت ثورة الياسمين مصداقيتها ومبادئها وضاع الأمل والثقة في الأحزاب، التي فقدت مصداقيتها وتأثيرها الإيجابي، ما أدى إلى العزوف والنفور منها، وبالتالي غيابها عن الساحة".
واستبعدت البرلمانية وقوع تضييق من السلطة على الأحزاب التي تعمل للمصلحة العامة، ومصلحة المواطن، والتي يمكنها تقديم مبادرات للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، وفق تقديرها.
من ناحيته، قال البرلماني السابق، حاتم المليكي، إن الأحزاب التقليدية التونسية والتي عادت للساحة السياسية بعد 2011 هي أحزاب أيديولوجية، لم تستطع أن تطور تنظيمها، وطرق عملها وحتى أفكارها بما يتلائم مع تحديات المرحلة الجديدة، بمعنى التركيز على مقاربات لإدارة شؤون البلاد، وتطوير سياسات عمومية حقيقية وفقا لتوجهاتها.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن معظم الأحزاب اكتفت بالمشاركة في المحطات الانتخابية، والحضور في المنابر الإعلامية، مما جعلها غير جاهزة للحكم من جهة، وغير ملتصقة بمشاكل المواطنين الحقيقية من جهة أخرى.
ويرى البرلماني السابق، أن التحدي الحقيقي للأحزاب السياسية هو بناء قدرات متطورة ذات أربع أبعاد.
أولا: تحول الأحزاب إلى مراكز تفكير قادرة على تحديد مواقفها، من السياسات العمومية بشكل دقيق، بما يؤهلها لممارسة الحكم في حال فوزها في الانتخابات، أو يضبط مواقفها في المعارضة، ويسهل التعرف على هويتها من طرف المواطنين والناخبين.
ثانيا: اعتماد منهجية للانتشار والتأثير على المواطنين، بما يسمح بتحريك الرأي العام بشكل فعلي وبناء على مواقفها.
ثالثا: تركيز وحدات لتكوين إطاراتها المحلية والجهوية والوطنية، والرفع من قدراتها بما يعزز انتشارها ويؤهلها للحكم.
رابعا: تركيز مكتب علاقات عامة متطور يمكنها من بناء علاقات مع الأطراف الوطنية والدولية، ويعزز انفتاحها وقدرتها على التفاوض والتواصل والتأثير.
ويرى أن غياب الأحزاب عن الساحة يفرغ العملية السياسية من محتواها، ويحرم البلاد من توجهات وسياسات واستراتيجيات متناسقة.
تجدر الإشارة إلى أن هيئة الانتخابات كانت قد قبلت ملفات 3 مرشحين للانتخابات الرئاسية، وهم الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، ورئيس الجمهورية الحالي قيس سعيد، والقيادي السابق بحزب تحيا تونس العياشي زمال، كما رفضت 14 ملف ترشح لأسباب إجرائية مختلفة.
وفي نهاية العام 2023، أعلنت سامية الشرفي، مديرة ديوان رئيس الحكومة التونسية، عن ضبط قائمة تضم 272 "جمعية مشبوهة"، اتخذت بشأنها الإجراءات القانونية.
كما علقت الحكومة نشاط 266 جمعية من إجمالي 272 جمعية تحوم حولها الشبها، وأصدرت أذون تعليق نشاط 182 منها، مقابل رفض طلب تعليق نشاط 25 جمعية".
وفي السنوات السابقة عاشت حركة "النهضة"، صعودا مباشرة إثر سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي في 2011، لكنها بعد نحو 10 سنوات، عرفت سقوطا في 25 يوليو 2021، حين اتخذ رئيس الجمهورية قيس سعيد الإجراءات الاستثنائية وجمد أعمال البرلمان وأقال الحكومة، كما غاب شريكها في الحكم "نداء تونس"، ليتصدر المشهد حزب "قلب تونس" في انتخابات 2019 إلى جانبها، ثم عرف سقوطا سريعا بتجميد البرلمان، والتحقيق مع رئيسه نبيل القروي.